الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مفهوم التنظيمات الإرهابية

  • | الإثنين, 9 أكتوبر, 2023
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مفهوم التنظيمات الإرهابية

     تستند التنظيمات الإرهابية في تسويغ أعمالها الإجرامية ببعض الأحاديث النبوية، وتردد باستمرار ما روى عن سعيد الخدري (t) أنه قال:" سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ (ﷺ) يقولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ". (أخرجه مسلم، رقم: ٤٩) وذلك دون فهم المعنى المقصود من الحديث الشريف، ومع هذا يتخذونه مسوغًا للخروج على الحاكم، وإراقة دماء الأبرياء، وتنفيذ عقوبات على شاكلة الجلد، والرجم، وقطع الأيدي، وخلافه بعد إضفاء الصبغة الشرعية على هذه الجرائم تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والأمر يستدعي في البداية توضيح فقه الحديث ومعناه كما ذكرها العلماء، والتي غابت عن عقول الإرهابين والمتطرفين، وإلا ما استدلوا به في تسويغ القتل والتكفير. والمعروف ببساطة شديدة هو: ما أوجبه الشرع وحث عليه. والأمر بالمعروف هو: الإرشاد، والدَّلالة على الخير، والإشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أقوال العبد وأفعاله، على نور من الكتاب والسُّنَّة. والمنكر على العكس هو: كل ما نهى عنه الشرع الشريف، سواء كان فعلًا لمنهي عنه، أو تركًا لواجب. والنَّهي عن المنكر: هو الزَّجر عمَّا لا يلائم في الشَّريعة، والنهي عمَّا تميل إليه النَّفس والشَّهوة، والمنع عن الشَّرِّ.

كذلك يجب التنبيه إلى قضية مهمة كما ورد في الحديث وهي مراتب تغيير المنكر؛ فالتغيير باليد إنَّما هو مهمة القاضي والحاكم، فالحاكم له الولاية العامة على المحكومين، وتحقق الأمن في المجتمع لا يتم إلا عن طريقه، وأمَّا تغيير المنكر من قبل أحد من أفراد الشعب فيه شيوع للفوضى بين أرجاء المجتمع.

يقول ابن العربي: " بدأ النبي (e) في البيان بالأخير أي الفعل، وهو تغيير المنكر باليد، وإنما يبدأ باللسان والبيان، فإن لم يكن فباليد. يعني أن يحول بين المنكر وبين متعاطيه بنزعه وبجذبه منه، فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه، وذلك إنما هو إلى السلطان؛ لأن شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجًا إلى الفتنة، وآيلًا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". (أحكام القرآن - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٨٣).

وتجدر الإشارة إلى أن التغيير يستدعي ضرورة تحقق بعض الشروط، وهي:

(١) أن يكون المنكر الذي يُراد تغييره مما أجمع عليه العلماء، وأمًّا ما هو محل خلاف بين العلماء فلا إنكار فيه؛ لأنه لا يدخل في دائرة المنكر.

(٢) أن يكون المنكر ظاهرًا للعيان، فإن كان مخفيًّا لا يظهر إلَّا عن طريق التجسس والتحسس والبحث، فهذا غير جائز، فقد نهى الشرع الشريف التجسس قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات، آية: ١٢].

(٣) ألَّا يترتب على تغيير المنكر حصول منكر أكبر منه أو مثله، وذلك حتى يتحقق الغرض.

(٤) وينبغي للآمر بالمعروف والنَّاهي عن المنكر استعمال الرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب.

وعليه فلا يجوز لآحاد الناس وأفرادهم تطبيق الحدود والعقوبات على غيرهم؛ لأن جميع الآيات التي تتحدث عن الحرب والجهاد، وآيات الفصل في الخصومة بين المتنازعين، والآيات التي وردت في العقوبات، كلها موجهة إلى ولاة الأمور والحكام؛ لأمور منها:

أولًا: أنَّ الحكام والقضاة هم أصحاب الولاية في إقامة الأحكام، وقد اتفق أهل العلم على أنَّ إقامة الحدود والجنايات أمر مختص بالسلطان أو نائبه، ولا يجوز لأحد كائنًا من كان أن ينازعه فيه. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "وقسْمة الفيء، وإقامة الحدود؛ إلى الأئمة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم" [أصول السنة لأحمد بن حنبل ص (٤٣)] وحكى ابن رشد [بداية المجتهد ونهاية المقتصد (٤: ٢٢٨)] اتفاق العلماء على أنَّ الإمام يقيم سائر الحدود. وقال القرطبي: "لا خلاف أنَّ القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأنَّ الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود" [تفسير القرطبي (٢: ٢٤٥)].

ثانيًا: تخويل آحاد الناس بتطبيق العقوبات والأحكام، يترتب عليه مفاسد عظيمة، وصدام بين الناس، ومنازعة الحاكم وتدخل في سلطاته، مما سيكون له أسوأ الأثر على البلاد.

ثالثًا: يشترط فيمن يتولى إقامة الأحكام وإنفاذها أن يكون قادرًا على حماية أصحاب الحقوق، ورد المظالم، وأداء الحقوق، وهذا لا يتوفر إلا في الحاكم.

رابعًا: يشترط فيمن يتصدى لإقامة الأحكام أن يكون عنده قدرة على إنفاذ تلك الأحكام بعد ثبوتها والتحقق منها، ويستتبع هذا قدرته على حماية القضاة والشهود، وحماية المنفذين، وهذا الأمر لا يتأتى للأفراد، وإنما يتأتى للحكام.

خامسًا: يشترط فيمن يتصدى لإقامة الأحكام وتطبيقها أن تتوفر لديه آليات يمكن من خلالها معرفة الجناة إذا لم تتوفر الشهادة أو الإقرار، مثل إحالة الأدلة إلى الطب الشرعي، وكذلك الأدلة الجنائية لمعرفة الفاعل، وهذه لا تتوفر للأفراد.

ختامًا وبناءً على ما تقدم، يرى مرصد الأزهر أنَّ ادعاء التنظيمات الإرهابية بخصوص تطبيق الأحكام، إنما يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تأبى تجاهل السلطة الحاكمة، وهو لا شك سعي في الأرض بالفساد والإفساد، وأن التغيير باليد أو باللسان ليس من شأنهم، إنما هو من الكبائر التي حرم الله تعالى إتيانها قال تعالى:  {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [سورة النحل: آية: (١١٦)].

واستشهاد التنظيمات الإرهابية بحديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو محض كذب، فكثيرًا ما تتحدث التنظيمات الإرهابية عمن له تطبيق القوانين؟ وأنَّهم وحدهم المنوط بهم هذا الحق؛ ويسوغون لأنفسهم هذا القول بحجة أنهم وحدهم القائمون بهذا الدين، وأنهم الأحق بتطبيق أحكام الشريعة والحدود. والحقيقة أن ما تقوم به التنظيمات الإرهابية من عمليات قتل وذبح وجلد وغير ذلك من الجرائم تحت دعوى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس من الإسلام في شيء.

والله من وراء القصد ،،،

  وحدة رصد اللغة العربية

  

طباعة