الأزمات في إفريقيا.. هل يستغلها داعش للتوسع بالقارة السمراء؟

  • | الأربعاء, 26 يوليه, 2023
الأزمات في إفريقيا.. هل يستغلها داعش للتوسع بالقارة السمراء؟

     تسعى التنظيمات الإرهابية، وخاصة التنظيمات الكبرى ذات النفوذ في القارة الإفريقية كالقاعدة وداعش، لاستغلال معاناة بعض دول القارة مع الصراعات الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية والسياسية: كالفقر والفساد والبطالة والصراعات القبلية وتهميش بعض المناطق أو عدم الاهتمام بها معيشيًّا وأمنيًّا كالمناطق الحدودية والمعابر بين الدول؛ في التوسع وفرض السيطرة على مناطق جديدة، مما ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر، في ظل التنافس بين القاعدة وداعش الإرهابيين.

على سبيل المثال لم يجد تنظيم داعش شرق إفريقيا الفرصة المناسبة للتوسع لأسباب، أهمها: التحالفات العسكرية على غرار مجموعة شرق أفريقيا (EAC) التي تسيطر بشكل كبير نسبيًّا على الأوضاع في هذه المناطق، خاصة مع نشاط تحالف القوى الديمقراطية الموالي لداعش في دول الكونغو وأوغندا. ورغم أن الأخيرة كانت محل ميلاد تنظيم داعش جناح شرق إفريقيا، إلا أن الجيش الأوغندي تمكن من مطاردة عناصر التنظيم حتى منطقة الغابات على الحدود مع الكونغو، وهناك وجد التنظيم الفرصة للتوغل نتيجة التوترات والصراعات بين المعارضة والحكومة وضعف الحالة الأمنية بالمنطقة الحدودية بين البلديْن، لكن يبقى نشاط التنظيم في تلك المنطقة مختلف عن مناطق غرب أفريقيا والساحل؛ حيث فشل في اختراق الصومال وكينيا؛ بسبب وجود قوات حفظ السلام وبعثة الاتحاد الأفريقي المؤقتة (ATMIS)، ناهيك عن خسارة المعارك مع حركة الشباب الصومالية التي تعتبر أقوى أذرع القاعدة في المنطقة ولها نفوذ على الأرض مكنها من السيطرة على مصادر التمويل بالمنطقة كتجارة الفحم والقرصنة وفرض الإتاوات على التجار ولجوء الحركة إلى استيراد السيارات المستعملة وتجارة الهيروين.

هذه الأسباب دفعت داعش باتجاه الغرب الإفريقي ومنطقة الصحراء الكبرى والساحل، خاصة منطقة المثلث الحدودي، وبحيرة تشاد التي تقع بين دول مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، بالإضافة إلى نيجيريا، لاسيما بعد انحسار نفوذ بوكو حرام تحت وطأة الضربات العسكرية المكثفة المشتركة بين قوات دولتي النيجر ونيجيريا، ونجاح تنظيم داعش في استهداف "أبو بكر شيكاو" زعيم بوكو حرام، واستسلام الألاف من عناصرها لقوات الجيش النيجيري.

ويحاول داعش كتنظيم ألا يكرر تجربته في العراق وسوريا، والتي خسر فيها مواجهات عسكرية مباشرة مع قوات التحالف الدولية والقوات المتحالفة من القبائل السنية والشيعية هناك؛ لذا نجد مناطق انتشاره في أفريقيا تتمركز في المناطق الصحراوية والجبلية ومناطق الغابات على الحدود المترامية الأطراف بين الدول، مستغلًا حالة الفراغ الأمني في تلك المناطق، ومستعينًا ببعض الأذرع الموالية له كجماعة أنصار الإسلام على الحدود بين مالي وبوركينافاسو.

ومن الأسباب التي جعلت داعش ينظر للغرب الإفريقي ومنطقة الساحل أيضًا، هو بحثه عن مصادر للتمويل والدعم اللوجيستي، فكلٌّ من داعش والقاعدة ينظران إلى منطقة الساحل على أنها محور رئيس يمهد للسيطرة على معبر غينيا التجاري، والذي يعد منفذًا لتجارة المخدرات بين دول غرب أفريقيا ودول أمريكا اللاتينية، وهناك تقارير تفيد بوجود علاقات وثيقة تربط بين التنظيمات المسلحة، خاصة المتشددة هناك، وتجار المخدرات.

ومما سبق يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن داعش كغيره من التنظيمات الإرهابية ينتهج في استقطابه للعناصر الجديدة منهجَ استغلال الأزمات، فتارة يستغل عمليات الانقلابات العسكرية في بعض البلدان وحالة الفوضى المصاحبة لتلك الانقلابات، وتارة يستغل حالة انعدام الثقة بالدولة، أو يستهدف الفئات المهمشة تعليميًّا وثقافيًّا ويسيطر على عقولهم، وأحيانا كثيرة يستغل حالة الفقر والمجاعات في بعض القرى ومناطق إيواء اللاجئين؛ فيستقطب الكثير من العناصر التي تلهث نحو الحصول على المال من أجل توفير المأكل والمشرب، بل والمأوى، هذا فضلًا عن إستراتيجية تقويض العملية التعليمية واستهداف المدارس من أجل السيطرة على العقول وفرض مقررات ونظام تعليمي يعمل في الأساس على نشر الفكر الداعشي.

إن توتر الأوضاع في غرب إفريقيا، خاصة بين مالي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا من جهة، وبين مالي وفرنسا وسحب فرنسا قوة برخان من مالي من جهة أخرى، أدى إلى تزايد نشاط التنظيمات المتطرفة بعض الشيء، وأصبحت قوات حفظ السلام الدولية نفسها عرضة للعمليات الإرهابية كما حدث للكتيبة المصرية هناك واستشهاد بعض جنودنا البواسل. هذا، ونجد أيضًا بعض قبائل الأوزاغ، وهي من بطون الطوارق، تقطن منطقة حوض الأوزاغ في شمال شرق مالي وشمال غرب النيجر، وقد بايعت هذه القبائل في مالي مؤخرًا جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية للقاعدة، ومن ثَمَّ نجد أن مناطق الصراعات والمناطق التي بها أزمات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية هي المناطق التي من السهل على التنظيمات الإرهابية أن تستغلها كمناطقَ نفوذ وتمدد.

كما أن الصراعات العرقية والتنازع على مناطق النفوذ بين القبائل، ومنها ما وجدناه مؤخرًا من الصراع بين بعض القبائل الرعوية كالفولان الذين يتنقلون بأبقارهم بين المراعي  فيدخلون في صراع بينهم وبين المزارعين من سكان بعض القبائل الأخرى بالبلدان التي ينتشرون بها كنيجيريا والنيجر والسنغال ومالي وجنوب السودان؛ حيث يشتكى الرعاة الفولان من سيطرة المزارعين على مساحات واسعة من الأراضي للزراعة، وتضييق الخناق عليهم، كما أنهم أيضًا يشعرون بالتهميش، سواء الاجتماعي أو السياسي، الأمر الذي يثير فيهم نار الغضب والتمرد، مما ينذر باحتمالية استغلال التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة لحالة الحنق والغضب لشعب الفولان وغيره من الجماعات الرعوية  والتسلل داخل مجتمعاتهم، وهناك يظهر خطر حقيقي قد تشكله ميليشيات جديدة تعمل على إثارة الفتن العرقية.

ورغم قيام عدد من المبادرات الدولية لمحاربة الإرهاب في إفريقيا، وخاصة في غرب القارة السمراء، فإن المعوقات التي اعترضت عملية القضاء عليه كانت أقوى من تنفيذ تلك الغاية، ومن بين تلك المعوقات: الصراعات القبلية، وانتساب بعض الجماعات المتطرفة لبعض القبائل الإفريقية، وحصر الإرهاب في داعش كتنظيم دموي، واستبعاد بعض التنظيمات المتطرفة الأخرى، كما أن ترامي أطراف المناطق الحدودية وانتشار الغابات والجبال والصحارى، أدى إلى ندرة التواجد الأمني بالمناطق الحدودية مثل: منطقة المثلث الحدودي وبحيرة تشاد والغابات بين الكونغو وأوغندا... إلخ.

وأخيرًا، فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يؤكد على أن المؤسسات الحكومية للدول ينبغي عليها القيام بواجباتها تجاه شعوبهم؛ لأن قوة الدولة ومدى استقرارها من الأهمية بمكان، وكلما كانت الدولة مستقرة وقوية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وفي شتى الجوانب الحياتية التي تضمن للفرد بيئة سليمة للنمو، كان انتشار التطرُّف بها ضئيلًا، وكانت السيطرة على تلك التنظيمات المتطرفة من السهولة بمكان.

طباعة