الحرب الهندوسية المقدسة

(1) لحوم الأبقار والعنف الطائفي (لمحة تاريخية موجزة)

  • | الأحد, 3 أبريل, 2016
الحرب الهندوسية المقدسة

ما نأكله ليس مجرد زاد يمدنا بالطاقة من أجل البقاء على قيد الحياة؛ بل هو أعقد من هذا بقليل... فليس كل ما نأكله يكون المفضل لنا أو حتى من اختيارنا... ما نأكله مرتبط بشكل أو بآخر بمعتقداتنا الدينية التي تُبيح لنا تناول هذا، أوتحرم علينا تناول ذاك. لكن ليس الدين وحده هو الذي يُبيح لنا هذا أو يمنع عنا ذاك، ففي بعض الأحيان وفي بعض البلدان تتحكم الطائفة أو العادات والتقاليد أو حتى المنطقة الجغرافية في هذا الأمر، فالبعض يفضل تناول الأسماك ليس لأنها المفضلة لكن لأنها وفق اعتقاداتهم تحميهم من الشيطان ومن الأرواح الشريرة... البعض الآخر يفضل لحوم الموتى لاعتقادهم بأنها تمنحهم قوى خارقة وتؤمن لهم الشباب الدائم!

تنشب الحروب والمناوشات والنزاعات عادةً من أجل أطماع جغرافية، وأهداف استعمارية، لكن أن تنشب بسب لحوم الأبقار فهذا لا يحدث إلا في الهند!! فإذا كنت تفضل تناول لحوم الأبقار فتوقع أنك مستهدف، ومن الممكن أن تفقد حياتك في لحظة، أو تسجن أو حتى تسحل وينكل بك؛ لأن تناول وحيازة وذبح الأبقار في الهند يعد جريمة كبرى لدى البعض، فتناول اللحم البقري يعني أنك ستذبح بقرة، أي ستذبح معبود الهندوس الذين يعبدوه ويصلون ويقدمون له القرابين، ولهذا السبب نادت وتنادي الأحزاب اليمينية الهندوسية بحظر هذا الأمر لحماية مشاعر الهندوس الدينية، فحماية الأبقار في أعينهم حماية للدين وصيانة للعقيدة والطائفة، ومن أجل هذا السبب يقوم بعضهم بشن حملات دموية على كل مخالف لمعتقدهم، حملات وصفها بعض المعتدلون بأنها أشبه بالحروب الصليبة لكن هذه المرة من أجل حماية الأبقار... حروب دموية أدخلت الهند في دائرة العنف الطائفي وتسببت في إزهاق أرواح المئآت من الأبرياء الذين قادهم حظم العثر في طريق هؤلاء المتطرفين الذين يتذرعون بحماية الدين من أجل القضاء على كل من يخالفهم الدين والمعتقد.

نشر موقع the qunt الهندي تقريرًا موجزًا عن أبرز المحطات في تاريخ العنف الطائفي في الهند، والذي كانت لحوم الأبقار سببًا في نشوبه على فترات متباعدة من تاريخ الهند، تلك البلاد التي يدين سوادها الأعظم بالديانة الهندوسية، البلاد التي تتواجد بها أكبر أقلية في العالم - الأقلية المسلمة - والتي يقدر عددها ما بين 180 مليون مسلم: 200 مليون مسلم لتحتل بذلك المركز الثاني بعد إندونيسيا لأكبر تجمع للمسلمين بالعالم. أشار التقرير إلى أنه في العام والنصف الماضي شهدت ولاية "أتربرديش" الهندية وحدها حوالي 330 حادثة عنف طائفي بسبب ذبح لحوم الأبقار.

يعود تاريخ المشاحنات الطائفية بين المسلمين والهندوس بسبب لحوم الأبقار للقرن التاسع عشر الميلادي، فبعد الثورة الهندية عام 1857م، والتي توحد فيها المسلمين والهندوس ضد المحتل الإنجليزي الذي انتهك الحرمات الدينية لكليهما بمعالجته واستخدامه للحوم الخنازير وشحوم الأبقار في صناعة خراطيش البنادق انقلب الوضع رأسًا على عقب في نهاية هذا القرن، وهبت عواصف الطائفية مرة أخرى ولكن هذه المرة بسبب لحوم الأبقار، وكانت هي البداية لسلسلة من الأحداث الطائفية المتفرقة التي لم تنتهي حتى وقتنا هذا بسبب معبود الهندوس، لدرجة أنه في عام 1882م ظهرت حركة تُعرف باسم "حركة حماية الأبقار" في مناطق مختلفة من الهند، والتي أعقبها اندلاع أعمال عنف غير مسبوقة في منطقة "أعظم جره"، سرعان ما امتدت نيرانها للشمال الهندي كله واستمرت لمدة شهور، وأعتبر المسلمون أن هذه الحركة قد أنشئت لقمع المسلمين وزيادة الاحتقان الطائفي في البلاد. وفي عام 1893م احتشد عددٌ كبيرٌ من الهندوس للتنديد بأكلة لحوم الأبقار في "راجبور" و"هاروار" و"بنارس"، وقاموا بتوزيع منشورات وكتيبات لتوعية أولئك الذين يأكلون الأبقار، وبسبب تلك المنشورات نشبت اشتباكات بين المسلمين والهندوس، ولم تتمكن الشرطة وقتها من السيطرة على الأوضاع إلا بعد مرور ثلاثة أيام.

بعد مرور سنوات قليلة على استقلال الهند في عام 1947م وانقسام شبه القارة الهندية لدولتين الهند وباكستان أخذت تلك الحواث شكلاً أعنف وأكثر دموية؛ ففي عام 1950 م وقعت اشتباكات دموية في مدينة "أحمد آباد" ومدينة "جمنجار" بولاية "الكجرات"، وفي مدينة "جواهاتي" بولاية آسام.

في عام 1966م بدأت المنظمات الهندوسية تحركاتها المطالبة بفرض حظر على ذبح لحوم الأبقار على النحو المنصوص عليه في دستور الهند، وخرجوا في مظاهرات حاشدة في عدد من المدن تلاها عدد من المشاحنات بين الطرفين. يمكننا القول أنه في ستينات وسبعينات القرن الماض كان عيد الأضحى هو المناسبة الرسمية لموسم العنف الطائفي السنوي في مناطق مختلفة من الهند حيث كانت ولايتا "راجستان" و"أوتاربرديش" هما مسرحًا للأحداث الطائفية.

في عام 2001م وبالتحديد في مدينة "عامر فاني" بولاية مهراشتراه هاجم عدد من الأعضاء المنتمين لحزب "شيف سينا" الهندوسي المتطرف عددًا من المسلمين الذين كانوا يستعدون لذبح مجموعة من الثيران، وتسبب هذا الهجوم في نشوب معركة حامية الوطيس بين الطرفين راح ضحيتها رجلان وأصيب 30 آخرون.

هذا وتشير سجلات الشرطة إلى أن الفترة ما بين 16 مايو إلى 31 يوليو من عام 2014م تم تسجيل 605 حادثة عنف طائفي 60 منها بسبب لححوم الأبقار، كما أشارت التقارير إلى أن مدن الصراع التي تصدرت المشهد الطائفي هي مدن "جوتام بده نجار"، و"ميريت، و"مظفر نجر".

أما في أكتوبر من عام 2015م كانت الهند على موعد مع حادثة رجَّت أرجاءها وهي حادثة عُرفت إعلاميًا باسم "حادثة دادري" حيث لقي مسن مسلم مصرعه علي يد مجموعة متطرفة من الهندوس لمجرد أنهم اشتبهوا في حيازته للحوم الأبقار هو وأسرته. سُحل المسن وضرب حتى فاضت روحه إلى السماء بسبب شبهة، وسحل ابنه وأصيب بجروح خطيرة نقل على أثرها للمستشفى لتلقي العلاج. وفي نفس الشهر من نفس العام أُصيب أربعة مسلمون بجروحٍ خطيرة في مدينة "سحران" بولاية "هيمجال برديش" بتهمة تهريب الأبقار من أجل ذبحها، كذلك فقد تعرض رجلين للضرب لنفس السبب على يد جماعة "carrying ox hide" لنفس السبب. وفي عيد الأضحى الماض احتشد مجموعة من شباب ما يُعرف بـ"المدافعون عن العقيدة الهندوسية" في مدينة "دهلي" تحسبًا لقيام المسلمون بذبح الأبقار احتفالاً بعيد الأضحى، وتم تعليق ملصقات تهديدية، وتجمعوا في الطرقات والشوارع من أجل التظاهر والاحتجاج. كما نظم أعضاء من حزب "فيشو هندو برشيد" وقفات احتجاجية بمدينة "حيدر آباد" احتجاجًا على ما وصفوه بتخاذل الحكومة في حماية مشاعر الهندوس الدينية بعدم اتخاذها إجراءات ملموسة وحقيقية تجاه قضية ذبح وتناول لحوم الأبقار.

يتضح من كل ما سبق أن قضية الأبقار كانت وما زالت وستظل أحد مسببات الفتنة الطائفية في الهند. ربما كانت البقرة تمثل رمزًا دينيًا للهندوس، لكن هل يحق لهم ولكل متشدد ينتمي إليهم إزهاق أرواح الأبرياء لمجرد شبهة بأكل أو بحيازة لحوم الأبقار؟! ثم لماذا يتعامل بعض أصحاب الأجندات اليمينية المتطرفة بإزدواجية في هذه القضية؟! لماذا يُحرم المسلمون من التجارة في لحوم الأبقار في الوقت الذي يتاجر فيها بعض أعضاء الأحزاب اليمينية الهندوسية كحزب "بهارتيا جانتا"؟! ولماذا يُمنع المسلمون من تناول لحومها في الوقت الذي يًصرح فيه بعض القادة الهندوس بأنه من حق الأجانب المقيمين في الهند تناول لحومها؟!

 

طباعة