التحديات النفسية وملحمة صمود الغزاويين

  • | الإثنين, 8 يناير, 2024
التحديات النفسية وملحمة صمود الغزاويين

 

     غزة من الأماكن التي تشهد تحديات مستمرة؛ صعبة وقاسية على سكانها، يقابلها صمود استثنائيّ منهم. فمنذ سنوات يعيش سكان غزة تحت تأثير التحديات المتواصلة، بما في ذلك الحصار الاقتصادي والاجتماعي والحرب التي يشنها الكيان الصهيوني المحتل الغاصب. تلك التحديات ليست مجرد تحديات مادية، بل امتدت لتشمل تأثيرات نفسية كبيرة في حياة الأفراد والمجتمع في غزة كلها.

ولعل التحديات التي شهدتها غزة طوال تاريخ الصراع ضد كيان محتل غاصب للأرض منتهك للإنسانية والمقدسات، صقلت الشخصية الفلسطينية من أبناء غزة بحالة من الصمود والثبات النفسي الذي قد لا نراه في غيرها من بؤر الصراع والنضال في العالم على مر التاريخ، ويجسد ذلك ما يمكن أن نطلق عليه "ملحمة الصمود النفسي" التي عليها أهل غزة في مواجهة الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ مطلع أكتوبر الماضي ٢٠٢٣، في عدوان أسفر حتى الآن عن سقوط أكثر من ٢٠ ألف شهيد، فيما تجاوز عدد الجرحى ٥٠ ألف جريح، علاوةً على النازحين في عملية تهجير قسري تواكبها إحصاءات مرشحة للزيادة بقوة مع استمرار العدوان الغاشم.

كشفت تقديرات للأمم المتحدة عن تضرر نحو ٤٠ ألفًا من مباني غزة، أي خُمس مباني القطاع قبل العدوان، تضررًا كليًّا أو جزئيًّا، ما أجبر نحو ١.٩ مليون شخص على النزوح من منازلهم، أي ما يمثل نسبة ٨٥٪ من السكان، في ظروف تفرض تحديات نفسية استثنائية على شعب اعتاد النضال، والكفاح، وضرب أروع الأمثلة في الصمود والثبات.

التحديات النفسية التي يواجهها أهل غزة نتيجة الإرهاب الصهيوني

  • الضغط النفسي والقلق:

تعد الضغوطات الناتجة عن الاحتلال، مثل الخسائر البشرية والمادية وسط الدمار والهجمات المستمرة، مصدرًا لارتفاع مستويات الضغط النفسي والقلق لدى المواطنين.

  • الاكتئاب:
  • يمكن أن تؤدي الظروف القاسية وفقدان الأمان والاستقرار إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالاكتئاب لدى المواطنين في غزة.
  • الأرق ومواجهة صعوبات النوم:

قد يتعرَّض العديد من المواطنين لحالة من الأرق وصعوبات النوم نتيجة الإرهاب الصهيوني، وما يتسبب فيه من ضغوط نفسية مصدرها الخوف، وانعدام الأمان والاستقرار.

  • اضطرابات ما بعد الصدمة:

يمكن أن يكون الإرهاب الصهيوني مصدرًا لاضطرابات ما بعد الصدمة، إذ يعاني كثير من الأفراد من فقدان الأمان والخوف المستمر، وتبقى المشاهد والصور المفزعة التي عايشوها ملازمة لأذهانهم لفترات طويلة، لا سيما الأطفال.

  • التأثيرات النفسية في الأطفال:

يعاني الأطفال في غزة معاناةً لا يشهدها نظراؤهم في شتى أنحاء العالم، ذلك بأنهم يتعرضون لتجارب مرعبة تؤثر في نموهم النفسي والاجتماعي، الأمر الذي يتضح في المقاطع المصورة وفي المشاهد التي يشاهدها الجميع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كان المُشاهد من خلف الشاشات ينزعج لهول ما يراه، فكيف بأطفالٍ بعضهم في أعوامهم، بل في شهورهم الأولى، يعاينون هذا العدوان الوحشي بأعينهم، ويرون الموت في كل لحظة؟!

  • صعوبات الوصول إلى خدمات الرعاية النفسية:

يمكن أن تكون صعوبات الوصول إلى خدمات رعاية الصحة النفسية نتيجةً للحصار والقيود أحد أكبر التحديات النفسية التي يتعرض لها أهلنا في غزة، فكيف يُحرم هذا الشعب من أدنى مقومات الحياة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، دون أن يجد أي نوع من الرعاية الصحية، أو الرعاية الصحية والنفسية؛ لتخفيف حدة ما يمر به من ظروف، وأوقات عصيبة.

تلك التحديات النفسية تبرز الحاجة الملحة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي لأهل غزة، وتسليط الضوء على ضرورة إيجاد حلول لتحسين الظروف الحالية، وتوفير فرص للتعافي النفسي، خاصة لدى الأطفال.

الصمود النفسي للشعب الفلسطيني

في خضم هذه الأحداث العنيفة، والظروف الاستثنائية، والأوضاع غير الإنسانية، يظهر الصمود النفسي باعتباره سمةً أساسية في شخصية أهل غزة. إنهم يتعاملون بفخرٍ وقوةٍ مع التحديات اليومية، محتفظين بروح مقاومةٍ لا تنكسر رغم الصعاب. وفي هذا الصمود النفسي بُرهان على قدرتهم على التأقلم والاستمرار في بناء حياتهم على الرغم من الظروف القاسية، فكم من أبٍ حمل جثامين أطفاله محتسبًا صابرًا صامدًا؟ وكم من أمٍّ ودعت فلذات أكبادها يُعينُها ثباتُها وصمودُها ألا تجزع، أو تنهار؟ وكم من طفلٍ رأى أبويْه أو إخوته شهداء وظلَّ صامدًا ترقرق عيناه بالدمع، وقلبه ثابت في رباط؟ إن العدوان الأخير على أهلنا في قطاع غزة كشف قصصًا بطولية، ومواقف صمود فريدة للشعب الفلسطيني.

عوامل تعزيز الصمود النفسي لسكان غزة

  • التلاحم الاجتماعي:

ينهض التلاحم الاجتماعي بدورٍ كبيرٍ في تقوية الصمود النفسي لأهل غزة؛ إذ يقدم المجتمع الدعمَ النفسي والاجتماعي لأفراده.

  • الإيمان والأمل:

يعتمد الصمود النفسي أيضًا على الإيمان بغدٍ أفضل، وأن التحديات الحالية ليست نهاية الطريق، وأن طريق مقاومة الاحتلال طريقٌ طويلٌ شاقٌّ، يستأثر فيه الأمل بمساحات كبيرة في نفوس الأجيال المتعاقبة.

ختامًا:

تكمن القوة الحقيقية لأهل غزة في قدرتهم على الصمود النفسي في وجه التحديات المتواصلة، سواء من محتلٍ غاصبٍ إرهابيٍّ لا يرعى في الأبرياء إلًّا ولا ذمة، أو من صمتٍ عالميٍّ مُخزٍ لا يُحرّك ساكنًا لوقف مجازرَ يوميةٍ تُرتكب بحق الأبرياء. إن قصص البطولة، وملاحم الصمود للشعب الفلسطيني عامة، وأهل غزة خاصة، تثبت قوة الإرادة، ومضاء العزيمة، والقدرة على البقاء بقوة رغم كل الصعاب. لذا يجب أن يكون العالم على درايةٍ بتلك الروح المقاومة، وأن يدعمها حقّ الدعم لتحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة. تحيةَ إعزازٍ وتقديرٍ للمرابطين الثابتين على الحق، المنافحين عن قضيةِ كلِّ مسلمٍ وعربيٍّ، بل قضية كل إنسان.

   وحدة البحوث والدراسات

طباعة