رغم إعاقته.. مصطفى أمايا أحد أكبر داعمي التنظيمات الإرهابية بإسبانيا

  • | الإثنين, 18 ديسمبر, 2023
رغم إعاقته.. مصطفى أمايا أحد أكبر داعمي التنظيمات الإرهابية بإسبانيا

     لطالما أكَّد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على أهمية تحصين عقول الشباب ضد الأفكار المتطرفة والدعوات الهدَّامة أيًّا كان مصدرها، كما حذَّر في غير تقرير من ظاهرة انتشار التطرف داخل السجون باعتبارها بيئة خصبة لتجنيد واستقطاب عناصر من الخارجين عن القانون ممن تستهويهم الدعاوى الزائفة والإغراءات، سواء كانت مادية أو غير ذلك، وقد دقَّت الحكومة الإسبانية ناقوس الخطر لينذر بانتشار هذه الظاهرة التي بدأت تحوز اهتمام الجهات الأمنية في البلاد لما تمثله من خطورة على السلم العام داخل السجون وخارجها. 
والتقرير التالي يسلِّط الضوء على أحد دعاة التطرف والإرهاب في إسبانيا؛ "مصطفى مايا أمايا"؛ رجل لم تمنعه إعاقته عن ممارسة النشاط الإرهابي، والعمل على نشر الفكر المتطرف؛ حيث قضى "أمايا" عقوبة السجن مدة (٨) سنوات بتهمة تمويل الإرهاب، قبل أن يتم اعتقاله مجدَّدًا بتهمة الدعاية للتنظيمات الإرهابية، واستقطاب الشباب للانضمام إليها، وبسببه حذَّر السيد "فرناندو مارلاسكا" وزير الداخلية الإسباني، الأحزاب السياسية من خطورة السجناء السابقين المتورطين في قضايا الإرهاب في تصريحات أدلى بها في ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣م.
حيث اعتقلت الشرطة الوطنية الإسبانية "أمايا" يوم الإثنين الموافق ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٣م في مدينة "مليلية"، والذي كان قد خرج من السجن قبل عدة أشهر عقب تنفيذ عقوبة السجن مدة (٨) سنوات لقيامه بتجنيد (٢٨) شابًّا على الأقل من دول مختلفة، وضمهم للتنظيمات الإرهابية، حيث يواجه هذه المرة تهمتي الدعاية للتنظيمات الإرهابية، واستقطاب الشباب للانضمام إليها. وتُعد هذه العملية هي العملية الثانية التي تقوم بها الشرطة الإسبانية خلال أسبوع واحد ضد المتطرفين، تنفيذًا لقرار وزارة الداخلية الإسبانية بتعزيز حالة التأهب لمكافحة الإرهاب؛ بسبب الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط حاليًا، وإثر الاعتداءات الإرهابية التي تم تنفيذها مؤخرًا بفرنسا وبلجيكا، والتي أودت بحياة (٣) أشخاص.

إن اعتقال "مايا" – الذي كان في الأصل رجل دين مسيحي اعتنق الإسلام، والذي وصفته الشرطة الإسبانية عقب عملية اعتقاله الأولى في عام ٢٠١٤م بأنه أكبر ممول للتنظيمات المتطرفة بالعناصر البشرية- يؤكد مخاوف الشرطة الإسبانية بشأن الخطورة المحتملة للمتطرفين عندما يكونوا سجناء سابقين. وخلال الاجتماع الذي عُقد يوم الجمعة الموافق ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣م بمقر وزارة الداخلية الإسبانية، عبَّر السيد "فرناندو جراندي- مارلاسكا" للمجموعات السياسية التي حضرت عن قلقه بخصوص الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء السجناء بعد تنفيذ عقوبتهم. 
ومنذ حوالي عام واحد أشارت الخطة الإستراتيجية للشرطة الوطنية الإسبانية لنفس السياق، عندما ذكرت أن المعتقلين السابقين من المتطرفين عندما يتم إطلاق سراحهم، ويخرجون للشارع من الممكن "أن يقوموا باستعادة النشاط الإرهابي من جديد". والجدير بالذكر أن الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، والتي أعدتها وزارة الداخلية الإسبانية في فبراير ٢٠١٩م، كانت قد دعت أيضًا إلى "الاهتمام بالمراكز الإصلاحية بشكل خاص"، والتركيز على تعزيز أو تقوية فرق موظفي المؤسسات الإصلاحية الذين يراقبون هؤلاء المعتقلين، والذين لم تحقق برامج إعادة التأهيل أو الإدماج الخاصة بهم حينئذٍ نتائج كبيرة. 
وفي بداية عام ٢٠٢٢م أوقفت وزارة الداخلية بالفعل دخول سجناء جدد متطرفين في خطة تأهيل المتطرفين دينيًّا، القرار الذي تم بدء العمل به عام ٢٠١٦م، عندما كان وزير الداخلية هو السيد "إجناثيو ثويدو"، وذلك بسبب عدم نجاحها. وخلال الأعوام الـ(٦) التي تم العمل فيها بهذه الخطة لم يقم بالتسجيل في ورش إعادة التأهيل هذه سوى (٥٢) سجينًا فقط. وفي الوقت الحالي يتم العمل ببرنامج جديد. وحتى تاريخ ٢٣ شهر أكتوبر ٢٠٢٣م يوجد في إسبانيا (٦٦) سجينًا مدانًا، أو محتجزًا حجزًا احتياطيًّا على ذمة جرائم تتعلق بالإرهاب. وتضم وزارة الداخلية الإسبانية لهذه المجموعة (٣٩) سجينًا آخر، والذين على الرغم من اعتقالهم على خلفية ارتكابهم جرائم عادية، فإنه تم رصدهم وهم يقومون بالترويج للفكر المتطرف داخل السجون. وهناك (٥٤) سجينًا آخر تحت المراقبة، لأنهم "قد كشفوا عن مواقف، أو سلوكيات يمكن اعتبارها مؤشرًا على استقطابهم للتطرف العنيف". وفي المجمل بلغ عدد المتهمين بالدعاية للتنظيمات المتطرفة (١٥٩) سجينًا.  
إن التحقيق الذي أدى إلى اعتقال "أمايا" لأول مرة – حيث قدم نفسه على أنه "ابن لرجل إسباني من الغجر وأم إسبانية أندلسية" – كشف عن أنه قد قام بتجنيد العشرات من الشباب من منزله المتواضع بمدينة "مليلية"، مستعينًا بجهاز حاسب آلي ورسالة، أو خطاب مقنع ومخادع، بدأ متحدثًا عن السلام والحب لينتهي به الحال في نهاية الأمر بالدعوة إلى قتال الأعداء، ومتخفيًّا تحت ستار (٩) أسماء مستعارة مختلفة، ومستخدمًا (٦) ملفات تعريف مختلفة على المدونات، وحسابات التواصل الاجتماعي سكايب وفيسبوك، فلقد تحول منذ عام ٢٠١٢م وحتى لحظة اعتقاله الأول إلى أحد العناصر الأكثر فاعلية في تسهيل حركة الإرهاب الدولي.  
وطبقًا للتحقيقات فإن " مايا" قد موَّل التنظيمات الإرهابية بالمقاتلين الراغبين في الانضمام إليها، ولم يتوقف تمويله على تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة في سوريا، بل موَّل أيضًا تنظيم القاعدة في المغرب العربي، وجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (مالي وليبيا). ولذلك وصل به الحال إلى أن أصبح على رادار أجهزة الاستخبارات خلال سنوات قليلة، وقبل هذا الاعتقال قام بالهروب من عملية عسكرية في الناظور (المغرب)، حيث كان يقيم هناك بصحبة زوجته. ولقد كانت المعلومات المهمة التي لديه، وحجم المقاتلين الذين استطاع تجنيدهم كبير جدًّا، لدرجة أنه قد سافر عملاء لوكالة الاستخبارات الأمريكية (FBI) إلى إسبانيا للمشاركة في التحقيقات والتحريات عنه. 
وبعد اعتقاله أقر "أمايا" بأنه قد قام بإرسال مقاتلين إلى سوريا، ما يجعله أول معتقل في إسبانيا يقوم بذلك. وعندما سأله المدعي العام الإسباني إلى جانب وفد من وزارة العدل الفرنسية خلال استجواب: "كم عدد المقاتلين الذين أرسلتهم إلى سوريا؟"  أجاب: "أكثر من ٢٠٠ مقاتل"، وسط دهشة اللجنة القضائية. وفي نهاية الأمر، فإن "أمايا" طالبت النيابة مبدئيًّا بمعاقبته بتوقيع عقوبة السجن لمدة (١٤) عامًا عليه، بسبب تكوينه لخلية إرهابية وإدارتها، قبل أن يتم تخفيف العقوبة إلى (٨) سنوات.
وخلال الحكم الصادر في يناير ٢٠١٨م، اعتبرت المحكمة "أمايا" هو "القائد والمحرك" للمجموعة الإرهابية، وأكدت على أن دوره "كان أساسيًّا" لكي ينضم من قام بتجنيدهم للتنظيمات الإرهابية، حيث إنه قام بتوجيههم وإرشادهم إلى وسائل المواصلات والطرق التي يمكن استخدامها، والتجهيزات اللازمة، وطرق تجنب الكمائن الشرطية والحدودية. وثبت في الحكم أن هذه الشبكة الإرهابية قد سهلت وصول (٢٨) شخصًا على الأقل إلى مناطق الصراع للانضمام للتنظيمات الإرهابية.     
وختامًا يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ضرورة مراقبة المتطرفين في كل وقت، ليس فقط خلال فترة قضاء عقوبتهم بالسجون، ولكن أيضًا بعد خروجهم منها، حيث إن قضاء عقوبة السجن ليست بالضرورة أن تكون كفيلة بتغيير الأفكار، كما يجب أن يتم عمل مراجعات فكرية لهم خلال مدة وجودهم بالسجن، حتى نستطيع أن نغير من قناعاتهم، ونجعلهم أناسًا أسوياء، يحبون أوطانهم التي ينتمون إليها ويأكلون من خيراتها، ونجعلهم يحترمون قوانين هذه الدول، ويلتزمون بها.


وحدة البحوث والدراسات
 

طباعة