التطرف الثقافي.. أصوله وتأثيراته وسبل مواجهته

  • | الثلاثاء, 19 سبتمبر, 2023
التطرف الثقافي.. أصوله وتأثيراته وسبل مواجهته

 

     تختلف أسباب انتشار الأفكار المتطرفة وفق طبيعة المكان والزمان، والبيئة الاجتماعية، والأوضاع الاقتصادية والثقافية، والتمييز، والتجارب الشخصية، والتأثيرات الإعلامية، وغيرها من العوامل التي تجعل الأفراد عرضة لاعتناق وجهات نظر متطرفة.

والتطرف هو: " اعتناق الفرد موقفًا يتسم بالتشدد، والخروج عن حد الاعتدال، والبعد عن المألوف، وتجاوز المعايير الفكرية، والسلوكية، والقيم الأخلاقية التي حددها، وارتضاها أفراد المجتمع" (عبد الله، 1996).

والسؤال هنا: من بين العوامل المذكورة كيف تؤثر العوامل الثقافية على بلورة وانتشار الأفكار المتطرفة؟! وما هو مفهوم التطرف الثقافي؟! وكيف تستغل التنظيمات المتطرفة عناصر الهوية الثقافية في تحقيق طموحاتها؟!

للإجابة يجب أن نتعرض في البداية للحديث عن مفهوم الثقافة بشكل عام، ومن ثمَّ تتحدَّد ملامح ارتباط الفكر المتطرف بالثقافة.

يشير مفهوم الثقافة إلى ذلك المستودع المتراكم من المعرفة والمعتقدات، والقيم والفنون، والأخلاق، والقانون، والعرف، والعادات، وسائر أساليب حفظ البقاء التي اكتشفها الإنسان، أو استعارها، أو أوجدها لنفسه باعتباره عضوًا يعيش بين مجموعة تؤمن، وتؤيد، وتحافظ على ذلك التراث (الخطيمي، 2007).

 ولمَّا كانت الثقافة وعاء كل ما يخص المجتمعات من عادات، وتقاليد، وأعراف، حتى صارت جزءًا أصيلًا من حياة الشعوب، وواقع المجتمعات. والثقافة كغيرها من المفاهيم الأخرى، تأثرت بآفة التطرف؛ لذلك ظهر حديثًا مفهوم التطرف الثقافي، والذي يشير إلى تبني، وتعزيز آراء، أو سلوكيات، أو عادات ثقافية بطريقة مفرطة، وغير متوازنة، مما يؤدي إلى رفض آراء، وعادات أخرى، والانغلاق وعدم القدرة على التعايش معها.

وللتطرف الثقافي مظاهر متعددة منها:

  1. رفض التعايش والتفاعل: حيث يمكن أن يؤدي التطرف الثقافي إلى رفض التفاعل مع ثقافات أخرى، والانعزال عنها، مما يقيد فرص التعلم المتبادل والتفاهم، كما يمكن للأفراد المتطرفين ثقافيًّا أن يعبروا عن رفضهم للتعامل مع الثقافات الأخرى، أو تبني نهج التنوع الثقافي، ومن ثمَّ يقتصرون على التفاعل مع أفراد من نفس الثقافة فقط، ويتعاملون مع أتباع الثقافات الأخرى بإقصاء، أو تمييز.
  2. التمييز والتفرقة:  يتضمن التطرف الثقافي اتخاذ مواقف تمييزية ضد الأفراد، أو المجموعات الأخرى بناءً على عوامل ثقافية مثل الدين، أو العرق، أو الجنس، وقد يتمثل ذلك في التعامل بشكل مختلف، أو غير عادل مع الأشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة.
  3. التشدد في التمسك بالعادات والتقاليد: ويتضمن ذلك التمسك بالعادات، والتقاليد بطريقة مفرطة، وعدم الاستعداد للتكيف مع التغيرات الثقافية.
  4. الانغماس في الماضي: ويتمثَّل في التركيز الزائد على الماضي، والتاريخ الثقافي الموروث دون النظر إلى التطورات الحديثة، والتغيرات في العالم، كما يظهر التطرف الثقافي عندما يتم التشديد بشكل غير متناسب على الحفاظ على العادات، والتقاليد القديمة، دون التكيف مع التغيرات الثقافية المحيطة.
  5. ازدواجية الفكر: حيث يتضمن النظر إلى العالم من منظور ثنائي، حيث تعتبر ثقافة واحدة هي الصحيحة، والأخرى هي الخاطئة، وعليه تكون أغلب الأحكام الصادرة غير موضوعية، وتتسم بالازدواجية.
  6. استخدام العنف والتهديد: في بعض الحالات، يمكن للتطرف الثقافي أن يتجلى في استخدام العنف، أو التهديد لفرض آراء، أو عادات ثقافية على الآخرين.

ونظرًا لما يمثله التطرف الثقافي من خطورة، فإن الأمر بتطلب اتخاذ التدابير الكفيلة لمواجهة هذه الظاهرة؛ حيث يتطلب التحكم في التطرف الثقافي تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة، وتشجيع التفاهم المتبادل، وتعزيز التعليم، والوعي حول أهمية التنوع الثقافي في بناء مجتمعات صحية، ومزدهرة.

 

وتكمن أخطار تفشي ظاهرة التطرف الثقافي في الآثار التالية:

  1.  تصاعد التوترات والصراعات: إذ يؤدي التطرف الثقافي إلى زيادة التوترات، والصراعات بين المجموعات المختلفة، الأمر الذي قد يتطور إلى درجة اندلاع اشتباكات عنيفة، وصدامات نتيجة للاختلاف في الآراء.
  2.  التمييز والعنصرية: يمكن أن يتسبب التطرف الثقافي في تفاقم ظاهرة التمييز، والعنصرية ضد مجموعات، أو أفراد لا ينتمون إلى نفس الثقافة، مما يؤدي إلى نقص في فرص التعليم، والعمل، والمشاركة الاجتماعية.
  3.  انعدام التعاون وضعف فرص الحوار: إذ يؤدي التطرف الثقافي إلى انعدام التواصل، والتعاون بين مجموعات مختلفة، ومن ثمَّ يصبح من الصعب التوصل إلى تفاهم مشترك، أو حلول للقضايا الاجتماعية المشتركة.
  4.  التأثير السلبي على التنمية: عندما تنحصر الأفكار، والقيم في إطار ضيق، ومتشدد، ومنغلق، يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على التنمية الاقتصادية، والاجتماعية للمجتمعات.
  5.  تأجيج العنف والإرهاب: قد يؤدي التطرف الثقافي إلى تأجيج العنف، وتشجيع الأفراد على اللجوء إلى أعمال إرهابية بدعوى حماية الهوية الثقافية.
  6.  تهديد حقوق الإنسان: قد يتعارض التطرف الثقافي مع حقوق الإنسان الأساسية مثل حقوق المساواة، والحرية، والعدالة.
  7.  التفرق وتذبذب الهوية الثقافية: فمن الممكن أن يعرقل التطرف الثقافي جهود بناء هوية مشتركة تجمع بين مختلف الثقافات، والمجموعات في المجتمع.
  8.  تقويض العلاقات الدولية: عندما ينتشر التطرف الثقافي على نطاق واسع، يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات بين الدول، ويضعف فرص التعاون الدولي.

ختامًا: لا بد من التصدي لظاهرة التطرف الثقافي، والاعتراف بها؛ لما لهذه الظاهرة من خطورة تستلزم المواجهة، وعليه فإن هناك مجموعة من الاعتبارات، والأمور المهمة التي يجب مراعاتها وذلك على النحو التالي:

  1. تعزيز التوعية بالظاهرة وسبل مواجهتها: حيث يجب توجيه الجهود نحو نشر التوعية بأهمية التنوع الثقافي، والتفاهم بين الثقافات. كذلك، يمكن تضمين هذه الجهود في المناهج الدراسية، وبرامج التدريب، وورش العمل.
  2. تشجيع الحوار والتفاعل: إذ يجب تشجيع الحوار المفتوح، والبنَّاء بين أفراد الثقافات المختلفة. كما يمكن تنظيم مناسبات، وفعاليات تجمع بين الأشخاص من خلفيات مختلفة لتبادل الآراء، والتجارب.
  3. تعزيز التعاون والتكامل الثقافي: وفي هذا يمكن تنظيم فعاليات ثقافية مشتركة تسهم في تعزيز التفاهم، وبناء الروابط بين الثقافات المختلفة.
  4. تعزيز التسامح والاحترام: حيث يجب نشر قيمتي التسامح، والاحترام المتبادل بين الأفراد، والمجتمعات، وعلى الجميع أن يتعلموا كيفية التعامل مع الآراء، والعادات المختلفة باحترام، وفهم، وقبول للرأي، والرأي الآخر.
  5. تطوير برامج تعليمية تعزز التكامل الثقافي: يمكن تطوير برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز التفاهم بين الثقافات في المدارس، والجامعات، والمؤسسات التعليمية.
  6. التشجيع على الخطاب الإعلامي المتوازن: تقوم وسائل الإعلام بدور مهم في تشكيل وجهات النظر، والثقافة الجماعية، وعليه يجب تشجيع وسائل الإعلام على تقديم تقارير متوازنة، وموضوعية، تعكس تنوع، واختلاف الثقافات.
  7. دعم المشاريع الثقافية: إذ يمكن دعم المشاريع، والفعاليات الثقافية التي تعزز التفاهم بين الثقافات، وتعرض الأشخاص لتجارب جديدة.
  8. مكافحة التمييز الثقافي: من خلال سنِّ قوانين، وسياسات، تحظر التمييز الثقافي، وتعزز المساواة، والعدالة للجميع.
  9. تشجيع المشاركة المجتمعية: حيث يجب تشجيع المشاركة المجتمعية من خلال الانخراط في أعمال تطوير المجتمع، وتعزيز التنوع.
  10. التركيز على التعلم الشامل: من خلال توفير فرص تعليمية عالية الجودة للجميع، بما في ذلك الأفراد من خلفيات ثقافية مختلفة.

إجمالًا، تتطلب مواجهة ظاهرة التطرف الثقافي جهودًا مستمرة، ومتعددة المجالات، وأن تتضمن هذه الجهود تعزيز التعاون بين الأفراد، والمجتمعات، والحكومات، والمنظمات المختلفة من أجل خلق مجتمع يعتمد على التعايش، والتفاهم، لا الإقصاء، والتمييز، والتنافر.

 

 

قائمة المراجع

الخطيمي، أحمد (2007). الثقافة: مفهومها خصائصها، مكوناتها، جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية، مج (42)، ع 4، صـ 145 – 162.

عبد الله، هشام ابراهيم (1996). الاتجاه نحو التطرف وعلاقته بالحاجة للأمن النفسي لدى عينة من العاملين وغير العاملين. مجلة الإرشاد النفسي، مركز الارشاد النفسي جامعة عين شمس، ع 5، صـ 82 – 83.

وحدة البحوث والدراسات

طباعة