صراع بين محبة الوطن والتأليه!

(وحدة رصد اللغة الأردية)

  • | الأربعاء, 30 مارس, 2016
صراع بين محبة الوطن والتأليه!

شاع بين الناس التعبير عن حب الأوطان وإظهار الانتماء لها والتأكيد على الولاء والتضحية في سبيل عزتها والتفاني في خدمتها؛ وذلك من خلال ممارسات وأفعال معينة مثل تحية العلم أو الهتاف بشعارات معبرة عن حب الأوطان، غير أن البعض يرفض أن تكون هذه الشعارات هى فقط الدليل على الانتماء أو الولاء للوطن، كما هو الحال في الهند في الوقت الراهن، فبعض المسلمين المتشددين هناك يعتبرون أن ترديدهم لبعض الشعارات مثل: "بهارت ماتا كى جاي" ومعناه "فلتحيا الهند، الإله الأم" وسيلة تتخذها الحكومة الهندية الحالية لفرض الهوية والثقافة الهندوسية قسرًا، وليس الهوية الوطنية، حيث إن "bharat mata" هي تجسيد للهند باعتبارها كما يقولون الإله الأم، وهي مزيج من كل الآلهة في الثقافة الهندوسية، ويتم تصويرها على هيئة امرأة ترتدي "ساريًا"، وتحمل العلم الوطني الهندي، وبجوارها أسد في بعض الأحيان، بالإضافة إلي أن هناك معبد باسم "بهارت ماتا" في منطقة "فاراناسي" بالهند.
وقد تباينت الآراء والفتاوى الدينية في الهند بسبب هذه الشعارات؛ فالمعترضون قد نظروا إلى الشعار نظرة دينية معتبرًا أن تجسيد الوطن – الهند -  في هيئة "إله" أمرٌ ينافي الإسلام الذي يقوم على توحيد الألوهية لله عز وجل وأنه لا إله إلا الله، وأن أي إشارة لوجود إله آخر غير الله قد يُخرج الشخص من الإسلام، بالإضافة إلى شعار Vande Matram الذي يعني: "لكِ أنحني يا وطني"  فالركوع في الإِسْلاِم لا يكون إلا لِله وحده.

ومن ناحية أخرى كان هناك تأييد لترديد هذه الشعارات في مؤتمر الصوفية العالمي الذي عقد في نيودلهي بحضور رئيس الوزارء الهندي "ناريندرا مودي"؛ حيث قام شيوخ الصوفية بتحيته بترديد شعار "تحيا الإله الأم"، مما أثار انتقادات واسعة بين المسلمين، معتبرين هذا الأمر خطة وراءها منظمة "راشتريه سوايم سيفاك سانغ: آر ايس اس" الهندوسية بغرض تقسيم صفوف المسلمين، وإشعال صراع طائفي بينهم.
والحق أنه يجب علينا جميعًا أن نعترف بأن ترديد الشعارات الوطنية، أو رفع العلم، أو إنشاد النشيد الوطنى وغيرها من الأفعال ليست هي وحدها الدليل القاطع على وطنية الفرد من عدمها، فلمْ تمنع تلك المظاهر وجود خونة وجواسيس يبيعون الوطن؛ فحب الوطن لن يتأتي بمجرد ترديد شعارات، ولكن يأتي بالعدل والحرية والديمقراطية والمساواة الاجتماعية... فالانتماء  ليس مجرد شعار تردده الألسنة، وإنما ينبغي أن يكون نابعًا من الوجدان.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الداعي لإثارة هذه القضية في هذا التوقيت؟ فهذه الشعارات ليست مستحدثة أو وليدة اللحظة، بل هي موجودة منذ القدم بحيث صارت عادة ووسيلة عامة للتعبير عن حب الأوطان، ويؤكد على هذا قول الشاعر الباكستاني الشهير إقبال: "خاكِ وطن كا مجھ كو ہر زرّه ديوتا ہے"   أي "أن كل رملة من تراب الوطن بالنسبة لي إله"؛ فالعلامة إقبال نظم هذه الشطرة من الشعر منذ سنواتٍ وهو شاعر قومي لا يمكن أن يتم التشكيك في وطنيته كما لا يمكن التشكيك في حبه للدين الإسلامي، ولكنه شبه رمال وطنه "بالإله" دلالة على قدسية الوطن في نفوس المسلمين والهندوس على السواء، وعليه نرى أن الخوض في مثل هذه المهاترات لا مكان له في الوقت الحالي؛ فالاختلاف أصبح رفاهية لا وقت لها الآن، ومن الأفضل أن يهتم مسلمو الهند والعالم أجمع بتحسين أحوالهم الحياتية، والعمل على تقدمهم في شتى مجالات الحياة، والتركيز على قضايا يعاني منها المسلمون حتى يضربوا بذلك مثلًا للمسلم الحقيقي الذي يعمل للدنيا والآخرة معًا،
فمن الممكن أن يرفع هذا الشعار الأغلبية الهندوسية في البلاد ولا يرددها المسلمون الذين يمثلون 20% من سكان البلاد ولديهم مشاكل يستحق الوقوف عندها، وكما جاء في الحديث الشريف "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ، فكم شعارات رُفعت ولا يؤمن قائلها بها وكم من أفعالٍ تؤدى دون رفع شعارات ولا هُتافات.

 

طباعة