الإرهاب الذهني الصهيوني وإستراتيجيات التلاعب النفسي

  • | الجمعة, 17 نوفمبر, 2023
الإرهاب الذهني الصهيوني وإستراتيجيات التلاعب النفسي

 

بدأت الحركة الصهيونية بفكرة، سرعان ما تطورت إلى واقع، وذلك من خلال احتضان الدول الاستعمارية ذلك المشروع بالمُشاركة في المؤتمر الصهيوني الأول بمدينة بازل السويسرية عام ۱۸۹۷م، بما يخدم أهداف ومصالح الدول الراعية في منطقة الشرق الأوسط.

واستمرار هذا الدعم حتى اللحظة أتاح للكيان الصهيوني التمادي في قتل الآمنين وترويعهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وفيما يلي نسلط الضوء على قضية في غاية الخطورة، وهي الإرهاب الذهني الصهيوني وإستراتيجيات التلاعب النفسي.

بدايةً، من المهم أن نوضح مفهوم الإرهاب الذهني الصهيوني، هو نوع من الإرهاب يستند بشكل رئيس إلى التأثير النفسي والعقلي على الأفراد والجماعات؛ سعيًا لكسب أهداف سياسية، أو اجتماعية، أو دينية مهمة للكيان الصهيوني، دون اهتمام بمشروعية الوسيلة، وتوظيف هذه التأثيرات في إضعاف روح الطرف المضاد المعنوية وسلوكه العام، تمهيدًا لاختراقه، وفرض الإرادة عليه.

ولإضفاء المزيد من الوضوح سوف نتناول المقصود بكل إستراتيجية مع ضرب أمثلة من ممارسات الكيان الصهيوني على النحو التالي:

أولًا: إستراتيجية غسيل الدماغ: عبر توجيه الفكر أو السلوك الإنساني ضد رغبة الفرد الحر، أو ضد إرادته وعقله، أي بعد سلب إرادته وغسل عقله وشحنه بأفكار وتوجيهات جديدة، عادة ما تكون مضادة ومنافية للأفكار والتوجهات السابقة التي يعتنقها، ويؤمن بها بمحض إرادته (راغب، ١٩٩٨، ص ١٠) على سبيل المثال حظرت إدارة موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) باعتبارها شركة صهيونية ناشئة متخصصة في استهداف الأفراد بحملات للسيطرة على اللا وعي وتغيير السلوك.

وفي السياق ذاته، وتحت وطأة تأكل شعبية الكيان الصهيوني عالميًّا طلبت الخارجية الصهيونية إلى بعثاتها الدبلوماسية التقدم بمقترحات خطط إعلامية جديدة، وإلزامها بإعداد تقديرات عن تكلفة تحسين صورة الكيان الصهيوني في الخارج مبنية على استطلاع رأي الشعوب حول العالم.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تستغل الحركة الصهيونية المنظومة التعليمية في غسل عقول الصغار والترويج لفكرة مظلومية الكيان الصهيوني.

كما يعمل الكيان على أسر الأجيال الناشئة وضمان تبعيتهم له دينيًّا، وسياسيًّا، واجتماعيًّا، وعسكريًّا، وتربويًّا، وتاريخيًّا، وثقافيًّا، وقوميًّا من خلال مناهج التعليم بصفة عامة، ومناهج أدب الطفل العبري بصفة خاصة، لضمان تحقيق أهداف الكيان الصهيوني الغاصب، وتربية جيل يُكِنُّ كل الحقد والكره لبقية الشعوب والديانات الأخرى، بل يتحول إلى آلة قتل وتدمير وتخريب بما يخدم مخططات الكيان الصهيوني في الاستعمار والتوسع، واغتصاب الأراضي، ولعل المتصفح للمناهج والمقررات التي يفرضها الكيان الصهيوني يجدها تعج بمشاعر الكراهية، وتحض على العنف والقتل.

ثانيًا: استخدام وسائل الإعلام في ترويج أفكار الكيان الصهيوني المشوهة من خلال نشر حزمة رسائل متنوعة، ومكرَّرة المضمون، للترويج للأفكار، أو الترويج لأنشطة الكيان، وإثارة الذعر والخوف في نفوس المواطنين من المدنيين والأبرياء. على سبيل المثال نجح "أفيخاي أدرعي" الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني، في تحقيق اختراق كبير خلال التسع سنوات الأخيرة على نفسية المتلقي وعقليته ، عبر تسجيلات الإعجاب التي تخطت (١,٤١٧,٢٦٩) متابعًا على الفيس بوك، مع الدخول في النصف الثاني من عام ٢٠١٩م (دويكات، عثمان، ٢٠٢٠م).

كما أطلق الكيان الصهيوني عددًا من الأذرع والمنصات الإعلامية والمخابراتية وعلى رأسها الوحدة (٨٢٠٠) المتخصصة في الحروب الإلكترونية، تقتضي مهمتها نشر الكثير من الأخبار دون أدلة حقيقية تربطِ المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وكسب تعاطفٍ دولي، وتصوير العدوان الصهيوني أنه دفاع عن النفس.

ثالثًا: نشر الشائعات والتضليل: باعتباره أحد أهم أساليب الإرهاب الذهني الصهيوني، وتهدف إلى التأثير على الاتجاهات، وتوجيه الرأي العام. فقد ادعت قناة (24 نيوز) الصهيونية، نقلًا عن مصادر في جيش الاحتلال، ذبحَ (٤٠) طفلًا، وقطع رؤوسهم على يد المقاومة، وسرعان ما انتشر الخبر، وتم تداوله عبر معظم الصحف ووسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك صحيفة (ذا تايمز) اللندنية المعروفة، و(نيويورك بوست) الأمريكية، واستمرَّ الضخُّ الإعلامي الغربي لهذه القصة، حيث نشرتها حسابات تخطى عدد متابعيها الملايين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي دون التحقق منها بالأساس، وثبت بعد ذلك أنها رواية ملفقة، وليس لها أساس من الصحة.

بخلاف شائعة تعرض نساءٍ للاغتصاب خلال هجوم على يد المقاومة الفلسطينية، وسرعان ما تناقلت وسائل الإعلام وخاصة الغربية منها هذه الأخبار، ونشرتها على مواقعها وجرائدها الورقية والإلكترونية، قبل أن يتبين في وقتٍ لاحق أن هذه المزاعم مضللة، إذ أخفقت وسائل الإعلام التي تناقلت الخبر في تقديم الأدلة، ونسبت الخبر لشخص مجهول.

ومن هذه الحملة تداول مقطع فيديو مصور للفتاة الألمانية (شان لوك) مستلقية على بطنها في خلفية سيارة، وانتشرت روايتين الأولى تفيد باغتصابها، والثانية بذبحها، لكن تبين لاحقًا أنها على قيد الحياة، حيث أكدت والدتها في حوار مع التلفزيون الألماني أنها تلقت معلومات من مصادر فلسطينية من داخل القطاع تفيد بأن ابنتها على قيد الحياة، لكنها تعاني من إصابة خطيرة في الرأس، وهي في حالة حرجة تتلقى الرعاية في أحد مستشفيات غزة.

رابعًا: إستراتيجيات التحريض والتأثير العاطفي: والتحريض هو تحفيز أو تشجيع الأفراد على القيام بأعمال عنيفة أو إرهابية، وعادة ما يتم ذلك من خلال نشر أفكار ورسائل تحرض الأفراد على ارتكاب أعمال عنف أو هجمات. ويتضمن التحريض استخدام اللغة العنصرية أو الدينية أو السياسية لتحفيز الأفراد على العنف والإرهاب، ومثال ذلك ما قام به الكيان الصهيوني من توزيع الأسلحة على التابعين له، مما يتسبب في وقوع العديد من الضحايا في صفوف المدنيين والأبرياء. وأما التأثير على العواطف: فإنه يعني تلاعب الكيان بعواطف الأفراد والجماعات، لجعلهم أكثر عرضة للتأثير بسهولة، ويتم ذلك من خلال استخدام الرسائل والتكتيكات التي تستهدف المشاعر الشخصية للأفراد، مثال على ذلك العديد من الرسائل والخطابات التي تحض على الكراهية، والعنف وارتكاب مزيد من جرائم القتل والتدمير والخراب.

خامسًا: استهداف جبهة الطرف المضاد الداخلية، وبث روح اليأس والاستسلام: تهدف هذه الإستراتيجية إلى تصدير صورة مغلوطة بهدف بث الشعور باليأس، والرغبة في الاستسلام، والإحباط في نفوس الأفراد، وذلك عن طريق المبالغة في وصف قوَّة الطرف الآخَر، والتهويل من الانتصارات التي يحقِّقها، حتى يشعرَ الأفراد أنهم أمامَ قوةٍ لا يُمكن أن تُقهر. وكان "بنيامين نتانياهو" رئيس الوزراء الكيان الصهيوني، قد دعا الفلسطينيين إلى مغادرة قطاع غزة، مهددًا بتحويل القطاع إلى خراب، وأشار في خطاب مصور، إلى استعداد الكيان الصهيوني للدخول في حرب طويلة الأمد على قطاع غزة، محملًا المقاومة المسؤولية الكاملة عن "سلامة الأسرى" الصهاينة. كما أن إصرار الكيان الصهيوني على استهداف الأطفال، وقصف المستشفيات، ودور العبادة، بالمخالفة للقوانين الدولية، والفطرة الإنسانية، إنما يهدف إلى بث الخوف واليأس في نفوس أصحاب الحق والأرض.

 

ختامًا، إنَّ فهم الإرهاب الذهني يساعد على تحليل ومكافحة الإستراتيجيات، وفهم كيفية تأثيرها على الأفراد والمجتمعات، بما يساعد في تطوير إستراتيجيات مكافحة هذا النوع من الإرهاب، لذا كان من المهم عرض مجموعة من التوصيات للوقاية والحد من الإرهاب الذهني الذي يمارسه الكيان الصهيوني المحتل الغاصب نذكر منها:

  • ضرورة العمل على غرس قيم الانتماء في نفوس المواطنين، كالاعتزاز بالأرض، والدفاع عنها باستماتة.
  •  العمل على إكساب مهارات التفكير النقدي، والتحليلي لدى المواطنين، حتى لا يتم تصديق كل ما يعرض عليهم، وأن يكونوا محصنين ضد السموم والنفايات الفكرية.
  • وضع إستراتيجية واضحة للمواطنين في المجتمعات كافة، لتوفير الحماية من الحروب النفسية بشكل عام، ومن الإرهاب الذهني الذي يمارسه الكيان الصهيوني على العالم أجمع.
  • العمل على إكساب مختلف الشعوب الاتجاهات والأنماط السلوكية التي تحميهم من حملات التشكيك، والتشويش الفكري، التي تستهدف زعزعة الثوابت، وبث الإحباط في النفوس.
  • وضع قوانين دولية ضد ممارسات الإرهاب الذهني بأشكاله وصوره كافة، واعتباره ضمن جرائم الحرب.
  • ضبط الخطاب الإعلامي وإتاحة مساحة متساوية للتعبير عن الرأي، ودعم القضية الفلسطينية على المستوى الإعلامي والمعلوماتي، والتعامل مع القضية من منطلق إنساني.
  • مواجهة الآلة الإعلامية الصهيونية بكل حسم، والعمل على تشكيل وعي الشباب بالقضية الفلسطينية من خلال حملات توعية مكثفة تعمل على رفع درجة الوعي بالقضية، وتحصين فكر الشباب ضد حملات التشويش الفكري والإرهاب الذهني التي يمارسها الكيان.
  • تعزيز جهود التنشئة والتربية للأطفال من خلال غرس الوعي في أذهانهم، وتربيتهم على التفكير الناقد، وتدريبهم على مهارات التمييز بين الصواب والخطأ.

وحدة البحوث والدراسات

 

قائمة المراجع

- راغب، نبيل (١٩٩٨). غسيل الدماغ كيف يغيب العقل ومتى. دار الغريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.

- دويكات، سما وجيه؛ عثمان، عثمان (٢٠٢٠) الصراع العربي – الإسرائيلي في الخطاب السياسي للناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي (رسالة ماجستير) كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين.

 

تتضمن إستراتيجيات الإرهاب الذهني عدة إستراتيجيات منها: (غسيل الدماغ – استخدام وسائل الإعلام – نشر الشائعات والتضليل – التحريض والتأثير العاطفي – إضعاف الجبهة الداخلية للآخر وبث روح اليأس والاستسلام)، وتقوم هذه الإستراتيجيات على التلاعب النفسي والإقناع العقلي، الذي يهدف إلى تشكيل وجدان الأفراد والجماعات، وتوجيه اهتماماتهم وانتباههم نحو أهداف الكيان الصهيوني الغاصب.

 

 

 

طباعة