إسبانيا والتحديات الإرهابية في عام ٢٠٢٣م

  • | الثلاثاء, 5 ديسمبر, 2023
إسبانيا والتحديات الإرهابية في عام ٢٠٢٣م

     تُعد إسبانيا إحدى الدول الأوروبية التي تبذل جهودًا كبيرة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وتشارك في عدد من المبادرات الدولية لمواجهة التهديدات الإرهابية، مثل التحالف الدولي ضد داعش، والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب، والمركز الدولي لمكافحة التطرف العنيف، وتسهم في هذه المبادرات بتقديم الدعم السياسي، والمالي، والعسكري، والأمني، والإنساني. وعلى المستوى الداخلي تعمل على تعزيز الأمن القومي، والوقاية من الإرهاب من خلال تطبيق قوانين وإجراءات صارمة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وتحديث الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية، والقضائية، والمخابراتية. وبفضل هذه الإجراءات تمكنت إسبانيا من اعتقال، ومحاكمة، وإدانة العديد من الأفراد والجماعات المتورطين في الإرهاب خلال السنوات الماضية. ولم يقتصر دور الأجهزة الأمنية على ضبط العناصر الإرهابية، بل امتدت جهودها إلى تعزيز الوعي العام، ومكافحة التطرف في المجتمع.

ولا شك أن الإرهاب بات أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمن القومي والدولي في القرن الحادي والعشرين. وتُعد إسبانيا واحدة من الدول التي تعاني من هذا التهديد بشكل خاص، نظرًا لتاريخها، وموقعها الجغرافي والديموغرافي. ففي عام ٢٠٢٣م شهدت إسبانيا عدة عمليات أمنية ناجحة ضد الحركات والتنظيمات الإرهابية المختلفة، وضد الأفراد المتعاطفين معها، أو المشتبه في انتمائهم إليها، وقد أسفرت هذه العمليات عن اعتقال عشرات الأشخاص، وتفكيك خلايا وشبكات إرهابية، ومصادرة أسلحة، ومتفجرات، ومواد دعائية. وفي بعض الحالات، تمكنت الأجهزة الأمنية من منع هجمات إرهابية محتملة كانت تستهدف مواقع حساسة، أو تجمعات كبيرة، كما تمكنت من كشف وتوقيف أفراد آخرين، يروجون لأفكار المتطرفة، وينشرون محتوى عنيفًا على منصات التواصل الاجتماعي.

وفي ٧ نوفمبر ٢٠٢٣م، شهدت المدن الإسبانية برشلونة، وملقة، وغيبوثكوا، ولوغرونيو، وبلنسية، عمليات أمنية نفذتها الشرطة الوطنية في إطار جهودها لمكافحة التطرف، وقد أسفرت هذه العمليات عن اعتقال (١٤) فردًا من الجنسية الباكستانية. ووفقًا للتحقيقات، فإن جميع المعتقلين كانوا ينتمون إلى حركة سياسية متطرفة تُعرف بحركة "لبيك باكستان". وتُعد هذه الحركة من أكثر الحركات المتطرفة نشاطًا في باكستان، وتتبنى أفكارًا متشددة تتعارض مع الدستور والقانون. وقد شاركت هذه الحركة في عدة احتجاجات واعتصامات عنيفة في باكستان، وتسببت في شلل الحركة والخدمات في البلاد، ووصفها الخبراء والمحللون بأنها "الوجه الجديد للتطرف الديني" في باكستان. ولا يُعد هذا الاعتقال هو الأول من نوعه في إسبانيا؛ إذ سبق وأن نفذت إسبانيا عمليات أمنية أخرى ذات خصائص مشابهة في السنوات السابقة، أسفرت عن القبض على عدد من الأفراد المرتبطين بهذه الحركة المتطرفة.

وتُعد هذه العمليات الأمنية دليلًا على خطر متزايد من التطرف، والذي يستهدف إسبانيا التي تضم أكبر عدد من المهاجرين الباكستانيين. وبحسب إحصاءات رسمية، فإن عدد الباكستانيين المقيمين في إسبانيا يبلغ حوالي (١٠٠ ألف) شخص، ويمثلون ثاني أكبر جالية أسيوية في البلاد بعد الصينيين. ويعيش معظم الباكستانيين في إسبانيا في مناطق قطلونية، ومدريد، ويعملون في قطاعات مختلفة، مثل: الزراعة، والبناء، والتجارة، والخدمات. ويتميز معظم الباكستانيين في إسبانيا بالاندماج، والتكيف مع المجتمع الإسباني، والمشاركة في الحياة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية إلا أن هناك مجموعة صغيرة تتبنى أفكارًا متطرفة، وينخرطون في أنشطة إرهابية، ويشكلون تهديدًا حقيقيًّا للأمن القومي الإسباني.

وفي سياق متصل، وبالتحديد في ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٣م، نفذت السلطات الإسبانية عملية أمنية استباقية في مدينة فيتوريا، أسفرت عن القبض على امرأة ذات جنسية إسبانية وأصول أمريكية جنوبية، ويشتبه بتورطها في تجنيدها لأطفالها، وقاصرين آخرين لصالح تنظيم داعش الإرهابي؛ إذ سعت إلى انخراط أطفالها، وقاصرين آخرين في عملية ترويج للأفكار المتطرفة وتلقينها. يأتي اعتقالها بعد عملية مراقبة مكثفة استمرت لعدة أسابيع، واستلزمت تفتيش منزل المشتبه بها لأكثر من (٣) ساعات.

وفي ٦ سبتمبر ٢٠٢٣م، تم تنفيذ عملية أمنية مشتركة بين الشرطة والاستخبارات الوطنية، بالتعاون مع الـ"يوروبول"، في مدينة "بامبلونا"، وقد أسفرت هذه العملية عن اعتقال شاب في منتصف العشرينات من العمر يحمل الجنسية المغربية، حيث أعلن المعتقل عن ولائه لزعيم تنظيم داعش الإرهابي، وأظهر نشاطًا مثيرًا للقلق على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كان يتبنى وينشر محتوى متطرفًا من خلال مجموعة متنوعة من الحسابات. وفي أثناء تفتيش منزله، تم اكتشاف ما يقارب من (١٠٠) كتيب تدريبي ذاتي للإرهابيين، بما في ذلك مواد عن تصنيع المتفجرات، والتعامل مع الأسلحة. هذه الوثائق تُعد دليلًا قويًّا على نية المشتبه به في تنفيذ أعمال إرهابية، وتهديد الأمن العام.

وتُظهر هذه النماذج من العمليات الأمنية خلال عام ٢٠٢٣م مدى قوة التهديدات الإرهابية التي تواجهها إسبانيا من خلال العناصر الإرهابية المتطرفة الأجنبية التي تعيش داخل أراضيها، كما تُظهر قدرة الأجهزة الأمنية الإسبانية على اكتشاف، وتفكيك الخلايا الإرهابية التي تنشط في البلاد، والتي تشكل خطرًا على الأمن القومي، والاستقرار الاجتماعي، وتعكس التعاون الوثيق بين الحرس المدني، والشرطة الوطنية، والمخابرات الإسبانية، الأمر الذي يُعد عاملًا مهمًّا في مكافحة الإرهاب. ويمكن القول: إنها تمثل نجاحًا للسياسة الأمنية الإسبانية، التي تسعى إلى الحد من التطرف، والعنف، والتشدد في المجتمع.

كما تُظهر هذه العمليات مدى الخطورة التي تمثلها العناصر الإرهابية المتطرفة، والتي تستغل الحريات لنشر الفكر المتطرف، والتحريض على العنف. وتشير هذه العملية إلى وجود مشكلة اندماجية لبعض الأجانب في المجتمع الإسباني، خاصة الذين قد يتعرضون للتمييز، أو الإقصاء، أو الإهمال، كما تطرح هذه العملية تساؤلات حول الدور الذي يلعبه كل من التعليم، والثقافة، والإعلام في تعزيز القيم الديمقراطية، والمواطنة، والتسامح، والتعايش بين مختلف الجماعات، والهويات في إسبانيا.

كما تعكس هذه العملية التحديات التي تواجهها الحكومة الإسبانية في مواجهة الإرهاب الدولي، والذي يستهدف إسبانيا؛ بسبب موقفها الداعم للتحالف الدولي ضد داعش وغيره من التنظيمات والحركات الإرهابية الأخرى. وتشير هذه العمليات إلى ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات والخبرات والموارد بين الدول المعنية، وتطرح أفكارًا حول الحفاظ على التوازن بين الأمن والحريات الفردية والجماعية، والحد من التأثير السلبي للإرهاب على الحقوق الإنسانية والقانونية والسياسية في إسبانيا.

وفي الختام، يمكن القول: إن هذه الأحداث تعبر عن الواقع الذي تعيشه البلاد في ظل التهديدات الإرهابية التي تنبع من العناصر المتطرفة الأجنبية، وتدعو إلى اليقظة والحذر والتضامن في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد الأمن، والسلام، والتنمية في إسبانيا.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة