الحرب على غزة والمخاوف من انتعاش الإرهاب!

  • | الأحد, 3 مارس, 2024
الحرب على غزة والمخاوف من انتعاش الإرهاب!

     يتطلع تنظيم داعش الإرهابي (بعدما خسر مواقعه في سوريا والعراق) إلى اثبات وجوده على الساحة، بسلسلة من العمليات الإرهابية التي تنفذها خلايا نائمة في عدد ليس بالقليل من دول العالم. ومما لا شك فيه أن جرائم الكيان الصهيوني الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني، سوف تتيح للتنظيم فرصة العودة مجددًا واستعادة الزخم والاهتمام الدولي، وتجنيد عدد كبير من الشباب الغاصب حول العالم. وهو ما استدعى تأكيد الولايات المتحدة التزامها بهزيمة هذا التنظيم المسلح وسط تزايد الاضطرابات الإقليمية.

وفي أعقاب الاجتماع السنوي للتحالف الذي استضافته إيطاليا، أعرب السيد "إيان مكاري" نائب المبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش، عن قلقه البالغ من النشاط الداعشي؛ قائلًا: "نعتقد أن التنظيم يبحث عن فرص لاستغلال العنف القائم بين الكيان الصهيوني وحماس لتحقيق أغراضه الخاصة، ومع ذلك فنحن مُصممون على المضي قدمًا في عملياتنا لهزيمته". ومن ثم حذر بعض الخبراء والمسئولين من أن العملية التي يقوم بها لكيان الصهيوني الآثمة في غزة يمكن أن تساعد في نشر الفكر المتطرف بين السكان المحليين.

وأضاف (مكاري) في اجتماع التحالف:" أكد ممثلون من أربعين دولة ضرورة تطوير مهمة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي خارج العراق وسوريا، إلى جانب وضع خطة واضحة المعالم لزيادة جهودنا في عام ٢٠٢٤. وخَلُصَ الاجتماع إلى أنه على الرغم من كل التحديات الأخرى التي يتناولها جدول الأعمال العالمي، ما زالت الإرادة الدولية على هزيمة تنظيم داعش قائمة، كما شدد نائب المبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش، على ضرورة التركيز على منطقتي جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وآسيا الوسطى، لضمان عدم تمكن داعش من تهديد الأمن الدولي في المستقبل".

وفي تصريح له، أكد السيناتور "كريس ميرفي" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قائلًا: "تعلمنا الدرس في أفغانستان، فعندما نغض الطرف عن الخسائر التي تقع في صفوف المدنيين أو نتساهل فيها، فإن الأمر ينتهي إلى أن نصبح وسيلة تجنيد للتنظيمات الإرهابية التي نقاتلها".

وذكر تقرير صدر في سبتمبر ٢٠٢٣م من محللين في مؤسسة (Critical Threats) أن التنظيمات المتطرفة "تنشط نشاطًا متزايدًا في قارة إفريقيا"، ومن ثم أصبحت إفريقيا المركز العالمي لتوسعها. وأشار التقرير إلى أن فرع تنظيم داعش في الصومال يشكل حلقةَ ربط بين الفروع الأفغانية والإفريقية واليمنية من جهة، والقيادة العليا لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا من جهة أخرى.

كذلك نشرت جريدة "واشنطن بوست" تقريرًا حول توسع أحد أفرع تنظيم داعش الإرهابي في إفريقيا، وذلك بعد أن ظل لسنوات لا يحتل مكانة تُذكر؛ إذ نجح ذلك الفرع في اكتساب القوة وتجنيد المزيد من العناصر، والسيطرة على مساحات أوسع من الأراضي عن أي وقت مضى منذ عام ٢٠١٥. ويرى عدد من الباحثين أن هذا الأمر يعني تحول بؤرة اهتمام التنظيم من معاقله القوية في العراق وسوريا إلى إفريقيا؛ لذا أشار خبراء إلى أن تنظيم داعش غرب إفريقيا شهد نموًا في منطقتي مالي والنيجر، وبمعدلات أقل في بوركينا فاسو؛ بسبب الفراغ الأمني الذي تركه انسحاب القوات الفرنسية إضافة لانتهاء أعمال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة، ومن بين العوامل التي ساعدت على ازدهار تنظيم داعش الساحل هو القرار الذي اتخذته الجماعة الموالية لتنظيم القاعدة (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) بالانسحاب من عدة مناطق على الشريط الحدودي بين مالي والنيجر بعد الخسائر المتكررة التي لحقت بها على يد داعش الساحل.

يأتي هذا في الوقت الذي أعرب فيه "جويلامو سوتو" المتخصص في شئون غرب ووسط إفريقيا والقضايا الإقليمية الرئيسة عن قلقه البالغ من هذه الأوضاع، قائلاً: "إنه ولأول مرة يرى تجمعات سكانية بكاملها تسعى للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي"، وأضاف سوتو: "مع نمو التنظيم تنمو أيضًا هياكله الداخلية بما في ذلك عدد المدارس الخاصة التي يتدرب فيها الجيل القادم من الجنود التابعين لهذا التنظيم الإرهابي".

ومنذ مقتل أمير التنظيم "أبو بكر البغدادي" في ٢٠١٩، حوَّل هذا التنظيم أنظاره بقوة صوب الدول الإفريقية، ومن بينها فروعه في الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبحيرة تشاد وغيرها من مناطق الساحل. وتشير التقارير إلى أن ولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش - التي لم تضم سوى بضع عشرات من المقاتلين عندما بايع "أبو الوليد الصحراوي" مؤسس الجماعة، (البغدادي) عام ٢٠١٥م- بدأت في السنوات القليلة الماضية تحظى بمزيد من الاهتمام من تنظيم داعش. وتشير التقديرات إلى أن مجموع القوام الفعلي حاليًا يبلغ عدة آلاف من المقاتلين.

جدير بالذكر أنه في العام الماضي ٢٠٢٣م توسَّع تنظيم داعش أيما توسُّع في المناطق المحيطة بجاو وميناكا في مالي، إذ كانت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وغيرها من التنظيمات المسلحة هي المهيمنة، حسبما قال هيني نسيبيا، الباحث البارز في مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح؛ قائلًا: "إن المعارك بين تنظيم داعش في الساحل وجماعة نصرة الإسلام والنصرة تراجعت منذ يوليو الماضي ٢٠٢٣م، بعد صراعات متتالية انتصر فيها تنظيم داعش في الساحل". وقال: "لقد أدركوا أنهم يواجهون تحديات مشتركة وأن الاقتتال فيما بينهم يضر بهم".

يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن التفجيرات الإرهابية التي استهدفت أحد التجمعات المسيحية جنوب الفلبين، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة العشرات. وقع الانفجار في صالة الألعاب الرياضية بجامعة ولاية مينداناو في ماراوي، وهي إحدى الولايات التي استولى عليها تنظيم داعش عام ٢٠١٧ وتمكن الجيش الفلبيني من استعادتها بعد معركة استمرت خمسة أشهر وأودت بحياة أكثر من ألف شخص. وأشار المتحدث باسم الجيش الفلبيني إلى أن ذلك التفجير ربما أتى انتقامًا من القوات الأمنية التي شنت هجومًا جديدًا على داعش وأسفر عن مقتل (١١) مقاتلًا، كما أكد بعض المهتمين بمكافحة الإرهاب بأن ذلك الهجوم يعني أن تهديد داعش في الفلبين لا يتجه نحو الانحسار. وقد سبق أن حذر مرصد الأزهر من احتمالية وقوع هجمات إرهابية في الفلبين مطلع هذا الشهر تزامنًا مع احتفالات أعياد الميلاد.

ومن جانبها رفعت وكالة مكافحة الإرهاب الهولندية حالة التأهب للتهديدات في البلاد إلى ثاني أعلى مستوى لها إثر زيادة احتمالات التعرض لهجوم إرهابي على البلاد. ويعد هذا الإعلان المرة الأولى التي يرتفع فيها مستوى التهديد إلى هذا الحد منذ نهاية عام ٢٠١٩. ويأتي هذا القرار بعد أسبوع من تحذير مفوضية الشئون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيلفا جوهانسون، من أن القارة تواجه "خطرًا كبيرًا من وقوع هجمات إرهابية" خلال عطلة عيد الميلاد، وذلك بسبب تداعيات الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.

ومن جانبه قال المنسق الوطني الهولندي لمكافحة الإرهاب والأمن في تقييمه للتهديدات: "إن الصراع العنيف القائم بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وتدنيس القرآن في مختلف الدول الأوروبية، والدعوات لشن هجمات من التنظيمات الإرهابية، زادت من التهديد الذي تشكله التنظيمات الإرهابية". وأشار التقرير إلى أن الهجمات الأخيرة في الدول الأوروبية المجاورة واعتقال المشتبه فيهم بالإرهاب في هولندا وغيرها من الدول المجاورة من بين الأسباب الرئيسة لرفع مستوى التهديد.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، تعرض سائح ألماني من أصل فلبيني يبلغ من العمر (٢٣) عامًا للطعن حتى الموت بالقرب من برج إيفل في باريس. ويخضع الرجل المتهم بالهجوم للتحقيق بتهم القتل والشروع في القتل بجانب صلته بتنظيم إرهابي. وفي أكتوبر الماضي ٢٠٢٣م، أطلقت السلطات في بروكسل النار على مواطن تونسي وقتلته بعد ساعات من قولها إنه أطلق النار على (٣) مشجعين سويديين لكرة القدم، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وأعلن فيه مسئوليته عن الهجوم وقال: إن القرآن "خط أحمر". وأنه لا يتردد في التضحية بنفسه من أجله، كما رفعت السويد حالة التأهب إلى ثاني أعلى مستوى في أغسطس بعد سلسلة من القيام بتدنيس المصحف، أو تمزيقه في الأماكن العامة، ما أشعل مظاهرات غاضبة في أنحاء الدول الإسلامية وأثار تهديدات من التنظيمات المتطرفة.

لذا يرى مرصد الأزهر الشريف أنه من الضروري أن تتكاتف جميع الدول العربية وكذلك المؤسسات الدولية والأبواق الإعلامية الحرة لكشف أكاذيب الآلة الإعلامية الصهيونية وازدوجية المعايير الغربية، والعمل على تسوية النزاعات الإقليمية والصراعات القائمة في المنطقة التي ربما تستغلها التنظيمات المتطرفة في  تجنيد عدد كبير من الشباب المسلم إذ إن هذه الحرب الغاشمة قد تكون فرصة للحركات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية للعودة على الساحة مرة أخرى بعد سنوات من التقهقر والتراجع،  كما يحذر المرصد من أن تهميش عدد من المجتمعات وعدم الاستماع لهم قد يخلق موجة جديدة  من الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

طباعة