"الذئاب المنفردة" عمل فردي أم تبعية أيديولوجية وتنظيمية؟!

  • | الإثنين, 4 مارس, 2024
"الذئاب المنفردة" عمل فردي أم تبعية أيديولوجية وتنظيمية؟!

     شهدت القارة الأوروبية خلال السنوات الأخيرة، حالة من الاستنفار والتأهب الأمني للتعامل مع تهديدات التنظيمات الإرهابية، لا سيما بعد استهداف عدد من المدن والعواصم بهجمات كشفت عن امتلاك تلك الجماعات أسلحة عسكرية متقدمة نسبيًّا. ومع نجاح الضربات الأمنية في تحييد هذه التنظيمات، لجأت الى اتباع إستراتيجية (الذئاب المنفردة) والتي تمثل حاليًا أحد أكبر التحديات للدول الغربية. وهناك العديد من العمليات الإرهابية التي وقعت -وما زالت تقع- في عدة مدن أوروبية مثل بروكسل ونيس وبرشلونة تقوم بها عناصر منفردة إما بالطعن، أو الدهس، أو غير ذلك من الأدوات غير التقليدية كالمتفجرات.

وكان من المعلوم أن "الذئاب المنفردة" هم الأفراد الذين يرتكبون أعمالًا إرهابية دون دعم هيكلي من تنظيم بعينه أو تسليحهم أو تمويلهم من خلاله. وغالبًا ما يتصرفون بشكل فردي، دون تنسيق مع التنظيمات الإرهابية. وقد برزت هذه الذئاب المنفردة كأسلوب عمل جديد في أوروبا؛ بسبب التدابير الأمنية المشددة عالميًّا، والتي طُبقت بعد هجمات نيويورك ومدريد ولندن. فبدلًا من تجنيد مقاتلين لتلقي تدريب عسكري احترافي، تقوم التنظيمات المتطرفة بنشر أيديولوجيتها على مستوى العالم، والتدريب على تصنيع المتفجرات واستخدام الأسلحة وشرائها عبر الإنترنت، ولكن الأحداث الأخيرة قد تدفعنا إلى تغيير النظرة العامة لهذه الفئة.

فقد وقع في منتصف أكتوبر 2023م هجوم إرهابي في بروكسل، حيث نفذ شاب تونسي هجومًا إرهابيًّا بعد أن قتل مواطنين سويديين بالرصاص وأصاب ثالثًا "انتقامًا للمسلمين" على حد تعبيره. وكان هذا النموذج لشخص لم تكن زوجته ولا أصدقائه المقربين على علم بأنه سيرتكب هذا العمل الإرهابي. وأفادت زوجته لوسائل الإعلام البلجيكية أنها لم تلاحظ أي شيء أو أية علامات للتطرف على زوجها، وأنهما كانا زوجين عاديين كأي زوجين آخرين". وبعد ساعات من الهجوم، ادعى تنظيم داعش أن منفذ هذا الهجوم كان "مقاتلًا" في التنظيم الإرهابي. ومع ذلك، أشارت السلطات المحلية إلى أنه تصرف بمفرده. وقال القاضي الفيدرالي "فريدريك فان ليو": "إن فرضية كون منفذ الهجوم ذئبًا منفردًا تبدو الأكثر ترجيحًا".

وفي غضون أيام من التحقيق، اتهم المدعي العام الفرنسي شخصين آخرين بالهجوم. وفي حين لا تزال العديد من الأسئلة بلا إجابات، رفعت البلاد حالة التأهب. وهي ليست الوحيدة في أوروبا التي تتوخى اليقظة بشكل خاص: فقد دقت الهجمات الإرهابية في كل من فرنسا وألمانيا أجراس الإنذار. ومن المتوقع استمرار عمل "الذئاب المنفردة" في ارتكاب غالبية الهجمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، وذلك حسبما قال المتحدث باسم اليوروبول "يان أوب أورث". وما يفترضه مكتب "اليوروبول" هو أن هذه "الذئاب" قد لا تكون منفردة، حيث إن عملية التجنيد والتطرف منظمة؛ فمن الذي يجندها؟

كل ذئب هو جزء من مجموعة
في أكتوبر 2023م، وفي غضون ستة أيام، وقع هجومان إرهابيان منفردان في فرنسا وبلجيكا، حيث وقع حادث طعن في مدرسة شمال شرقيِّ فرنسا قبل إطلاق النار في بروكسل مباشرة. وقد أكد اليوروبول منذ ذلك الحين أنه يراقب الأحداث بشكل يومي ويتخذ إجراءات احترازية بعد تصاعد الصراع بين الكيان الصهيوني وحماس. ووفقًا لصحيفة " إل موندو" الإسبانية، فإن إسبانيا وحدها بها أكثر من (300) ذئب منفرد تحت المراقبة، حيث إنها تعد نقطة عبور للعديد من المتطرفين من شمال أفريقيا إلى أوروبا. وتقول "كارولا جارثيا" الباحثة في مجال الإرهاب العالمي في معهد "إلكانو" الملكي في مدريد في حديثها مع "يورونيوز": "إذا حللنا الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، نرى أنه بعد موجة الهجمات التي عانى منها في سياق الحرب السورية، بدأت كثافته في الانخفاض منذ عام 2018م". وكان الهجوم على مسرح باتاكلان للحفلات الموسيقية في باريس آخر هجوم "متطور" منسق من تنظيم داعش الإرهابي. ولم تشهد أوروبا بعد ذلك سوى هجمات من "الذئاب المنفردة". وذكرت أن ما نراه في كثير من الأحيان من تنفيذ لهجمات تتم بشكل منفرد؛ غير أن التحقيقات تكشف لاحقًا أن منفذ الهجمات غالبًا ما يكون على اتصال بأشخاص آخرين مرتبطين بالتنظيمات الإرهابية؛ ومن ثم فهم ليسوا منفردين بالكلية كما يبدو.

إن الصورة المعهودة عن "الذئاب المنفردة" هي عدم التواصل بينهم وبين العناصر الإرهابية، لكن هذا التصور ليس صحيحًا، حيث أثبتت التحقيقات أن بعضهم كان على ‏اتصال مع المتطرفين الموجودين في مناطق النزاع وخاصة في سوريا، وأن هذه العناصر الإرهابية هي التي تحرك ‏الذئاب المنفردة أيديولوجيًّا، بل إنها تضع لهم أهدافًا لمهاجمتها. فعلى سبيل المثال، يبدو أن تنظيم داعش الإرهابي لديه قسم مسئول عن ‏تحريك "الذئاب المنفردة" وتزويدهم بالمعلومات وتوجيههم بالإرشادات السلوكية اللازمة التي تجعل عملية ‏الاشتباه بهم واعتقالهم معقدة للغاية، إذ ينجحون في المرور دون أن يلاحظهم أحد. فمنهم من لا يتعامل كثيرًا مع ‏جيرانه، بل إن بعضهم يمتنع عن الذهاب إلى المسجد حتى لا يُلَاحَظ تطرفه؛ وهم في العموم مراوغون في إقامة علاقة ‏جوار طبيعية مع القريبين منهم. ‏

كيف يتم تجنيد الذئاب المنفردة؟
إن الأرقام الواردة في تقرير اليوروبول الأخير عن حالة الإرهاب وتوجهاته في الاتحاد الأوروبي واضحة، ففي عام 2022، كان هناك 266 متطرفًا متورطًا في أعمال إرهابية تنفذها التنظيمات الإرهابية أمثال داعش والقاعدة من بين 330 حالة اعتقال لأسباب إرهابية في أوروبا بشكل عام، ويمكن أن نعزو هذا إلى كم الدعاية المنتشرة عبر الإنترنت وقدرتها على الاستقطاب بما يثير القلق. وقال "جان أوب جن أورث" من اليوروبول: "يمكن للشبكات الإرهابية استهداف هؤلاء الأفراد الضعفاء والتلاعب بهم لارتكاب أعمال إرهابية كفاعلين منفردين، بمفردهم ظاهريًّا، ولكنهم في الواقع يخدمون أهداف شبكات أكبر". وأكد أن العزلة الاجتماعية والافتقار إلى نظام دعم قوي تعد من نقاط الضعف الرئيسة، وأن الإرهابيين يستغلون نقاط الضعف لنشر افكارهم والتأثير على عناصر جديدة ومن ثمّ تجنيدها. وهذا أمر مثير للقلق وخصوصًا بالنظر إلى العدد المتزايد من الشباب، بمن فيهم القُصَّر، الذين يتعرضون للدعاية الإرهابية عبر الإنترنت.

وقد لجأت التنظيمات الإرهابية العالمية مثل تنظيم القاعدة وداعش إلى الإنترنت، لأن أجهزتها التشغيلية الخارجية تضررت بشكل خطير. وقالت الباحثة " كارولا جارثيا" إنه "لهذا السبب، فإن الإستراتيجية المفضلة لهذه التنظيمات في أوروبا في الوقت الحالي هي إستراتيجية الأفراد الذين يتشاركون أيديولوجية وأهداف التنظيم، ويحتشدون بشكل عفوي". ومن بين أكثر الملفات الشخصية التي تثير قلق قوات الأمن أولئك الذين كانوا في مناطق النزاع، والمعروفون باسم "المقاتلون الأجانب" أو "العائدون"، وأولئك الذين اختارتهم التنظيمات المتطرفة لاتخاذ الخطوة التالية وتنفيذ هجمات فردية.

وقال "أوليفييه كوبرجس" المحقق السابق في الشرطة الفيدرالية البلجيكية ومؤسس المرصد الأوروبي ‏للكراهية عبر الإنترنت: "في الماضي، كان عليك أن تذهب إلى اجتماع لأشخاص مختلفين يتحدثون عن آخر خطاب لأحد رؤس التنظيمات المتطرفة، أما اليوم، فيمكنك بخمس نقرات فقط أن تجد كتبًا دعائية وكتيبات إرشادية حول كيفية تنفيذ هجوم بالسكاكين"، وتابع قائلًا: "لقد سرَّع الإنترنت كل شيء أنه بات من السهل الحصول على هذه المعلومات".

ليس هناك دولة في الاتحاد الأوروبي بمنأى عن التهديد
لقد شعرت أوروبا بالفعل بالصدمة المزلزلة للحرب بين الكيان الصهيوني وحماس، فالدعوة إلى الجهاد العالمي التي أطلقها خالد مشعل، الزعيم السياسي لحركة حماس وأحد مؤسسي الحركة، جعلت المدن الأوروبية تخشى الأسوأ. وحذر خبراء أمنيون من أن الصراع الفلسطيني الصهيوني عنصر أساسي متكرر في الدعاية المتطرفة، ويتم استخدامه لزيادة حشد المتعاطفين مع التنظيمات المتطرفة عالميًّا. ولا يمكن القول: إنه ليست هناك دولة في الاتحاد الأوروبي بمنأى عن هذا التهديد على الرغم من وجود بعض الدول الأكثر تضررًا، مثل فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة أو إسبانيا. وفي الوقت الذي تركز فيه الشرطة على هؤلاء الأفراد، يحذر اليوروبول من أن عملية التطرف تتسم باللامركزية والتقلب بشكل متزايد. ويقول "جان أوبن أورث" المتحدث باسم اليوروبول: "تتواصل الجهات الفاعلة المنتشرة وتلهم بعضها البعض، مستغلة مظالم تتجاوز الأيديولوجية أو الانتماء إلى جماعة".

وتعد وسائل الإعلام المختلفة مضخمات للدعاية الإرهابية، إذ تقدم الكثير من التفاصيل عن منفذ الهجمات وحياته. ولهذا السبب علينا أن نكون حذرين للغاية بشأن ما نشاركه عبر الإنترنت، حتى لا يتحول الإرهابيون إلى أبطال أو شهداء أو قديسين. ومع هذه المعطيات نجد أنه بات من الممكن تغيير النظرة للذئاب المنفردة، والذين تبين لنا أنها ليست بمعزل عن التنظيمات المتطرفة، وأن ثمة تواصل مباشر أو غير مباشر فيما بينها. وفي كل الأحوال تتمثل ‏ الوسيلة الرئيسية لهذه العناصر في الإنترنت. كما أن التنظيمات المتطرفة قد انتهجت في الفترة الأخيرة توجيه التهديدات عبر الفضاء الإلكتروني، معتمدة على عناصر الذئاب ‏المنفردة في إشارة واضحة إلى إفلاسها وفقدانها الكثير من عناصرها، الأمر الذي يتطلب يقظة أجهزة الأمن عالميًّا لإفشال خطط التنظيمات الإرهابية، وحماية الشباب والنشء من الانسياق وراء أفكارها المتطرفة.

وحدة رصد اللغة الإسبانية
 

طباعة