لماذا تنضم الفتيات المراهقات لتنظيم داعش؟
هو سؤال طالما طرحناه كثيرًا حتى نستطيع أن نعرف لماذا فئة الشباب هي الأكثر انضمامًا للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، ثم لماذا الفتيات المراهقات؟ هذا التساؤل ربما يجيب عليه التليفزيون البريطاني، حيث وضع يده على أسماء 22.000 من أعضاء التنظيم، وكشف عن أن الفتيات أضحت هدفًا لتنظيم داعش وبلغت نسبة تمثيل المراهقات نحو 55%، بحسب مسئول كبير في مكافحة الإرهاب في بريطانيا، طلب عدم الكشف عن هويته.
ووفقاً لما نشره موقع "Direct Matin" نقلاً عن صحيفة "The Time" البريطانية فإن تنظيم داعش لا يتردد في إرسال نساء لأرض المعركة من أجل القتال. فالنساء يعملن بالخدمات اللوجستية خلال القتال، ولكنها اليوم أضحت محاربة في ساحة المعركة، كما أكد حسين الذوادي، عمدة بلدية صبراتة، وهي بلدة تقع غرب طرابلس، عاصمة ليبيا، للصحيفة يوم الاثنين، حيث ذكر أن ثلاث نساء قتلوا في المعركة، وألقي القبض على سبعة أخرين، كلهن من تونس. وهذا ما أكده رئيس الجيش الليبي، طاهر الغرابلي، الذي صرح بأن "واحدة منهم حاولت تفجير نفسها بحزامها الناسف".
وحتى وقت قريب، كان تنظيم داعش يستخدم النساء من خلال كتيبة الخنساء، وهي ميلشيا جميع عناصرها من النساء ومقرها في مدينة الموصل (العراق)، والرقة (سوريا)، وتقوم بدور المراقبة على النساء، ومعاقبة النساء اللاتي لا يحترمن قواعد التنظيم. لكن في الآونة الأخيرة، تم تعيين مسئولة قديمة عن كتيبة الخنساء، على رأس كتيبة كاملة من النساء، في الحسكة، في سوريا، وفي هذا إشارة إلى أن المرأة تستخدم الآن في أدوار قتالية.
إذاّ ما الذي يدفع هؤلاء الفتيات المراهقات، اللاتي لا يكدن يخرجن من مرحلة الطفولة، للانضمام، أو للحلم بالانضمام لمنظمة متطرفة أو إرهابية؟ كان لعلماء الاجتماع رأي في هذه الظاهرة، فهذا عالم الاجتماع (فرهاد خوسروخافار)، مدير الدراسات في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، يرى أنه لابد من التعامل الآن مع الجيل الأول من الفتيات اللاتي فتن بالعنف، حيث كان العنف ظاهرة منحصرة تقريبًا في الذكور. ولكن هذا الجيل الجديد غير وجهات نظر علماء الاجتماع. ومن وقاع حديثه مع هؤلاء الفتيات، أعلنّ له: "أن مثلهن الأعلى هو كواشي"، ولم يكن حلمهن أن يكن إحدى زوجاته أو صديقاته، بل تعدي الأمر أن يحلمن بأن يكن "كواشي نفسه". أي أنهن اخترن العنف مباشرة".
هكذا نجد أن هؤلاء الفتيات اخترن هذا الطريق الذي يمكن أن يحقق بعضًا من أهدافهن التي تتمثل في إشباع رغباتهن، وهو ما سماه عالم الاجتماع: "عبادة المروءة والانبهار بالعنف".حيث أصبح الشاب الإرهابي في أعينهن نموذجًا للذكورة والمروءة، فهؤلاء الفتيات يعتقدن أن معايير المروءة تقاس جديتها من خلال استعداد الشاب لتعريض نفسه للخطر، وفي هذا يقول: "إنهن يردن رجلًا يملك فضائل الذكورية التقليدية". وإذا كان هذا نمط يتحدث عنه عالم الاجتماع فإننا نجد نمطًا آخر من الفتيات كانت غايتهن مختلفة تمامًا، ففي دراسة عرضتها صحيفة "Le Monde" الفرنسية حول فتيات مراهقات سافرن إلى سوريا، وأخريات، في فرنسا، يحلمن بالقيام بهجمات، أشارت إلى أنهن لم يعدن يفكرن عند بلوغ سن معين، في حبهن الأول، ولكن هدفهن اختلف تمامًا فأصبحن يعشقن ما يعتقدون إنه "جهادًا".
وتظهر الدراسة التي أجرتها صحيفة لوموند الفرنسية أن أعداد المرهقات في فرنسا، اللاتي يعتنقن مثل هذا الفكر، مثل "كميل" وصديقاتها، بلغن 867 مراهقة. وأشارت الدراسة إلى أن هذه الظاهرة مقلقة ومتنامية. وأن "نسبة النساء الفرنسيات اللاتي انضممن لصفوف داعش في سوريا ارتفعت من 12% إلى 35%، ما بين أكتوبر 2013م، وأكتوبر 2015م، في حين أن أعداد الرجال الذين انضموا لصفوف داعش في سوريا انخفض قليلا".
وقد ساقت جريدة le monde أمثلة على ذلك فذكرت نموذج الفتاة التي تدعى "ليا"، التي التحقت بزوجها، الذي يكبرها بثماني سنوات، في مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا، يوم 18 من يونيو 2014م. وتركت رسالة وداع لوالديها في فراشها، كان نصها "...لقد ذهبت إلى البلد المقدس، أرض المحشر، ورحلت لأن سعادتي تكمن في ممارسة ديني، وألا أكون تحت أي قيود".
وبعد مرور 48 ساعة على رحيل "ليا"، قامت الشرطة باستدعاء اثنتين من صديقاتها، إحداهن تدعى "كميل"، والأخرى تدعى "جولييت"، وهما في نفس عمر "ليا"، وجميعهن سلكن طريق التطرف. وأثناء التحقيقات، لم تخف "كميل" آراءها وأفكارها عن المحققين، فقالت لهم "والداي ملحدان، وأنا سلفية"، ولكن المحققين يرون أن "كميل" لديها خلط بين الجيش السوري الحر، وبين تنظيم داعش. لكن هذا لم يمنعها من الرغبة في السفر إلى سوريا برفقة فتاة أخرى تدعى "فاطمة"، تعرفت عليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي...
وبإمعان النظر في رسالة "ليا" يتضح لنا أمور لابد أن نأخذها في اعتبارنا عند تحليل هذه الظاهرة:
فهذه الفتاة تبحث عن ما يمكن أن نسميه مناخًا جيدًا تستطيع فيه ممارسة أمور دينها بلا قيود أو ضغوط. فما هي يا ترى هذه الضغوط والقيود التي جعلتها تبحث عن مفتاح جديد يمكنها أن تفعل ذلك بحرية؟ هل يفرض المجتمع الذي تعيش فيه قيودًا ما أو سياسة ما لا تستطيع معه أن تضع واجباتها الدينية موضع التنفيذ؟ سؤال لابد أن يطرحه كل من يبغي البحث عن حل لهذه الظاهرة.
قد يقول البعض إن هذا ربما ينتج عن جهل بدينها، ونحن نقول: ما الذي فعله مجتمعها والسياق المحيط بها حتى يوفر لها الحماية الفكرية والمظلة المعرفية التي تحصن هؤلاء الفتيات.
كما أن اعترافات "كميل" تسلمنا إلى أمر غاية في الخطورة، حيثقالت: "والداي ملحدان، وأنا سلفية"فهذا يوضح كيف أن هذه الفتاة–مثل عدد كبير من الفتيات بهذه المرحلة العمرية - تعاني من صراع نفسي عميق، فإلحاد أبويها جعلها تعيش هذا التمزق الداخلي الذي جعلها تتجه إلى التطرف.
يقودنا تحليلنا هذا إلى القول بأن قضية التطرف أعمق مما يتخيل البعض فهي تخص المجتمع بمختلف مستوياته، ولابد من من مواجهة ذلك حتى نستطيع أن نجد علاجًا ناجحًا.