روشتة إسلامية للقضاء على فيروس الغضب

  • | الإثنين, 21 أغسطس, 2023
روشتة إسلامية للقضاء على فيروس الغضب

     انتشر مؤخرًا فيروس الغضب في الشوارع بشكل ملحوظ، بل تسلل إلى البيوت، ومواقع العمل، وملاعب كرة القدم، وخلافه، ما تسبب في الكثير من المشكلات، والأمراض النفسية؛ بحيث تحول هذا الفيروس إلى تحدي كبير يشكل خطرًا على الأفراد، والمجتمعات. فالشخص الغاضب باستمرار يمثل عبئًا ثقيلًا على دائرة المتعاملين معه والمحيطين به، لذلك فالغضب عامل أساسي في تدهور العلاقات الإنسانية، والتفكك الأسري. هذا بخلاف المشاكل الصحية مثل القلق، والتوتر، وارتفاع ضغط الدم، والأرق، والصداع، والأمراض القلبية. وقد يؤدي الغضب بالبعض إلى تدهور الأداء الوظيفي أو حتى فقدان الوظيفة.

وللأسف وجدت التنظيمات الإرهابية في فيروس الغضب هذا وسيلة فاعلة في تحريض الشباب وتأجيج مشاعرهم والتي تتخذ من الصوت العالي والخطاب الغاضب وسيلة للتأثير في المخاطب وتنمية إحساسه الوهمي بالقوة والسيطرة ، هذا رغم ضعف خطاب هذه التنظيمات من المنظور المنطقي، المستند إلى الحقائق والأدلة.

وقد حذر الإسلام من تداعيات مثل هذا الخلق السيء، ووضح الواجب على الإنسان إذا ما شعر بالغضب، مثل التوقف عن الكلام حسبما ورد في حديث عبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " علموا، ويسروا، ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت" [أخرجه أحمد في المسند، رقم: 2136]؛ والحكمة من ذلك ضبط سلوك الغاضب بحيث لا تصدر عنه ألفاظ غير لائقة كالسب، والقذف، والشتم وغير ذلك. كذلك من الحلول الإسلامية للسيطرة على شعور الغضب، تغير الحالة؛ فعن أبي ذرٍّ: أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - قال لنا: "إذا غضب أحدكُم وهو قائِمٌ فليجلِسْ، فإن ذهبَ عنه الغضَبُ، وإلا فلَيْضطَجِع" [أخرجه أبو داود في سننه، رقم: 4782]؛ وذلك للحيلولة دون تطور شعور الغضب إلى عنف تجاه الآخرين. فكان تغيير الحالة من أسباب عدم تفاقم حدة الغضب، وجاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن الغاضب عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "، فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا؟ قال: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " [أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2015)]؛ وإذا كان الغضب نزغة من الشيطان، فإن الاستعاذة بالله سبب في ذهاب وسوسته بالعدوان على الغير، أو التعرض له بمكروه أو أذى.

كذلك تجدر الإشارة إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلكم الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب. فردَّد ذلك مرارًا، قال لا تغضب" [أخرجه البخاري في صحيحه، رقم: 6116].  وعن أبي الدرداء قال: قلت: يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة قال: "لا تغضب ولك الجنة" [أخرجه الطبراني في الأوسط، رقم: 2353].

ولا يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل من المهم أن يترقى الإنسان إلى أمر أعلى من ذلك وهو الانتقال إلى العفو، وهو عملية تشمل الرحمة، والتسامح، والحنان، والتفاهم، والاحترام، والصبر، فإذا ما وصل الإنسان إلى هذه المراتب كان ذلك مساعدًا له على نسيان ما داخل قلبه من حقد على من كان سببًا في غضبه، بل هو سبب في عدم تذكر تلك الأمور التي حملت صاحبها على الغضب، ونسيان خبراته القديمة لمن أساءوا إليه، وهذا بالضرورة يجعل الإنسان يكف عن السلوك العدواني. قال تعالى { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف، آية: (199)]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران، آية:134]. رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو، إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " [أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2001)]. وقال تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى، آية: 37]. قال ابن كثير "أي: سجيتهم، وخلقهم، وطبعهم تقتضي الصفح، والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس".

لذلك لابد من التحكم في مشاعر الغضب، وتنمية خلق العفو داخل الأسر، وفي أماكن العمل، مع ضرورة وضع خطة شاملة تتبناها وزارات التربية والتعليم، والشباب والرياضة، والإعلام، والأوقاف، بشأن توعية المجتمع بضرورة ترسيخ خلق العفو في نفوس النشء والشباب، وإعداد البرامج المناسبة لسريعي الغضب لمساعدتهم على التحكم في أنفسهم.

ومن المهم كذلك أن يتجنب الإنسان جميع الخطابات التي تستعمل "الغضب" كأسلوب في التعبير، سواء من المتطرفين، أو حتى من بعض الأعمال الدرامية التي قد يظهر فيها هذا الأسلوب بطريقة فجة.

وحدة رصد اللغة العربية

 

 

طباعة