دلالات التغييرات الأخيرة في قيادات تنظيم داعش الإرهابي

  • | الثلاثاء, 8 أغسطس, 2023
دلالات التغييرات الأخيرة في قيادات تنظيم داعش الإرهابي

     أعلن تنظيم داعش الإرهابي يوم الخميس الموافق ٤ من أغسطس ٢٠٢٣م عن مقتل زعيمه "أبو الحسين الحسيني"، وتعيين خلفٍ له يُدعى "أبو حفص الهاشمي القرشي". جاء ذلك في إصدارٍ صوتي نشرته "مؤسسة الفرقان" الداعشية، تحدَّث فيه متحدثٌ إعلاميٌّ جديدٌ للتنظيم يُدعى "أبو حذيفة الأنصاري"، وينطوي هذا المقطع على عدة دلالات، يمكن أن نسرد أهمها على النحو الآتي: 
أولًا: تأخّر التنظيم في الإعلان عن مقتل "أبو الحسين الحسيني"؛ فقد جاء الإعلان بعد مقتله بنحو ٦٥ يومًا، إذ سبق وأعلن رئيس تركيا مقتل "الحسيني" في مايو ٢٠٢٣م. وذكر المتحدث في المقطع أن اختيار الخليفة المزعوم تم بمجرد معرفة مجلس شورى التنظيم بخبر مقتل الخليفة السابق. 
وهذا يحتمل عدة أمور، منها أن المجلس المزعوم اختار زعيم التنظيم الجديد ولم يعلن الاختيار لقواعده، وهذا يتعارض مع نهج داعش الذي انتقد تنظيم القاعدة بسبب عدم اعترافه بمقتل "أيمن الظواهري"، وتعيين خلفٍ له. 
الاحتمال الثاني أن مجلس شورى التنظيم ظل فترة طويلة في مناقشات من أجل اختيار زعيمه الجديد، نظرًا لضيق قاعدته القيادية بعد مقتل جميع -أو معظم-  قياداته التاريخية، كما أن وجود شرطٍ بأن يكون زعيم التنظيم قرشيًّا عراقيًّا يُصَعِّب من الاختيار. 
وثمة احتمال ثالث بأن مجلس الشورى لم يعرف الخبر إلا مؤخرًا، وهذا يدل على انقطاع الاتصال بين قيادات التنظيم وقواعده، بل بين قيادات التنظيم التشريعية وقياداته الميدانية والإعلامية؛ نظرًا للتضييق الأمني على أفراد التنظيم، وهذا ما لمَّح إليه المتحدث في المقطع، إذ قال: إن الاجتماع عُقِد بالرغم من التضييق الأمني. 
ثانيًا: تغيير المتحدث الإعلامي: فقد ذكرت مؤسسة الفرقان الداعشية سالفة الذكر أن المقطع الجديد سيكون للمتحدث الرسمي "أبو حذيفة الأنصاري" الذي ذكر بدوره في المقطع أن هيئة تحرير الشام أسرت المتحدث الإعلامي السابق "أبو عمر المهاجر".
    يتضح من هذا المقطع ضعف أسلوب المتحدث الجديد مقارنة بأسلوب سابقه "أبو عمر المهاجر"، والمتحدثين السابقين أيضًا مثل "أبو الحسن المهاجر"، و"أبو محمد العدناني" صاحب الخطابات المؤثرة في من يُعرَفُون بالذئاب المنفردة. كما أن لقب "الأنصاري" يدل على أن المتحدث الجديد عراقي، وليس خليجي، أو سوري كما كان الحال في المتحدثين السابقين اللذين كان يترك لهم التنظيم الظهورَ الإعلامي نظرًا لما يتمتعون به من قوة خطابية.
ثالثًا: أعلن المتحدث في المقطع أن مقتل "أبو الحسين الحسيني" جاء في قتال مع أفراد من "جبهة تحرير الشام"، "جبهة النصرة" سابقًا، وليس في عملية تركية كما جاء في الإعلام التركي، مؤكدًا أن الهيئة قتلت زعيم داعش، وأسرت المتحدث الإعلامي. 
وهنا نرى أن هذا الأمر يتكرر للمرة الثالثة، إذ قُتل "أبو بكر البغدادي" في ٢٦ من أكتوبر ٢٠١٩م نتيجة عملية إنزال أمريكية على المنزل الذي كان يُقيم به في قرية "باريشا"، إحدى قرى "إدلب"، شمال غربي سوريا، وهي منطقة توجد بها هيئة تحرير الشام. 
الأمر ذاته تكرر مع "أبو إبراهيم القرشي" المعروف بـ "عبد الله قرداش"، الذي قُتل في مطلع فبراير ٢٠٢٢م في عملية إنزال بالمروحيات استهدفت المنزل الذي كان يقيمُ فيه في بلدة "أطمه" شمالي "إدلب" أيضًا. وهو أمر مثير للدهشة، لأنه يوجد خلاف كبير بين هيئة تحرير الشام وداعش منذ إعلان الثاني الانشقاق عن تنظيم القاعدة عام ٢٠١٣م. هذا الخلاف أدى إلى حرب طاحنة بين التنظيميْن، طالت مدنًا سوريةً مختلفة، بل إن "الجولاني" زعيم الهيئة هدَّد بنقل المعركة مع داعش إلى العراق، وضربهم في عقر دارهم. كما أن داعش يصف الهيئة على منصاته الإعلامية بـ "ميليشيا الجولاني"، و"هيئة الردة" كما في المقطع الأخير.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يوجد زعماء داعش في "إدلب"، ولا يقيمون مع أفراد التنظيم في الجبال أو القرى المهجورة التي لجئوا إليها بعد هزيمتهم في سوريا والعراق؟ 
    نرى في ذلك نوعًا من التخفي، وشيئًا من البراجماتية التي تجعل قادة التنظيم يقيمون على أرض هي في وجهة نظرهم وفي أدبياتهم «ديار كفر». كذلك هناك بُعد أمني لإقامة قادة داعش في "إدلب"، وهو صعوبة إقامتهم في الأماكن والمدن التي حُررت من قبضتهم مثل: الرقة، أو الباغوز، أو الموصل في العراق، حيث يسهل اصطيادهم في مثل هذه الأماكن. كما يصعب على قادة داعش الاستقرار في شمال شرق سوريا أيضًا؛ حيث قوات سوريا الديمقراطية، الشريك الأساسي للتحالف الدولي ضد داعش، والمدعومة دعمًا قويًّا ومعلنًا من الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فضَّل قادة داعش الإقامة في "إدلب"؛ حيث يصعب توقع وجودهم على أرض يسيطر عليها "الجولاني" الذي يناصبهم العداء، ويقوم بتصفية أي فرد يثبت انتماؤه لداعش.
رابعًا: أثبت المقطع صدق الرواية الأمريكية الخاصة بمقتل "أبو بكر البغدادي"، فقد ورد فيه أن "البغدادي" فجر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه، عندما دخل الجنود الأمريكيون للقبض عليه في عملية إنزال بالمروحيات في عام ٢٠١٩م. 
ختامًا: يأتي إعلان تنظيم داعش الإرهابي عن مقتل زعيمه وتعيين خلفٍ له جزءًا من إستراتيجية التنظيم المعروفة عند مقتل أحد زعمائه، ودائمًا ما يقترن الإعلان بالترحم على الخليفة المقتول، وطلب البيعة المزعومة للخليفة الجديد، دون ذكر تفاصيل عنه، وذلك من أجل تأمينه من جهة، ومن جهة أخرى عدم ربط أعضاء التنظيم بشخصه ارتباطًا يشبه ارتباط أعضاء تنظيم القاعدة بشخص "أسامة بن لادن"، وهو ارتباط أضعف التنظيم، وفقد بسببه أكثر من نصف قوته بعد مقتل زعيمه، وخلَّف عجزًا لدى "أيمن الظواهري" على ملء الفراغ الذي تركه الزعيم الصريع. 
من أجل ذلك نرى أن مقتل أي زعيم لتنظيم داعش يكون له تأثير إعلامي وعملياتي على المدى القصير، لكن هذا التأثير لا يتسبب في انهيار التنظيم، أو القضاء على خطره نهائيًّا، بل يتطلب الأمر جهودًا متداخلة إعلاميًّا، وثقافيًّا، وأمنيًّا، واقتصاديًّا من أجل القضاء على مثل هذه التنظيمات، وتجفيف منابعها. 


وحدة رصد اللغة التركية
 

طباعة