التعريض بالرموز الدينية مدخل إلى الإرهاب

  • | الأربعاء, 27 سبتمبر, 2023
التعريض بالرموز الدينية مدخل إلى الإرهاب

 

        لا تقتصر ظاهرة التعرض للمعتقدات والرموز الدينية على مجتمع بعينه، تلكم الظاهرة التي تكشف عن خلل في المنظومة الأخلاقية. والمؤسف تفشي هذه الظاهرة في بعض دول العالم اليوم؛ إذ لم يمنع التطور العلمي والحضاري من انتشار الكثير من الظواهر السلبية التي تعصف بالكثير من المجتمعات حول العالم، بل على العكس ساهمت النهضة العلمية، وسهولة تداول المعلومات في تغذية بعض المشاعر والظواهر السلبية تجاه أحد الفصائل أو المكونات الدينية، والتي يأتي على رأسها الاعتداءات على الرموز والمقدسات الإسلامية في الشرق والغرب على السواء.

ولم يقتصر دور الأزهر على التنديد بتلك الإساءات، وإنما يخوض فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب شيخ الأزهر، حربًا ضارية على المستويات كافة؛ لبيان خطورة الاعتداء على المقدسات الدينية ككل، على السلام العالمي. آخرها كلمة فضيلته في افتتاح «اللقاء الدولي من أجل السلام» بألمانيا وفيها:" الحوادث الأخيرة قد أكدت للجميع -ومع بالغ الأسف- حالة غير مسبوقة من كراهية الأديان، والاعتداء على رموزها ومقدساتها... وذلك تحت ستار: «حرية التعبير»، وهو استخفاف ساذج بالعقول وبدائه الأذهان، وما تعارفت عليه الإنسانية من التفرقة الحاسمة بين حرية التعبير وحرية الفوضى في الاعتداء على الآخرين وعلى مقدساتهم".  

وسوف نستعرض في السطور التالية موقف الإسلام من احترام رموز الآخر ومقدساته، وأسباب انتشار تلك الظاهرة، وبعض نماذج الانتهاكات التي تعرض لها الدين الإسلامي، والنتائج السلبية المترتبة على تلك الانتهاكات، والصمت الدولي حيالها، ودور الأزهر الشريف في مواجهتها.

 

موقف الإسلام من احترام رموز ومقدسات الآخر

حث الإسلام على احترام الرموز الدينية المقدسة للديانات كافة؛ إذ لم يستثن دينًا بعينه من ذلك الاحترام، وقد ورد في كتب السنة أنه لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوهم" فاستقبلوا المشرق، فصلوا صلاتهم. (ابن القيم الجوزيه: زاد المعاد في هدي خير العباد، ص160-161(

وعندما فتح المسلمون القدس سنة 15هـ/ 635م، أعطى الفاروق عمر بن الخطاب (40 ق هـ - 23هـ/ 584 - 644م) أهل القدس من النصارى «العهد العمري» الذي ضمن لهم: «الأمان لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم، وصلبانهم، ولا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا يُنْتقصُ من حيِّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، لا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم...». (محمد عمارة: هذا هو الإسلام (احترام المقدسات- خيرية الأمة- عوامل تفوق الإسلام، ص12)

وهكذا نجد أن احترام الرموز الدينية للآخر هو جزء أصيل من الإيمان بالدين الإسلامي الذي يربي أتباعه على احترام الآخرين، لأن كل أمة تنظر إلى رموزها وشعائرها باحترام وتقديس؛ وعلينا أن نحترم هذا الآخر، ورموزه، ومقدساته.

أسباب انتشار هذه الظاهرة

 كما سبقت الإشارة، لا يختص مجتمع دون غيره بظاهرة الاعتداء على المقدسات الدينية، فقد تتعرض المقدسات الدينية في العالم العربي والإسلامي للاعتداء، وذلك في الغالب بسبب خلل في المنظومة التربوية وتهميش دور الدين في الحياة اليومية، سواء على مستوى الأسرة، أو المؤسسات التعليمية. بعبارة أخرى هذه الاعتداءات نتاج عملية تربوية غير سوية، تعتمد على الإفراط أو التفريط، فالمحصلة واحدة بالنهاية وهي عدم احترام رموز الآخر ومقدساته، والسعي إلى تشويهها.

لكن الملفت هو انتشار ظاهرة الاعتداء على المقدسات والرموز الدينية وتحديدًا الإسلامية في الدول الأوربية رغم التقدم الثقافي والحضاري الذي تعيشه تلك المجتمعات، والمؤسف تنفيذ هذه الاعتداءات برعاية بعض الحكومات التي تقودها تنظيمات يمينية متطرفة تقدم تصنيفات معينة كمسوغ للاعتداء على مقدسات المسلمين؛ وتحشد الجماهير للانتقام من خلال تقديم معلومات مضللة، أو صور عن جرائم تيارات فكرية غير سوية باعتبارها نماذج على التعاليم الإسلامية؛ وذلك في إطار الصراع السياسي على السلطة.     

نماذج من الانتهاكات التي تعرض لها الدين الإسلامي

لا أحد يجهل حالة "سلمان رشدي" الذي قال: (إن النظر إلى القرآن بوصف تعاليمه صالحة لكل زمان يضع الإسلام والمسلمين في سجن حديدي جامد، وأن الأفضل اعتباره وثيقة تاريخية). كذلك ما نشرته الصحيفة الدنماركية (Jyllands Posten )  من رسوم مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيلم " فتنة"  الذي أخرجه النائب الهولندي "جيرت فيلدرز"، وقرَن فيه مشاهد العنف والإرهاب بالآيات القرآنية" (فهمي جدعان:  تحرير الإسلام ورسائل زمن التحولات، ص294-295)، وكذلك الرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، والحوادث المتكررة لحرق المصحف الشريف.. وغيرها.

والغريب في تلك الجرائم ليس وقوعها فحسب، بل كونها وقعت بموافقات وتصريحات ودعم كبير من مؤسسات حكومية ودولية، تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان وحريته في التعبير، والحقيقة أن كل هذه الجرائم لا شأن لها بحرية التعبير، فالحرية في حد ذاتها مسؤولية، واحترام حرية الآخر ومعتقداته ورموزه ومقدساته إنما هي قيم ينبغي أن يحافظ عليها كل حر، لأنها تنعكس عليه وعلى مجتمعه أمنًا، وتعايشًا سلميًّا، واستقرارًا.

الآثار الاجتماعية المترتبة على تشويه رموز الآخر ومقدساته

  من أبرز الآثار الاجتماعية المترتبة على انتشار هذه الظاهرة، تهديد الأمن والسلم المجتمعي؛ فالأشخاص الذين تتعرض مقدساتهم ورموزهم الدينية للتشويه والإهانة بزعم "حرية التعبير"، يتعرضون لإساءة نفسية جسيمة، ربما تؤدى لردود فعل غاضبة غير محمودة.

كما أن هذه الجرائم تعمل على زعزعة استقرار المجتمعات، بنشر الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد، حيث ينظر أحدهما للآخر على أنه عدو يستهزئ بمقدساته ورموزه، فيتربص به لينتقم منه. وكذلك يعد انتشار العنف والإرهاب بين المجتمعات المختلفة أبرز الآثار المترتبة على تشويه رموز الآخر ومقدساته.

وقد أكد الأزهر الشريف ممثلًا في شيخه فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب-حفظه الله- رفضه القاطع للإساءة للأديان، أو النيل من رموزها المقدسة تحت شعار حرية التعبير، معتبرًا ذلك ازدواجية فكرية، ودعوة صريحة للكراهية،  كما دعا لسن تشريع عالمي يجرم الإساءة للأديان ورموزها المقدسة، وطالب كذلك عقلاء الغرب ومفكريه بالتصدي للحملة الممنهجة على الإسلام ومعاداته، والزج به في ساحات الصراعات الانتخابية والسياسية، وتهيئة البيئة الصحية للتعايش والأخوة الإنسانية، مؤكدًا أن المسؤوليةَ الأهمَّ للقادة هي صونُ السِّلم الأهلي، وحفظُ الأمن المجتمعي، واحترامُ الدين، وحمايةُ الشعوب من الوقوع في الفتنة، لا تأجيج الصراع باسم حرية التعبير.

 

وحدة رصد اللغة الفارسية

طباعة