الأزهر وتمكين المرأة

  • | الأربعاء, 13 مارس, 2024
الأزهر وتمكين المرأة

     يأتي شهر مارس من كل عام مُحملًا بالاحتفالات الخاصة بالمرأة، حيث خصصت الأمم المتحدة الثامن من مارس من كل عام للاحتفال بيوم المرأة العالمي؛ لاستعراض إنجازاتها على الأصعدة المختلفة. بينما تحتفل مصر في السادس عشر من مارس بيوم المرأة المصرية؛ تقديرًا وتخليدًا لمشاركة المرأة المصرية في ثورة 1919م. أما الأم المصرية، فقد خصص لها يوم الحادي والعشرين من مارس للاحتفاء والاحتفال بها؛ وتتواكب الاحتفالات بالمرأة مع الاحتفالات ببداية فصل الربيع لما تمثله من ربيع وبهجة في حياة أبنائها وأسرتها. احتفاء محلي وعالمي بالمرأة "الأم" و"الزوجة" و"الابنة" و"الأخت" و"الصديقة" و"المرأة العاملة"؛ لذا استحق هذا الشهر أن يكون "شهر المرأة" بامتياز.

ولقد تزايد الحديث خلال السنوات الأخيرة عن تمكين المرأة وإتاحة الفرصة لها لإثبات نفسها على الأصعدة كافة. وحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، فإن مفهوم تمكين المرأة: "يتعلق بقدرة النساء والفتيات على اكتساب القوة والسيطرة على حياتهن. ويتضمن ذلك زيادة الوعي، وبناء الثقة بالنفس، وتوسيع الخيارات وزيادة الوصول إلى الموارد والإجراءات والتحكم بها، من أجل تغيير الهياكل والمؤسسات التي تعزز وتديم التمييز وعدم المساواة بين الجنسين. ينبغي أن تشمل الإحصاءات الخاصة بتمكين النساء والفتيات الأبعاد التالية:

(أ) قدرات متساوية للنساء والرجال (مثل التعليم والصحة).

(ب) الوصول المتساوي إلى الموارد والفرص للنساء والرجال (مثل الأرض والعمالة والائتمان).

(ج) وكالة المرأة في استخدام هذه الحقوق والقدرات والموارد والفرص لاتخاذ خيارات إستراتيجية وقرارات في جميع مجالات الحياة (مثل المشاركة السياسية وصنع القرار في المجتمعات واتخاذ القرارات داخل المنزل)".

من جانبه لم يغفل الأزهر الشريف هذا الاتجاه العالمي، حيث كان وما زال وسيظل حريصًا على دعم المرأة في مناحي الحياة كافة، مؤكدًا على أهمية الدور الذي تقوم به في إثراء الحياة العامة والخاصة، وما يمكن أن تقدمه لمجتمعها من إسهامات تساعد في تطوره وتقدمه، وداعيًا لحفظ حقوقها، ومنتصرًا لقضاياها، ومؤمنًا بأهمية تمكينها سياسيًّا واقتصاديًّا وقانونيًّا.

وحول هذا التمكين، نشر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر عام 2021م تغريدةً عبر حسابه الشخصي على تويتر (إكس حاليًا)، احتفالًا باليوم العالمي للمرأة، قائلًا: "أقول لهن شكرًا على ما قدمتموه، وأدعو الجميع لبذل المزيد من أجل تمكين المرأة، وتجريم تعريضها لأي عنفٍ أو ظلمٍ أو تهميشٍ، وضمان حصولها على حقوقها كاملة دون أي تمييز".

وهناك عدد من الخطوات التي قام بها الأزهر الشريف؛ لتمكين المرأة بشكل فعلي، ودعم الدولة في رؤيتها الخاصة بمستقبل المرأة بإطلاقها: "الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030"، منها على سبيل المثال لا الحصر:

· تعيين دكتورة "نهلة الصعيدي"، مستشارًا لفضيلة الإمام الأكبر لشؤون الطلاب الوافدين، أول امرأة تتولى هذا المنصب.

· تعيين دكتورة "إلهام شاهين"، أمينًا عامًّا مساعدًا لشئون الواعظات بمجمع البحوث الإسلامية، أول امرأة تتولى هذا المنصب.

· تعيين دكتورة "فاطمة الأحمر"، رئيسًا للإدارة المركزية لمنطقة الجيزة الأزهرية، أول امرأة تتولى هذا المنصب.

· تعيين دكتورة "رهام عبد الله سلامة"، مديرًا تنفيذيًّا لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ إنشاء المرصد عام 2015م.

· تكليف 1300 امرأة بتولي منصب "شيخ معهد"، بمختلف المناطق الأزهرية، وهو العدد الأكبر في تاريخ المؤسسة الأزهرية.

· تأسيس قسم خاص لفتاوى المرأة بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، مكون من مجموعة من المفتيات المتخصصات للرد على تساؤلات النساء.

· إطلاق مسابقة ملتقى الأزهر الدولي للكاريكاتير والبورتريه لعام 2023م، تحت شعار "تمكين المرأة"؛ تأكيدًا من الأزهر الشريف على تقديره للمرأة ودعمه لتمكينها وتعزيز دورها في المجتمع، وتعزيزًا للثقافة الحقوقية لها من خلال التركيز في رسوماتها على القضايا التي تعيق إنمائها.

إن ما تقوم به المؤسسة الأزهرية من خطوات ملموسة لدعم المرأة في قضايا التمكين وغيره ليست بالجديدة أو المستحدثة، حيث يدعم الأزهر المرأة ويؤكد دومًا على حقها في عيش حياة كريمة، وعلى قدرتها على النهوض بالمجتمعات الإنسانية، والتأكيد على أن وضع المرأة في الإسلام يتأسس على المساواة مع الرجل، سواء في مكانتها الإنسانية أو من حيث عضويتها في الأمة والمجتمع، وأن العلاقة بينهما مبنية على المسؤولية المشتركة، ومعيار التفاضل والأفضلية فيها: "الحق" و"العدل"، وذلك حسب ما ورد في وثيقة الأزهر الداعمة للمرأة، والتي أقرت ما يلي:

· يؤكد مفهوم القوامة على المسؤولية الحكيمة، ويعنى الالتزام المالي نحو الأسرة، وأن يأخذ الزوج على عاتقه توفير حاجات الزوجة المادية والمعنوية بصورة تكفل لها الإشباع المناسب لاحتياجاتها، وتشعرها بالطمأنينة والسكن، بما يحقق المسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة، وليست سلطة التصرف المطلقة والهيمنة من قبل الزوج أو الأب تجاه الزوجة والأولاد.

· للمرأة حقوق سياسية واقتصادية مساوية للرجل، باعتبار أن تطور المجالات والوظائف والأنظمة والأدوار السياسية والاقتصادية في المجتمعات المعاصرة يقع أغلبه في دائرة المصالح المرسلة، التي لم يشهد لها الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، وما قد يختلف عليه منها فسبيله الاجتهاد من علماء الأمة تفسيرًا وتأويلًا واستنباطًا، وهذه عملية تاريخية وثقافية مستمرة، للمرأة الحق في المشاركة فيها متى توفرت لها الكفاية والمقدرة.

· تتمتع المرأة بالأهلية الكاملة، ولها ذمتها المالية المستقلة، ومسؤوليتها القانونية، وحق التصرف الكامل المستقل فيما تملك.

· للمرأة حق شرعي غير منازع في الميراث، وعلى الدولة ضمان حصول المرأة على حقها، وعلى أهل العلم وحكماء الأمة وقيادات الرأي العام بذل الجهد لوضع حد للأعراف والتقاليد الظالمة، التي تعطل إعمال النصوص الشرعية لميراث المرأة، ووضع الضمانات القانونية لحمايته.

· التعليم حق من حقوق المرأة ويجب أن تسعى الدولة والمجتمع لتوفير ودعم فرص المرأة في التعليم دون تمييز، ومنع الأسرة من التمييز بين الولد والبنت في تلقى التعليم اللازم للارتقاء بهما ماديًّا ومعنويًّا.

· للمرأة الحق في تولي الوظائف العامة متى اكتسبت المؤهلات، التي تقتضيها تلك الوظائف، وعلى الدولة أن تحافظ على تكافؤ الفرص إزاء المرأة والرجل.

· للمرأة الحق في العمل التطوعي الخدمي والعمل العام حسبما تهيِّؤه لها ظروفها الخاصة وإمكاناتها ومواهبها وحوافزها الشخصية.

· المرأة صاحبة حق أصيل في الجماعة الوطنية ولها حق - وواجب- النصيحة والشورى والقيام بالقسط، وهي محملة بالأمانة مستخلفة كالرجل، سواء بسواء، ويفرض عليها ذلك المشاركة في العمل العام ناخبة ومنتخبة لإيصال ما تراه صحيحًا من آراء وحقوق ومصالح عامة إلى القائمين على صنع القرار في الجماعة الوطنية التي ينبغي أن تكون توافقية".

وختامًا، قد يعتقد البعض أن المناداة بتمكين المرأة مخالفة للفطرة أو تغيير للمهمة الأساسية التي جعلها الخالق سبحانه للمرأة تعظيمًا وتشريفًا بأن تكون سكنًا بكونها زوجة، وقلبًا حانيًا ورمزًا للعطاء بكونها أمًّا، ومؤنسة بكونها بنتًا وأختًا، لكن الحقيقة أن الدعوة لتمكين المرأة هي عين الفطرة وجوهر القصد من خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان من ذكر وأنثى تحقيقًا للتكامل والتآلف والتكافل بين عنصري المجتمع، وتلبية للاحتياجات التي يفرضها العصر، وإيمانًا بقدرات هذا المخلوق الذي لطالما ظلمته القوانين والأعراف الوضعية وأنصفته الشرائع السماوية وخاصة الإسلام، فمنحها مساحة تقوم فيها بدورها المنوط بها وتعبِّر عن نفسها وتسهم في بناء مجتمعها وتعزيز تعاليم دينها.

المراجع:

صبحي مجاهد، تقرير بعنوان: "
جهود أزهرية عصرية لـ(تمكين المرأة) لأول مرة.. ملتقى أزهري كاريكاتيري عن المرأة، الموقع الرسمي لصحيفة روز اليوسف الإخبارية، 20 أغسطس 2023م.

فاطمة محمد محمد المهدي،
دور الأزهر الشريف في الحفاظ على حقوق المرأة، المؤتمر العلمي الدولي الأول بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج.

الموقع الرسمي للأمم المتحدة.

الموقع الرسمي لمسابقة الأزهر العالمية لفن الكاريكاتير، موقع بوابة الأزهر الإلكترونية.

وثيقة الأزهر الداعمة لحقوق المرأة، الموقع الرسمي لجريدة صوت الأزهر، 9 سبتمبر 2018م.

وحدة البحوث والدراسات
 

طباعة