تزايد النشاط الداعشي في أفغانستان .. الأهداف والنتائج

  • | الأحد, 30 يوليه, 2023
تزايد النشاط الداعشي في أفغانستان .. الأهداف والنتائج

     بدأ تنظيم داعش الإرهابي عملياته في أفغانستان منذ  بداية عام 2015م، وأعلن  في إحدى المجلات الصادرة عنه  أن مسلحين من ولايات "نورستان" و"كونار" و"قندهار" و"خوست" و"غزني" و"ورداك" و"هلمند" و"قندوز" و"لوجار"، و"ننجرهار"، انضموا إلى التنظيم في أفغانستان، كما انضوى العديد من المقاتلين الآخرين من مديريات "باجور" و"أوراكزاي" و"كورام" و"وزيرستان" و"خيبر" في "باكستان" تحت راية تنظيم داعش الإرهابي-ولاية خراسان (عين أوروبية على التطرف بتاريخ 16 ديسمبر 2020) وكان هذا التنظيم الإرهابي في بداية ظهوره في أفغانستان محصورًا في إقليم ننجرهار الشرقي، لكنه توسع بعد ذلك  في الشمال والشمال الشرقي، وينتمي بعض أعضاءه إلى قومية الأزبك، ومعظمهم من تنظيم " الحركة الإسلامية الأزبكية" الذين دخلوا أفغانستان بعد طردهم من جنوب وزيرستان إثر عمليات عسكرية للجيش الباكستاني. (وكالة أخبار "تسنيم" باللغة الفارسية بتاريخ ٢٣‏ أبريل ٢٠١٨م) والبعض الآخر يتم تجنيدهم من دول أخرى كآسيا الوسطى وغيرها.

وقد وصل عدد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان عام 2019م إلى خمسة آلاف مقاتل بعدما كان عدده عام 2018 ألف مقاتل فقط وفقا للتقارير الصادرة عن المخابرات العسكرية الأمريكية (موقع طلوع نيوز باللغة الفارسية بتاريخ 22 مايو 2019) وقد صرح رئيس الأمن القومي الأفغاني يوم الثلاثاء 27 أبريل 2021م بأن عدد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي المحتجزين في أفغانستان بلغ 408 أعضاء ينتمون إلى 14 دولة من بينها باكستان، إيران، تركيا، اندونيسيا، الجزائر، بنجلاديش، الهند وجزر المالديف. (دويتشه فيله فارسى بتاريخ 27 أبريل 2021م).

وبعد وصول طالبان إلى السلطة في 15 أغسطس 2021م، ارتفعت وتيرة العمليات الإرهابية لتنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان؛ حيث أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن العديد من التفجيرات، والعمليات الإرهابية التي استهدفت بعض المسؤولين وراح ضحيتها الكثير من المدنيين. وقد بدء داعش هجماته في أفغانستان بعد أيام من سيطرة طالبان على العاصمة، بتفجير قرب مطار كابل المكتظ آنذاك بالمواطنين الفارين، ورعايا الدول الأجنبية، والجنود الأمريكيين ما أسفر عن مقتل أكثر من (١٧٠) فردًا أغلبهم من المدنيين.

وقد ازداد نشاط هذا التنظيم الإرهابي في أفغانستان خلال الربع الأخير من العام 2021م، بعدد (٢١) هجومًا في شهر سبتمبر، و(٢٨) هجومًا في أكتوبر، و(٣٠) هجومًا في نوفمبر، و(٢٨) هجومًا في ديسمبر (حسبما أورد موقع (بي بي سي) فارسي).

وقد تنوعت العمليات الداعشية على مدار ما يربو على عام ونصف من عمر حكومة طالبان؛ حيث شملت المسؤولين والمقرات الحكومية، المراكز الثقافية والتعليمية، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد... وغيرها، وفيما يلي نبذة عن أبرز عن هذه العمليات خلال الفترة الماضية:

استهداف المراكز الثقافية والتعليمية على النحو التالي:

حيث وقع تفجير في مركز (تبيان) الثقافي في مدينة مزار شريف، عاصمة إقليم بلخ، بأفغانستان، في 11 مارس 2023م، مما أدى إلى مقتل (٣) أفراد، وجرح نحو (٣٠) آخرين، من بينهم (١٥) صحفيًّا.

كما نفذ التنظيم تفجيريْن؛ أحدهما عند مدخل مدرسة "ليسيه عبد الرحيم شهيد"، والثاني أمام مركز "ممتاز" التعليمي في منطقة يقطنها الشيعة، غرب كابل، يوم 19 أبريل ٢٠٢٢م، مما أسفر عن مقتل (٩) أطفال، وجرح أكثر من (٥٠) آخرين.

كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير مدرسة دينية في كابل، يوم 11 أغسطس 2022م، مما أسفر عن مقتل الشيخ رحيم الله حقاني، أحد رجال الدين البارزين التابعين لطالبان، والذي سبق وأدان التنظيم في عمليتي اغتيال فاشلتيْن تعرض لهما سابقًا.

وبالنظر إلى توجهات تلك المراكز الثقافية والتعليمية التي أعلن التنظيم مسؤوليته عن ما تم بها من تفجيرات، نلاحظ أن أغلبها مراكز شيعية، وتقع في مناطق يقطنها شيعة، كما أنها تدعم طالبان في حربها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حكمها للشعب الأفغاني، ويمكننا إدراك هدف التنظيم الإرهابي من تلك العمليات، وهو بث روح الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فاستهداف الشيعة دون غيرهم لا شك يجعلهم ينقمون على غيرهم من أهل المذاهب، والعرقيات الأخرى، كما أنه بمعاقبة الشيعة على دعمهم لطالبان – كما يتصور تنظيم داعش الإرهابي - يوجه رسالة لكل من يدعم الحركة أننا نقف لكم بالمرصاد، ولن يكون مصيركم أفضل حالًا من مصير الشيعة.

  • استهداف مسؤولين في حكومة طالبان:

حيث أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي أسفر عن مقتل محمد داوود مزمل، والي "طالبان" على ولاية "بلخ"، في شمال "أفغانستان" يوم 9 مارس 2023م.

كما أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن تفجيريْن؛ أحدهما وقع في مستشفى محمد داوود خان في كابل بتاريخ 2/11/2022م، حيث قُتل فيه "حمد الله مخلص" قائد قوات "طالبان" في "كابل". والآخر   في ولاية "بدخشان"؛ حيث قُتل فيه "مولوى عبد الحق عمر"، أحد قادة الأمن في ولاية "بدخشان"، كما قُتل رئيس الشرطة في ولاية "دخشان"، واثنين من حراسه، وذلك يوم 12/1/2023م، وفقا لمصادر إعلانية أفغانية.

والمتأمل في هذه التفجيرات يجد أن تنظيم داعش الإرهابي يسعى من ورائها إلى استعراض القوة، وإثبات ضعف الحركة، وعجزها عن تأمين رجالها، والمواطنين، فمن المعروف أن المسؤولين يتم تأمينهم، وحراستهم بقوات خاصة، فإذا ما أثبت داعش قدرته على اختراق تلك الحراسات، والتأمينات، فهو يرسل رسالة مفادها أنه أقوى، وقادر على تنفيذ مخططاته.

 

  • استهداف مقرات حكومية:

حيث أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن الاعتداء الذي وقع يوم الأربعاء 11 يناير 2023م في شارع وزارة الخارجية، وكان يستهدف مقر الوزارة، ولكن الانتحاري فشل في دخول مقر الوزارة، وقد أدى هذا الهجوم إلى مقتل (٢٠) فردًا، وإصابة نحو (٤٠) آخرين.

كما أعلن عن مسؤوليته عن الاعتداء الذي وقع يوم الإثنين 27 مارس 2023م بالقرب من وزارة الخارجية الأفغانية في كابل، ووفقا للمتحدث الرسمي باسم طالبان فقد أسفر هذا التفجير عن مقتل (٦) أفراد، وجرح (١٢) آخرين، وكان من بين القتلى اثنين من الدبلوماسين في الحكومة السابقة ممن كانوا يعملون مع وزارة خارجية طالبان.

كذلك كان التنظيم وراء الهجوم الذي وقع على مطار كابل في ٢/1/2023م، ونتج عنه مقتل (١٤) فردًا، وجرح (١٨) آخرين وفقًا لبيانات الحكومة، في حين ادعي التنظيم في بيانه أن هذا الهجوم أسفر عن قتل، وجرح (٥٠) فردًا.

كذلك نفذ التنظيم هجومًا على فندق يقطنه مواطنون صينيون في العاصمة الأفغانية كابل في ٢٢/12/2022م)، ووفقا للبيان الذي أعلنه التنظيم الإرهابي فإن هذا التفجير أسفر عن مقتل (٣٠) فردًا من بينهم أعضاء في طالبان، ومواطنون عُزَّل، ودبلوماسيون صينيون، في حين صرح المتحدث باسم طالبان "ذبيح الله مجاهد" أن جميع نزلاء الفندق قد نجو، وأنه لم يُقْتل أحد من الأجانب في هذا التفجير.

ولا شك أن هدف التنظيم الإرهابي من تفجير تلك المقرات الحكومية مرتبط بأهدافه من استهداف المسؤولين في الحكومة، في محاولة منه لإثبات قدرته على النفوذ داخل كافة مؤسسات الدولة، وأكثرها تأمينًا.

 

  • استهداف المساجد:

حيث أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن التفجير الذي وقع بالقرب من بوابة مسجد "عيدگاه" في مدينة "كابل" يوم 3 أكتوبر 2021م، وجاء في البيان الذي بثه موقع تابع لداعش، أن جماعة تدعى "مصباح الكنرى" نفذت الهجوم وسط تجمع لطالبان في المسجد المذكور.

كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير أحد مساجد الشيعة (سه دکان) في مدينة مزار شريف، مما أسفر عن مقتل (٣٠) مصليًّا، وإصابة أكثر من (٩٠) آخرين. وكذلك الهجوم على المصلين يوم الجمعة بأحد مساجد الشيعة في ولاية "قندوز"، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من (٥٠) فردًا، وجرح أكثر من (١٥٠) آخرين.

ونلاحظ هنا أن أغلب المساجد التي تم استهدافها؛ إما مساجد شيعية، أو مساجد سنية يرتادها موالون لطالبان، لذلك فإن هدف التنظيم من تلك التفجيرات لا يعدوا أن يكون مجرد معاقبة للشيعة الذين أعلنوا دعمهم لطالبن، وكذلك معاقبة داعمي طالبان من غير الشيعة.

ورغم كل تلك العمليات الإرهابية التي ارتفعت حصيلتها بشكل ملحوظ منذ وصول طالبان للحكم، فقد صرح "أمير متقي خان" وزير الخارجية الأفغانية في حكومة طالبان بتاريخ 19 مارس 2023م أنه لا وجود لداعش في أفغانستان، وأن الحوادث التي تقع يتم إدارتها من الخارج، وأكد أن الأفراد الذين يحاربون طالبان هم أجانب، قادمون من الخارج، وأن الأفغان ليس لديهم مشاكل مع بعضهم.

في حين أن تقرير الأمم المتحدة في مجلس الأمن، والذي أعده فريق الأمم المتحدة لمراقبة العقوبات ضد "داعش" و"القاعدة" في أوائل فبراير2022م، قد أكد انتماء حوالي (4 آلاف) مقاتل إلى تنظيم "داعش" فرع خراسان، بما في ذلك ما يصل إلى (٢٠٠٠) أجنبي تم إطلاق سراحهم بعد فتح السجون الأفغانية عقب سيطرة طالبان، وغالبية المقاتلين تم تجنيدهم من بين صفوف الأفغان، وخاصة أولئك الذين كانوا ينتمون إلى طالبان حتى وقت قريب. (موقع "دويتشه فيله" بتاريخ 26 فبراير 2022م)

وسواء أكان أعضاء التنظيم الإرهابي أفغان أم أجانب، وسواء أكانوا منشقين عن حركة طالبان أم لا، تبقى النتيجة النهائية لأنشطة تنظيم داعش في أفغانستان هي تدمير البنية التحتية للشعب الأفغاني، وحصد أرواح العديد من الأبرياء الذين يدفعون ثمن الحروب، والدمار الذي حل ببلادهم دون ذنب اقترفوه، فداعش يسعى من خلال تلك التفجيرات إلى الإعلان عن نفسه، وإيجاد موطئ قدم له لتأسيس خلافته المزعومة، ولا يتوانى عن أي فعل في سبيل تحقيق أهدافه، فها هو يفجر مراكز ثقافية شيعية، ويفجر مساجد للشيعة، ويفجر مقرات حكومية، ويستهدف مسؤولين حكوميين، ويستهدف مساجد يرتادها رجال طالبان والمدنيين، كل تلك العمليات هدفها الرئيس أن يقول التنظيم للعالم أجمع "أنا موجود" إن خسرتُ أرضًا في سوريا والعراق، فأنا هنا أبحث عن أرض بديلة.

لذلك يدعو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى تضافر جهود المجتمع الدولي بكافة مؤسساته للوقوف ضد التطرف بكافة صوره وأشكاله، ومنعه من بسط نفوذه في هذا البلد الذي دمرته الحروب، وقضت على مستقبل أجيال لم تحصل على أدني حقوقها في حياة كريمة.

وحدة رصد اللغة الفارسية

طباعة