إفريقيا تنزف... وداعٌ دامٍ لعام 2023

  • | الإثنين, 22 يناير, 2024
إفريقيا تنزف... وداعٌ دامٍ لعام 2023


     تستغل التنظيمات الإرهابية بالقارة الإفريقية، انشغالَ العالم بمتابعة الجرائم الصهيونية ضد الأبرياء من أهلنا في قطاع غزة وأنحاء فلسطين المحتلة، للتصعيد من عملياتها في أركان القارة السمراء. وبين إرهاب يتذرع بالدين، وآخرَ يقوم على أساس الصراع على الموارد، وثالثٍ دافِعُه الفتنة والتمييز... سالت دماءُ مئات الضحايا.

ومع غروب شمس العام ٢٠٢٣، شهدت دول القارة عددًا من العمليات الإرهابية التي خلَّفت عشراتِ القتلى والمصابين، مع استمرار حالة الاضطراب الأمني التي ساعدت على تناميها توتراتٌ وتغيُّراتٌ على الصعيد السياسي في عدد من دول القارة؛ ففي نوفمبر الماضي كابدت دول الصومال، وبوركينا فاسو، وأوغندا، ونيجيريا، ومالي، والكونغو الديمقراطية، أهوالَ ٢٣ عملية إرهابية تنوعت بين التفجير والاغتيال، وأسفرت عن مقتل ١٢٨ شخصًا، وإصابة ٣٣ شخصًا، واختطاف ١٥ آخرين، بخلاف تشريد المئات.

وفي السياق ذاته، تبنَّت حركة الشباب الصومالية بتاريخ ٤ من ديسمبر ٢٠٢٣ هجومًا انتحاريًّا استهدف أكاديميةَ "تركسوم" العسكرية في "مقديشو"؛ تسبب في إصابة ٥ أشخاص على الأقل، معظمهم من المجندين الجدد.

وفي اليوم نفسه اغتال مسلحون مجهولون "إبراهيم عبد الرحمن عبدي" -أحد رجال الأعمال البارزين في مدينة "بوصاصو"، مركز إقليم "بري" بولاية "بونتلاند"؛ علمًا بأن أصول "عبدي" من ولاية جنوب غرب الصومال، وطالته يد الإرهاب بعد وقت قصير من خروجه من مسجدٍ أدى فيه صلاة الفجر.

وفي ١٢ من ديسمبر ٢٠٢٣، سقط نحو ٣٠ شخصًا ضحية لهجوم نفَّذه مسلَّحون يرتدون زيًّا عسكريًّا في بلدة "فو" غربي "بوركينا فاسو" على بعد حوالي ٩٥ كيلومترًا من "بوبو ديولاسو". وفي اليوم التالي الموافق ١٣ من ديسمبر ٢٠٢٣ قُتل ١٥ شخصًا بينهم ٩ جنود، وأُصيب نحو ٣٠ آخرين بجروح متفرقة، في هجوميْن نفذهما مسلحون في وقتٍ متزامنٍ على وحدتيْن عسكريتيْن في شمال "بوركينا فاسو".

وفي ١٤ من ديسمبر ٢٠٢٣، أعلن الجيش المالي نجاحه في صد هجومٍ شنته "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة يوم الثلاثاء الموافق ١٢ من ديسمبر ٢٠٢٣. وبحسب مجلة "جون أفريك" فإن الهجوم أوقع العشرات من القتلى بين جنودٍ وصيادين في تلك المدينة، وذلك في وقت تسعى فيه السلطات في "باماكو" إلى توجيه ضربات حاسمة للمتشددين الذين ينشطون في البلاد.

وفي ١٥ من ديسمبر ٢٠٢٣ – أي قبلَ أيام من الانتخابات الرئاسية بالبلاد، شهدت الكونغو الديمقراطية مقتل ما لا يقل عن ١٠ مدنيين في هجوم شنته مليشيات "القوات الديمقراطية المتحالفة"، التي يزعم تنظيم "داعش" الإرهابي أنها فرعه في وسط إفريقيا، على بلدتيْن بمقاطعة "كيفو الشمالية" بشرق البلاد.

وبعد بضعة أيام من تلك الهجمات، وتحديدًا في ١٩ من ديسمبر ٢٠٢٣، أعلن الجيش الأوغندي مقتل ١٠ أشخاص على الأقل على يد مسلحين لهم صلة بتنظيم داعش الإرهابي في هجوم بمنطقة "كاموينج" بغرب "أوغندا".

ارتفعت وتيرة الجرائم الإرهابية في القارة الإفريقية مع بداية العد التنازلي لانقضاء العام ٢٠٢٣، وكأن التنظيمات الإرهابية تأبى أن يمضي العام إلا بمزيدٍ من مشاهد الخراب والدمار والترويع للآمنين؛ إذ بثَّت جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة تسجيلًا مصورًا يُظهِر استهداف معسكر للجيش المالي في مدينة "دينانجورو"، ما أوقع عشرات القتلى بحسب ما ذكرت إذاعة "فرنسا الدولية".

وقالت الإذاعة إن الفيديو الذي نشرته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" يظهر عشرات الجثث من الجنود الذين سقطوا بسبب تفجير انتحاري، بالتزامن مع استيلاء عناصر التنظيم على عدد من الآليات العسكرية.

وفي مشهدٍ متكرر يشبه ما حدث بتاريخ ١٢ من ديسمبر ٢٠٢٣، قُتل نحو ٣٠ شخصًا برصاص عناصر مسلحةٍ يرتدون زيًّا عسكريًّا في بلدة "فو" غربى "بوركينا فاسو" وعلى بعد حوالي (95) كيلومترًا من "بوبو ديولاسو”.

كما شهدت ولاية "بلاتو" بوسط "نيجيريا" يومي ٢٣ و٢٤ من ديسمبر ٢٠٢٣ هجمات دامية راح ضحيتها ١١٣ شخصًا على يد قطَّاع طرقٍ ومليشياتٍ مسلَّحةٍ تهاجم الولاية والقرى التابعة لها بين الحين والآخر؛ إذ تُعد ولاية "بلاتو" إحدى الولايات النائية التي تعاني ويلات الصراع الطائفي وأعمال العنف التي غالبًا ما تُصَوَّر كأنها صراع عِرقي ديني بين الرعاة المسلمين والمزارعين المسيحيين بالأساس، لكن تغير الـمُناخ والتوسع الزراعي كان من العوامل الرئيسة أيضًا.

وفي ٢٥ من ديسمبر ٢٠٢٣، أعلن الجيش المالي صدَّ هجوم إرهابي شمال البلاد استهدف معسكر "موريدا"، بإقليم "نارا"، في شمال غرب البلاد. وأفاد البيان أن صدَّ الهجوم جاء بعد تدخل عناصر القوات الجوية، دعمًا للقوات البرية المجندة.

وأكدت رئاسة الأركان أن عملية التقييم متواصلة، داعية السكان إلى التحلي بالهدوء. كما طمأنتهم إلى أن القوات المسلحة المالية ملتزمة بمواصلة مهمتها في الدفاع عن سلامة الأراضي الوطنية، وحماية الأفراد والممتلكات.

جاء هذا الهجوم الفاشل في "مالي" عقب أيام قلائل من مقتل "حسن آغ فاغاغا"، أحد أبرز قادة المتمردين الانفصاليين قرب بلدة "تين زواتين" على الحدود الجزائرية شمال البلاد، التي تبعد أكثر من ١٤٠٠ كيلومتر عن العاصمة "باماكو"- بحسب ما ذكره الانفصاليون- جراء قصفٍ من طائرةٍ مسيَّرة، فيما يواصل الجيش المالي عملياتِه لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

وكان "فاغاغا" يشغل منصب رئيس السلطات المؤقتة في مدينة "كيدال" قبل أن يستعيدها الجيش المالي في نوفمبر ٢٠٢٣. وأكد الجيش المالي في بيان أنه شنَّ ضربات في هذه المنطقة "على مواقع إرهابية" على الحدود الجزائرية. يُذكر أن القيادي "فاغاغا" كان في الأساس ضابطًا سابقًا في الجيش المالي، إلا إنه انشق في مطلع الألفية للانضمام إلى تمرد "الطوارق"، وحارب ضمن صفوفهم إلى جانب "إياد أغ غالي" الذي أصبح لاحقًا زعيم مجموعة "النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة.

يُشار إلى أن "مالي" شهدت تجدد أعمال العنف في أغسطس ٢٠٢٣ بعد ٨ سنوات من الهدوء بين الأطراف التي تتقاتل من أجل السيطرة على الأراضي والمعسكرات التي غادرتها قوات حفظ السلام التابعة الأمم المتحدة بطلب من "باماكو".

وفي أوغندا تعرضت مسنة وطفلان بتاريخ ٢٦ من ديسمبر ٢٠٢٣ للقتل بطريقة بشعة عندما أضرم متمرِّدون -يُشتبه في أنهم ينتمون إلى "القوى المتحالفة الديموقراطية" المتحالفة مع تنظيم داعش- النيران بمنزلهم، في قريةٍ تقع غرب "أوغندا"، حسبما أفادت السلطات المحلية.

وترتيبًا على ما سبق، يُناشد المرصد كلًّا من المجتمع الدولي، والحكومات، والمؤسسات، والمنظمات المعنية بفرض الأمن والاستقرار في إفريقيا وغيرها أن يقفوا وقفةً إنسانيةً لوقف شلالات دماء الأبرياء التي تُراق في أنحاءَ مختلفةٍ من العالم على أيدي عصابات الإرهاب التي تسعى إلى تنفيذ أجندات خبيثة، وتحقيق مصالحَ ومكاسبَ لمن تجرَّدوا من كل معاني الإنسانية، غير عابئين بمصائر الأبرياء من نساءٍ وأطفالٍ وشيوخٍ ومدنيين عُزّل لا ذنب لهم؛ ذلك بأن الصمت الدولي المقترن بالتخاذل العالمي لهُو جريمةٌ لا تقلُّ في فُحشها وسوء عاقبتها عن القتل نفسِه.

وإذا كانت بعض الدول الإفريقية قد قررت أن تستقلَّ أمنيًّا، وتُنهيَ عقودًا من بقاء تحالفات على أراضيها بِاسم محاربة الإرهاب -وهي في حقيقتها تحالفات لتحقيق مصالح بعينها- فهذا قرارُ تلك الدول، ولا يكون جزاؤها التحريض والتقييد، بل الدعم والتعزيز، وعلى جيرانها وأبناء القارة جميعًا أن يتكاتفوا من أجل مستقبلٍ أفضلَ، وأمنٍ تَنعمُ به القارة لتخطو نحو التنمية والازدهار.

كما لا يفوت المرصد أن يؤكد أن الإرهاب كلَّه مِلةٌ واحدة، مهما تعددت المسميات، واختلفت الأشكال والدوافع والبواعث، وما الإرهابُ الصهيوني الذي يُمارَس ضد أهلنا في غزة ببعيدٍ عن إرهابِ داعش، وبوكو حرام، والشباب وغيرها. إنَّ الإرهاب يَصْدُق على أيِّ عمل يَنال من أمن البلاد والعباد، ويجعل النفس الإنسانية -التي حَرَّم الله ترويعَها وقتلَها بغير حق- في خطر الموت بأبشعِ الصور، أو على أحسنِ تقدير تواجه خطر التهجير القسري، والعيش في شتاتٍ، ورعبٍ دائم.

طباعة