العام ٢٠٢٣... انتهاكات ما أقساها على الأقصى!

  • | الثلاثاء, 30 يناير, 2024
العام ٢٠٢٣... انتهاكات ما أقساها على الأقصى!

 

خيَّم الحزن على احتفال كثير من شعوب العالم بالعام الجديد جرّاء استمرار نزيف الدم الفلسطيني دون تفرقة بين رجل وامرأة، صغير أو كبير، حجر أو شجر أو بشر... انتهى العام ٢٠٢٣ وما يزال المتطرفون من الصهاينة يتعمدون استباحة الأقصى المبارك، ليحل العام ثانيًا بين أقسى الأعوام على الأقصى من حيث عدد الانتهاكات الواقعة عليه منذ احتـلال شرقي القدس في ١٩٦٧؛ إذ لم يتورع المحتل (برعاية غربية-أمريكية) عن النهب والسلب وتدنيس المقدسات في الأراضي الفلسطينية التي استقبلتهم بعد أن لفظهم العالم.

 

وكان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف قد حذر مرارًا من خطورة الانتهاكات الصهيونية، لا سيما عقب تشكيل حكومة اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة "بنيامين نتنياهو"، ودعا جميع الأطراف المعنية إلى العمل الجادّ من أجل إنقاذ الأقصى المبارك من المخططات الصهيونية التي تستهدف بناء الهيكل "المزعوم" على أنقاض الأقصى المبارك. ومن ثم، نستعرض فيما يلي سردًا زمنيًّا لأبرز الانتهاكات والاعتداءات الصهيونية ضد المسجد الأقصى خلال العام ٢٠٢٣ بغية فضح طبيعة مؤامرات هذا الكيان المصطنع.

 

يناير

 

اقتحم ٤٥١٦ مستوطنًا باحات المسجد الأقصى في يناير من العام الماضي؛ الأمر الذي دفع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى التحذير من نية المنظمات الصهيونية التمادي في أداء الطقوس العلنية داخل باحات الأقصى، مثل طقس الانبطاح، أو "السجود الملحمي" تمهيدًا للتوسع في الهيمنة على الأقصى المبارك. وقد بلغ التحريض ذروته باقتحام "إيتمار بن جفير"، وزير الأمن الصهيوني، المسجد بتاريخ ٣ من يناير ٢٠٢٣ والدعوة إلى تغيير الوضع الراهن في الأقصى، والتهديد بتكرار الجريمة في قابل الأيام.

 

وظهر تأثير حكومة اليمين المتطرف في وضع الأقصى في تقرير نشرته القناة السابعة العبرية، يؤكد ازدياد أعداد المستوطنين المشاركين في تدنيس الأقصى منذ وصول حكومة نتنياهو إلى السلطة بنحو ٧٪ مقارنة بالعام ٢٠٢٢، وتأثير انتهاكات بن جفير في هذه الزيادة؛ لا سيما مع تنامي الشعور بالارتياح بين صفوف المستوطنين منذ توليه الحقيبة الوزارية في الحكومة الجديدة.

 

وفي الشهر نفسه، وقع حدث خطير يُنبئ بما ينتظر الأقصى وإدارته في ظل حكومة نتنياهو الأشد تطرفًا في تاريخ الكيان الصهيوني؛ وذلك حين منعت شرطة الاحتلال السفير الأردني، غسان المجالي، من دخول الأقصى بأن اعترض أحد أفراد شرطة الاحتلال طريقه ومنعه من الدخول بحجة عدم التنسيق؛ تلك الواقعة التي أكد المرصد أنها تُبرِز بجلاء نهجَ الاحتلال الصهيوني تجاه الأقصى باعتباره مقدسًا يهوديًّا يخضع لإدارته دون سواه، الأمر الذي رفضه الأزهر لما فيه من مساس بالوضع القائم في الأقصى المبارك.

 

فبراير

 

قاد عدد من الحاخامات ورؤساء المدارس المتطرفين نحو ٣٦٠٠ مستوطن لتدنيس الأقصى المبارك وانتهاك باحاته؛ وجاء في مقدمة هذه الانتهاكات الاستهداف المتزايد للدور الأردني في إدارة الأقصى المبارك، والعمل الدؤوب على تقليص دور الأوقاف الإسلامية بهدف فرض سيطرته على الأقصى المبارك. ومن صور ذلك:

 

الاستمرار في منع أعمال الترميم في الأقصى بالتوازي مع تزايد الحفريات والأنفاق في محيط الأقصى، ما أدى إلى تسرب مياه الأمطار إلى المصلى المرواني، وغرق سجاد المصلى.

تصدع البلاط قرب باب الغوانمة، وتساقط حجارة من الجهة الخارجية لمصلى قبة الصخرة.

تقرير لصحيفة "ماكور ريشون" الصهيونية يوضح رفضَ رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، طلبًا أردنيًّا بزيادة عدد موظفي الأوقاف الإسلامية في الأقصى، معللًا الرفض بأن الوضع القائم به لم يتغير، زاعمًا أن اقتحام وزيره بن جفير -في يناير الماضي- لا يعد تغييرًا للوضع الراهن في الأقصى. وهو ما تأكد كذبه لاحقًا؛ إذ كرر الوزير الصهيوني اقتحامه الأقصى، وأدلى بمزيد من التصريحات المتطرفة العدوانية تجاه الأقصى المبارك.

وكان المرصد قد كشف عن الخطوات الفعلية التي اتخذتها منظمات الهيكل لحشد أكبر عدد من المستوطنين، ومنها توفير مزايا عديدة، مثل: النقل المجاني، وتوفير مرشد داخل الأقصى مجانًا، إضافة إلى إمكانية دمج الاقتحام مع زيارة إلى مركز لغربلة تراب الأقصى. كما سبق وطلبت هذه المنظمات إلى وزير الأمن القومي الصهيوني السماح بتقديم "قربان الفصح" داخل الأقصى.

 

وفي السياق ذاته، قدمت شركة "تسيلمو" الاستيطانية طلبًا إلى شرطة الكيان المحتل من أجل تمكينها من تنفيذ مشاريع في المسجد؛ تساعد المستوطنين المتطرفين من ذوي الاحتياجات الخاصة في اقتحام الأقصى وتدنيس باحاته المشرفة.

 

لم يتوقف التحريض عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك ليطال عددًا من الشخصيات الاعتبارية التي تدافع عن الأقصى وتنافح عنه؛ فقد زعمت صحيفة "معاريف"، في تقرير عنوانه: "محرضو القدس"، أن خطيب الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، يحرض على العنف ضد قوات الاحتلال الإرهابية والمستوطنين المتطرفين، مستهجنة بقاءه خارج أسوار السجن. كما تبعها في هذا التحريض ضد الشيخ وعدد من الشخصيات الأخرى موقع "هقول هيهودي" (الصوت اليهودي) الذي اتهم ٣٠ شخصية -من بينهم الشيخ "عكرمة صبري"- بالتسبب في التصعيد الحاصل في القدس المحتلة.

 

مارس

 

أصدر المرصد في هذا الشهر تقريره ربع السنوي عن حال الأقصى تحت نيران الاحتلال الصهيوني، وبصفة خاصة تحت الحكومة اليمنية الجديدة، وأكد أن ساحات الأقصى المبارك شهدت في خلال الربع الأول من العام ٢٠٢٣ اقتحام نحو ١١٦٣٠ مستوطنًا متطرفًا. وبناء على التقرير الذي أعده مرصد الأزهر عن المسجد الأقصى، ثبت أن هذا الرقم يزيد زيادة كبيرة عن نظيره المسجل في المدة نفسها من العام ٢٠٢٢ بواقع ٧٨٠٠ مستوطن فقط، ما يُبرز للجميع ملامح العام على الأقصى الشريف، فحذر المرصد من أنه سيكون واحدًا من أسوأ الأعوام على الأقصى باعتبار عامليْن رئيسين، هما:

 

الأول: وجود الحكومة الصهيونية الحالية ذات التوجه اليميني المتطرف، ذلك بأنها تضم عددًا من الوزراء أصحاب التاريخ الأسود نحو قضية المقدسات الدينية، وأبرزهم وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن جفير.

 

الثاني: النشاط الملحوظ مما يُعرف باسم منظمات أو جماعات الهيكل "المزعوم"، التي باتت تمارس نشاطًا كبيرًا في حشد المستوطنين وتحريضهم على تدنيس الأقصى باعتباره مقدسًا صهيونيًّا، وفق الرواية الصهيونية الكاذبة التي يروجون لها منذ احتلالهم الأراضي الفلسطينية.

 

ومن أبرز محطات التدنيس في الأشهر الثلاثة الأولى -إضافة إلى ما سبق عرضه- مطالبة ١٥ حاخامًا حكومة الاحتلال بذبح القرابين في عيد الفصح العبري الذي حلَّ في الخامس من أبريل ٢٠٢٣، الموافق ١٤ من شهر رمضان المبارك ١٤٤٤هـ؛ معتبرين أن تقديم القرابين في الأقصى مصلحة وطنية صهيونية ينبغي تنفيذها. ونشرت منظمات الهيكل المتطرفة بيانًا تطالب فيه المستوطنين بإحضار القرابين الحيوانية، وعدم تفويت فرصة وجود أعضاء من الصهيونية الدينية في حكومة الاحتلال لفرض أحلامهم تجاه المسجد الأقصى المبارك.

 

ولأن الاحتلال الصهيوني يُدرك أن الصمود الفلسطيني، المُتمثل في رباط المقدسيين في الأقصى المبارك ودفاعهم عنه ضد أية محاولات صهيونية للنيل منه، هو الصخرة التي تتحطم عليها أوهام الاحتلال وأطماعه في الأقصى؛ فقد استمر في سياسة "جز العشب" التي يهدف من خلالها إلى ضرب الحالة الشعبية المقدسية، إذ نفذت قوات الاحتلال نحو ٧٣٦ حالة اعتقال في الربع الأول من العام ٢٠٢٣، من بينهم ما يزيد عن ١٠٠ طفل، ونحو ٢٦ سيدة. كما أصدرت سلطات الاحتلال نحو ٧٩ قرارًا بالإبعاد عن الأقصى، علاوة على عمليات هدم منازل المقدسيين في الوقت الذي تتزايد فيه الأعمال الاستيطانية داخل المدينة المقدسة.

 

 

أبريل

 

شهد هذا الشهر اقتحام نحو ٥٠٥٤ مستوطنًا الأقصى المبارك وسط تصعيد كبير من منظمات الهيكل وسلطات الاحتلال الصهيوني وأذرعه المختلفة؛ كان أبرزها اقتحام ٣٤٣٠ مستوطنًا في خلال احتفالات المستوطنين بعيد "الفصح" –أي بزيادة تُقدر بنحو ٣٢٪ مقارنة بالعام الماضي- إلى جانب اقتحام ٤٧٤ مستوطنًا في يوم الاحتفال بإعلان قيام الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

وبرز دور منظمات الهيكل في التحريض على اقتحام الأقصى تزامنًا مع ما يُطلقون عليه "عيد الفصح"؛ وتمَثَل ذلك في مخاطبة بن جفير بمنع المسلمين من دخول الأقصى في هذه الفترة، والإعلان عن تقديم مكافآت مالية كبيرة لمن يستطيع إدخال القرابين الصهيونية وذبحها داخل ساحات الأقصى؛ تراوحت بين ٥٠٠ شيكل (ما يعادل نحو ١٤٠ دولارًا أمريكيًّا) إلى ٢٠ ألف شيكل (نحو ٥٥٠٠ دولار أمريكي)؛ وهي خطوة تشبه ما حدث في العام الماضي ٢٠٢٢، إلا أن المكافآت تضاعفت، كما نُفذت محاكاة لتقديم تلك القرابين قرب أسوار الأقصى.

 

نبَّه تقرير المرصد إلى دور سلطات الاحتلال التي أعطت الضوء الأخضر لجنودها من أجل تمكين المستوطنين من اقتحام الأقصى في تلك المناسبة، وإفراغ الأقصى من المعتكفين والمرابطين؛ وكان من نتاج ذلك اقتحام المُصلى القبلي، في ليلة الأربعاء ٥ من أبريل ٢٠٢٣، الموافق ١٤ من رمضان ١٤٤٤هـ، وإطلاق قنابل الغاز والصوت داخل المسجد، والاعتداء على المعتكفين اعتداءً وحشيًّا، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بين صفوفهم، إضافة إلى منع الأطقم الطبية من الوصول إليهم، كما اعتقلت سلطات الاحتلال أكثر من ٤٠٠ معتكف من داخل المُصلى القبلي، ودُمِّرت عيادة الأقصى.

 

 

مصلى باب الرحمة

 

عادت قضية مصلى "باب الرحمة" إلى الظهور على السطح مرة أخرى؛ فقد حذَّر مرصد الأزهر في تقريره الشهري من إعادة استهداف قوات الاحتلال مصلى باب الرحمة وتصعيد العدوان عليه إثر اقتحامه ٣ مرات يومي ٢٢ و٢٤ من أبريل ٢٠٢٣، واقترن ذلك بتحطيم عدد من محتوياته ومصاردة بعضها. ويؤكد المرصد أن "باب الرحمة" جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وأن الاحتلال إنما يسعى بعدوانه إلى فرض تقسيم مكاني داخل الأقصى، وتحقيق مطامعه في تحويله إلى كُنَيِّس صهيوني؛ في خطوة تمهيدية للاستيلاء على الأقصى بأكمله. وفي هذا الإطار، قدَّم المرصد التحية إلى الشعب الفلسطيني على رباطه المقدس ودفاعه عن الأقصى المبارك في مواجهة إرهاب الاحتلال الصهيوني، مشددًا أن النضال الفلسطيني كان -وما يزال- قادرًا على كسر الغطرسة الصهيونية، وإجهاض أوهام الاحتلال ومخططاته الخبيثة، وهو ما ظهر في عدة أمور منها:

 

إجبار حكومة الاحتلال على اتخاذ قرار بوقف اقتحامات المستوطنين في العشر الأواخر من شهر رمضان ١٤٤٤هـ، رغم التوقعات والمطالبات بعدم إغلاقه كما جرت العادة منذ عام ٢٠١٣؛ وذلك للتصريحات المتطرفة الصادرة عن وزير الأمن الصهيوني، إيتمار بن جفير، الذي وصف قرار الإغلاق بأنه "خطأ كبير"، وتصريح وزيرة الإعلام الصهيوني، "جاليت ديستال أتبريان"، لصحيفة "هآرتس" بوجود معارضة شديدة للقرار في معظم مؤسسات الاحتلال، ومراكز قوته.

رسالة الفلسطينيين إلى العالم أجمع بصمودهم، مفادها أن الأقصى "وقف إسلاميٌّ خالصٌ"، ليس به موطئ قدم لصهيوني واحد؛ وذلك بعدما صلَّى في الأقصى أكثر من ٤ ملايين مصلٍّ على مدار أيام شهر رمضان ١٤٤٤هـ، في رقم وصفه مدير عام الأوقاف في القدس، بغير المسبوق، مقارنة بالسنوات الماضية.

إطلاق وَسْم: #لن_يُقسَّم في يونيو ٢٠٢٣؛ لتكثيف الحضور والرباط داخل الأقصى المبارك، والتصدي لعربدة المستوطنين، وتدنيسهم المسجد، ومخططات التقسيم. وكذلك إطلاق مبادرة: "قناديل الرحمة" من أجل تلاوة جزء من القرآن الكريم في مصلى باب الرحمة بهدف إعمار المُصلى، وحمايته من خطر الإغلاق ومن السيطرة الصهيونية عليه.

يونيو

 

كان شهر يونيو المُنصرم واحدًا من أخطر شهور عام ٢٠٢٣ على الأقصى نتيجة المخططات التي أعلنها الاحتلال ومنظماته المتطرفة، إذ تتمحور أهدافها المُعلنة حول تقسيم المسجد زمانيًّا ومكانيًّا؛ تمهيدًا لإحكام السيطرة الصهيونية عليه. ومن أبرز تلك المخططات وأخطرها ما عُرف في وسائل الإعلام باسم "مخطط هليفي" نسبة إلى مُقدمه -عضو الكنيست الصهيوني المتطرف "عميت هليفي"- الذي يقضي بتخصيص المُصلى القبلي ومحيطه جنوبي الأقصى للمُسلمين، ومسجد قبة الصخرة ومحيطه حتى الحد الشمالي من الأقصى لليهود، وهو المكان المزعوم للهيكل.

 

كما يشمل المُخطط شقًّا سياسيًّا يدعو إلى إنهاء الوصاية الأردنية -المتمثلة في دائرة الأوقاف الإسلامية- على الأقصى المبارك، ورفع كل القيود المتعلقة باقتحام المسجد، بما في ذلك السماح للمستوطنين باقتحامه في كل وقتٍ من كل أبوابه، وإقامة الصلوات اليهودية جهرًا.

 

وقد أوضح مرصد الأزهر أن هذا المخطط هو الأخطر بين مخططات التقسيم التي تعرّض لها الأقصى منذ عام ١٩٦٧؛ ذلك بأنه يأتي في ظل حكومة صهيونية سبق أن وصفها المرصد بأنها "واحدة من أكثر حكومات الكيان الصهيوني تطرفًا تجاه الأقصى"، إضافة إلى أن المسودة التفصيلية للمخطط تنص على إعادة تعريف الأقصى المبارك كونه مبنى المصلى القبلي فقط، وتصف تقديس المُسلمين لكل ما دار عليه سور الأقصى بأنه "مؤامرة لحرمان اليهود من مقدسهم"، لذا يدعو المخطط الآثم إلى تخصيص المنطقة الوسطى والشمالية –أي قبة الصخرة ومحيطه- من المسجد للمستوطنين.

 

يوليو

 

اقتحم في هذا الشهر نحو ٦٥٥٨ مستوطنًا باحات الأقصى المبارك، وتمثلت أسوأ محطات الاقتحام في الاحتفالات الصهيونية بذكرى يُطلقون عليها: "ذكرى خراب الهيكل" التي جاءت في ٢٧ من يوليو ٢٠٢٣؛ إذ شهد هذا اليوم وحده اقحام أكثر من ٢٠٠٠ مستوطن باحات الأقصى تحت حماية مشددة من سلطات الاحتلال، وبدعمٍ وتحريضٍ واسعيْن من منظمات الهيكل المتطرفة؛ إلى جانب أداء عدد من الطقوس الصهيونية الاستفزازية، مثل: طقس يُدعى "بركة الكهنة" الذي نفذته مجموعة من المستوطنين جماعةً يوم ١٦ من يوليو ٢٠٢٣ في الجهة الشرقية من الأقصى. وكذلك طقس "الانبطاح"، أو ما يُطلقون عليه "السجود الملحمي". كما أدى مستوطنون رقصات تلمودية، رافعين أصواتهم بالصراخ والغناء في طقوس لا تتناسب مع قدسية المكان.

 

أما أخطر المرصود في يوليو ٢٠٢٣ فكان تقرير نشرته القناة "١٢" الصهيونية جاء فيه أن ٥ أشهر فقط هي ما تفصل ملايين الصهاينة عن اقتحام الأقصى المبارك، وذلك من خلال السعي إلى إحراق بقرة حمراء على جبل الزيتون، ليتطهر بها ملايين الصهاينة، ويتمكنوا بعدها من اقتحام الأقصى دون مانع ديني، وفق التعاليم اليهودية. وكشف التقرير عن تعاون عدد من وزارات حكومة الاحتلال عبر رصد ميزانيات ضخمة لتمويل مشروع يهدف إلى إزالة المانع الديني الذي يحول دون مشاركة كثير من المستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى، وتنفيذ رؤية صهيونية متطرفة بإقامة هيكلهم (المزعوم) على أنقاض المسجد الأقصى المبارك؛ إذ أشارت القناة نفسها إلى أن حكومة الاحتلال قدمت تسهيلات استثنائية في عملية استيراد "خمس بقرات حمراء اللون" بعد اختيارها بعناية وفق نصوص الكتب الدينية اليهودية وشحنها على متن طائرة من ولاية تكساس الأمريكية.

 

يُشار إلى أن مؤسسة الحاخامية الرسمية في الكيان الصهيوني تتبنى الرأي القائل بتحريم دخول اليهود إلى جبل المعبد –يُقصد هنا المسجد الأقصى- دون تحقق شرط الطهارة من نجاسة يُطلقون عليها: "نجاسة الموتى"، وهي في التشريع اليهودي مصدر النجاسة الكبرى، تطال كل من لمس ميت، وتنتقل من شخص لآخر عن طريق اللمس، وطقوس التطهر منها لا تتحقق إلا من خلال رماد بقرة حمراء خاصة، وعلى يد كاهن معين، لهما ضوابط معينة، حددهما التشريع اليهودي. أما من يقتحمون باحات الأقصى حاليًا فينسبون إلى تيار الصهيونية الدينية التي لا تجد حرجًا في اقتحام باحات الأقصى دون أداء طقس التطهر، وتعد الاقتحامات بمثابة تمهيد ضروري، ومقدمة واجبة لبناء هيكلهم المزعوم.

 

وأوضحت القناة العبرية أن منظمتين تقفان وراء البحث المحموم عن البقرة الحمراء، أولاهما منظمة تدعى: "نبني إسرائيل" وقوامها من مسيحيين إنجيليين، وتيار يميني متطرف، بقيادة رجل يُدعى: "تساحي ميمو". والثانية هي "معهد الهيكل"، وهي منظمة يرأسها الحاخام "يسرائيل أرييل" الذي يُعدُّ الحاخام الروحي للوزير المتطرف "إيتمار بن جفير"، كما يُعدُّ الرجل الثاني في حركة "كاخ" اليمينية المتطرفة، برئاسة الحاخام "مئير كاهانا".

أغسطس

شهد هذا الشهر اقتحام ما لا يقل عن ٣٨٩٢ مستوطنًا باحات المسجد الأقصى، ونشرت منظمات الهيكل مقطعًا مصورًا لأحد المستوطنين في أثناء أداء طقس صهيوني يُعرف باسم: "بركة الكهنة"، وقيام المتطرف "أرنون سيجال" –أحد قادة تلك المنظمات المتطرفة- بنشر مقطع مصور يوثق فيه أداءه بعض نصوص التلمود قرب القاطنين بالمسجد الأقصى.

 

وأعلنت منظمات الهيكل على الأقصى المبارك في خلال شهر سبتمبر ٢٠٢٣ عن خططها التحضيرية لرفع وتيرة الاقتحامات في موسم الأعياد الصهيونية الذي يبدأ من يوم رأس السنة العبرية الموافق ١٦ من سبتمبر ٢٠٢٣، ويستمر إلى نهاية ما يُطلقون عليه: "عيد العرش-سوكوت" في ٧ من أكتوبر ٢٠٢٣.

 

وشملت الخطة التي أعلنتها منظمات الهيكل: الحشد لاقتحامات موسعة بغرض تسجيل أرقام قياسية في أعداد المُقتحمين، وتوفير حافلات لنقل المستوطنين، وأداء بعض الطقوس العلنية أداءً يستفز مشاعر المصلين والمُسلمين حول العالم، وإدخال بعض القرابين النباتية، إضافة إلى محاكاة إدخال القرابين الحيوانية، والنفخ بالبوق، وما إلى ذلك.

سبتمبر

سجل سبتمبر ٢٠٢٣ اقتحام أكثر من ٤٠٠٠ مستوطن باحات الأقصى، وأكد المرصد أن ارتفاع أعداد المُقتحمين وأداء الطقوس النوعية في خلال سبتمبر ٢٠٢٣ يعود إلى تزامنه مع عدد من الأعياد الصهيونية الرئيسة التي جاء أولها رأس السنة العبرية، ثم تبعه ما يُطلق عليه "عيد الغفران – يوم هكيبوريم"، وفي نهاية الشهر بدأ ما يُعرف بعيد "العُرش – سوكوت"، الذي استمر حتى ٧ من أكتوبر الذي شهد اقتحام أكثر من ٨٠٠٠ مستوطن ساحات الأقصى المبارك، وإدخال القرابين النباتية إلى الأقصى.

 

إقامة الصلوات داخل "الأقصى"

 

أعلنت مدرسة "الهيكل الدينية" عن إقامة صلاة داخل الأقصى هدفها الدعاء لتطهير الهيكل، ويقصدون بهذا الدعاء إزالة المسجد المبارك من الوجود؛ حتى يتسنى لهم إقامة الهيكل.

تعهدت منظمة "جبل المعبد في أيدينا – بيادينو" بتحقيق أرقام قياسية في أعداد المستوطنين هذا العام، فوفرت وسائل مواصلات من مناطق مختلفة لتيسير وصول المقتحمين، وأعلنت وجود عدد من الشخصيات والحاخامات الكبار على رأس مجموعات المقتحمين، أمثال "يتسحاق شيمون شيتز"، أول جندي صهيوني اقتحم الأقصى عند احتلاله عام ١٩٦٧، والناشط الإعلامي "أرنون سيجال"، وزعيم حزب الهوية المتطرف ونائب رئيس الكنيست الصهيوني "موشيه فيجلين"، والمستشرق الصهيوني "موردخاى كيدر".

أجرى موقع "هار هبيت حدشوت" استطلاعًا للرأي لمعرفة مطالب المستوطنين لتسهيل الاقتحامات، خصوصًا بعدما سجل العام العبري المنصرم -الذي انتهى في مطلع سبتمبر ٢٠٢٣ - اقتحام أكثر من ٤٢ ألف مستوطن؛ بوصفه ثاني الأعوام من حيث كثرة أعداد المقتحمين منذ احتلال شرقي القدس.

نُفِخ في البوق للسنة الثالثة على التوالي، أي بعد النفخ مرتيْن قرب باب الرحمة، ولمدة أطول من السنوات السابقة؛ وفي هذا الطقس رمزية –في فكر منظمات الهيكل- إلى الإعلان عن بدء الزمان اليهودي في الأقصى، وانتهاء الزمن الإسلامي به، وإشارة إلى المُضي في حلم الإحلال الصهيوني الذي يهدف إلى تحويل الأقصى بكامل مساحته إلى هيكل، إضافة إلى ارتداء عدد من المستوطنين لباس التوبة الأبيض، وارتفاع صوت المستوطنين بالغناء والرقص أمام بابي القطانين، والملك فيصل.

 

دور سلطات الاحتلال في الأعمال القمعية ضد الأقصى

فضح المرصد دور سلطات الاحتلال التي كثَّفت أعمالها القمعية ضد رواد الأقصى المبارك، ومارست سياستها المعهودة الساعية إلى تعبيد الطرق أمام اقتحامات المستوطنين، ومن ذلك إخراج المرابطين من الأقصى في أثناء الاحتفال برأس السنة العبرية، وفرض الإغلاق الشامل على المناطق الفلسطينية، وتسهيل اقتحام الأقصى من جانب ٤٢٦ مستوطنًا، ونحو ٦٧٠ مستوطنًا في عيد الغفران؛ بزيادة بلغت ٣٤٪ عن العام الماضي ٢٠٢٢، وبأكثر من ٧٢٪ من العام قبل الماضي ٢٠٢١.

 

واقترن ذلك بإصدار ٣٦ قرارًا بإبعاد مواطنين فلسطينيين، معظمهم من مدينة القدس المحتلة، واستدعاء الكثير منهم للتحقيق. كما حذَّر المرصد من الطقوس النوعية التي يؤديها المستوطنون في خلال احتفالاتهم.

 

 

الأقصى في ظل العدوان الإرهابي على قطاع غزة

 

الناظر فيما ورد من بيانات وإحصائيات يجد اطرادًا واضحًا في الانتهاكات التي تعرَّض لها الأقصى المبارك، كمًّا وكيْفًا، منذ بداية عام ٢٠٢٣، والسبب الرئيس في ذلك هو انطلاق الحكومة اليمنية المتطرفة تزامنًا مع بداية هذا العام، تلك الحكومة التي يرأسها المتطرف الأكبر، "بنيامين نتنياهو"، وتشمل "إيتمار بن جفير"، وزيرًا للأمن الصهيوني الداخلي، وهو المعروف بتطرفه الشديد تجاه كل ما هو فلسطيني بوجه عام، وتجاه الأقصى المبارك بوجه خاص.

 

كما يُلاحظ تحذير مرصد الأزهر مرارًا وتكرارًا من مغبة تلك الانتهاكات غير المسبوقة للأقصى المبارك، وما قد تُسفر عنه من انفجار للأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ إذ إنه من البديهي معرفة أن الأقصى المبارك هو المحرك الأول والرئيس للأوضاع داخل فلسطين المحتلة؛ وهو ما حدث بالفعل؛ إذ لم يُطق الفلسطينيون ما يتعرض له الأقصى، وحاولوا إفشال المخططات الصهيونية الهادفة إلى تقسيمه في تمهيد واضح لهدمه؛ وهو ما طالبت منظمات الهيكل بتنفيذه، استغلالًا لوجود حكومتهم المتطرفة التي رأوا فيها الفرصة المناسبة لتنفيذ مآربهم الخبيثة داخل الأقصى. وفي ظل العدوان الصهيوني على غزة الأبية، تابع المرصد ما تحيكه منظمات الهيكل، بدعم من حكومة الاحتلال للأقصى المبارك، من مؤامرات بحق الأقصى، نجمله في عدد من العناصر:

 

منذ اندلاع العدوان الصهيوني الإرهابي على سكان غـزة والضفة الغربية والقدس الشرقية في السابع من أكتوبر، اقتحم نحو ٥٠٠٠ صـهيـوني ساحات المسجد الأقصى المبارك، بينهم عدد كبير من جنود الاحتلال مرسوم على زيهم العسكري الهيكل المزعوم، في رسالة تؤكد رغبتهم الخبيثة في السيطرة على الأقصى وهدمه، وإعادة بناء الهيكل المزعوم فوق أنقاضه.

 

منذ بدء الإبادة الجماعية لأهل غزة، عمد الاحتلال إلى تحييد دور الأقصى المبارك، وإبعاده عما يدور في القطاع؛ من أجل تحقيق أمرين؛ الأول: منع المصلين من التفاعل مع الأحداث ومن إرسال رسائل الدعم لإخوانهم الفلسطينيين في غزة؛ أما الأمر الثاني فهو استغلال الأحداث الدائرة في تمكين المستوطنين من تدنيس باحات الأقصى، وخاصة مع قيام منظمات الهيكل المتطرفة بحشد المستوطنين وحثهم على اقتحام المسجد مستغلين في ذلك أيضًا منع الفلسطينيين من دخوله.

 

كتب عدد من جنود الاحتلال عبارة: (הר הבית בידינו- جبل الهيكل تحت سيطرتنا) على رمال سواحل غزة، وعلى منشورات ورقية، ورسموا رسمًا داخل إحدى المدارس الفلسطينية يصوِّر الأقصى قبل السيطرة عليه وبعدها، وبعد بناء الهيكل المزعوم على أنقاضه!

 

في سابقة تاريخية منذ احتلال شرقي القدس؛ أشعل الحاخام المتطرف، "أرييه ليبو"، شمعة بمناسبة ما يُطلق عليه عيد "الحانوكّاه- الأنوار"، داخل الأقصى المبارك.

 

وضعت بعض منظمات الهيكل المزعوم حجرَ الأساس لأحد المراكز الصهيونية عند مدخل البلدة القديمة بالقدس المحتلة، بغية الإعداد والتحضير لإقامة الهيكل الثالث، بمبادرة من الملياردير اليهودي ذي الأصول الفرنسية "لوران ليفي"، الذي حضر بنفسه هذا الحدث، طامحًا بذاته إلى بناء الهيكل الثالث، وهو من الداعمين بأمواله للهجرات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووصفت منظمة "بيادينو" الأمر بأنه حدث مثير في الطريق إلى تحرير الهيكل المزعوم، والمقصود من ذلك السيطرة الصـهيونية الكاملة على الأقصى، وتحويله إلى هيكل مزعوم.

 

وفي ختام التقرير، يجدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تأكيده أن الأقصى "وقفٌ خالصٌ للمسلمين"، رافضًا أي تغيير للوضع التاريخي والقانوني القائم داخله، كما يؤكد عزمه على الاستمرار في فضح جرائم الاحتلال ومخططاته؛ للمساعدة في إعادة تشكيل وعي الأجيال العربية والإسلامية تجاه الأقصى المبارك؛ كونه أحد أهم المقدسات الإسلامية في العالم أجمع، وحقًّا للمسلمين وحدهم، لا ينازعهم في شبر منه أو حبة تراب منه منازع، حتى يأذن الله بنصر من عنده، وتنال فلسطين حريتها، ويتطهر الأقصى من دنس الصهاينة، كما يُذكَّر المرصد بمطالبة فضيلة الإمام الأكبر، في اللقاء الدولي من أجل السلام، حين قال:

"إن حرمانَ الشعبِ الفلسطينيِّ من حقوقه وعيشه على أرضه، وصمت العالم المتحضر عن هذه المأساة الإنسانية ظلمٌ بالغٌ طالَ أمدُه... وأن المنطق الذي يقرر أنه لا يَسْلم الكل إلا إذا سَلِم الجزء، يقرر بنفس الدرجة أنه لا سلامَ في أوروبا بدون سلامِ الشرق الأوسط، وخاصةٍ سلام فلسطين".

 

 

طباعة