الأخذ بالقرآن وحده وترك السنة النبوية... دعوى هدامة!

  • | الإثنين, 25 مارس, 2024
الأخذ بالقرآن وحده وترك السنة النبوية... دعوى هدامة!

يخرج علينا بين الحين والآخر من يدعي أن الله تعالى قد أكمل دينه بنزول القرآن، وأتم الله تعالى النعمة على عباده، فلا حاجة إلى السنة النبوية، مدعيًا أنها دخيلة على الوحي، وأنه من الضروري الالتفاف حول القرآن وترك السنة النبوية.

والجدير بالذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد تنبأ بمن ينكر سنته في الحديث الصحيح المروي عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ" [أخرجه الترمذي (٢٦٦٤) وقال: حسن غريب من هذا الوجه]. وإخباره عليه الصلاة والسلام بظهور هذا الأمر من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.

بل إننا نجد في القرآن الكريم أمرًا بطاعة النبي (عليه الصلاة والسلام)، فحمل الناس على إنكار السنة معناه حمل الناس على معصية النبي (عليه الصلاة والسلام)، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: ٥٩].

وقد وردت أحاديث متعددة فيها أمره عليه الصلاة والسلام بأشياء ونهيه عن أشياء أخرى، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

إن سنة النبي عليه الصلاة والسلام هي بيان للقرآن، فإذا ورد في القرآن مثلًا الأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، فقد جاءت سنته عليه الصلاة والسلام مبينة لهذه الأوامر من خلال أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء البيان القرآني موضحًا هذا الأمر في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤].

ونزل القرآن الكريم بأحكام تتحدث عن الحدود والتشريعات كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: ٣٨]، لكن لم يرد في القرآن هل تقطع اليد في أي مال؟ ولا أي يد اليمنى أم اليسرى؟ ولم يأت فيه القدر التي تقطع هل الكف فقط أم القطع إلى المرفقين أم إلى الكتفين؟ وهل يشمل هذا الصغير والكبير أم أن هذا الحد له شروط معينة؟  هذا بالإضافة إلى اعتماد المسلمين على السنة في معرفة بعض التفاصيل المتعلقة بعدد الركعات في كل صلاة أو السر والجهر فيها وغيرها من المناسك التي لم نعلمها إلا من السنة النبوية الشريفة

بل إن القرآن الكريم قد رغَّب جميع الناس أن يكون رسول الله (عليه الصلاة والسلام) لهم أسوة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١]. فليشرح لنا منكرو سنته كيف يكون محل هذه الآية لو كانت سنته غير مدونة؟ كيف نتأسى به ولم نره؟ والمؤكد أن ذاكرة الإنسان والتناقل بالمشافهة -مهما بلغت درجة الحفظ والإتقان- مآلهما إلى خطأ بشري أو سهو أو نسيان؛ فالتدوين عاصم من كل ذلك وفق ضوابطه المشددة التي انتهجها العلماء الأوائل. ويضاف إلى ذلك أن استدعاء أعمال أو آراء بعض من أساءوا فهم السنة وتأويلها واستغلالها مردود عليهم، لا على السنة؛ كما أن الخوض في مسائل الحديث لا يكون إلا بعد إتقان علومه التي تبحّر فيها المسلمون وأنتجوا فيها علومًا قائمة بذاتها إلى اليوم... أيُعقَل أن يطعن أحد في علوم الطب -مثلاً- بسبب خطأ طبيب أو بسبب مرض مريض؟! إن المنهج العلمي -الذي يدعي منكرو السنة بالكلية الركون إليه- يقتضي منهم الدرس والفهم والاطلاع الواسع، كي يكتسبوا علم الأولين ثم يأتوا بالإسهام العلمي الجديد (الاجتهاد) في أية مسألة. وليس من المنهج العلمي في شيء التعامل مع السنة النبوية المشرفة بوصفها محض نصوص دوّنت من الذاكرة وظلت بلا ضبط على مستوى الرواة والمتون والعلل وما إلى ذلك؛ وليس من المنهج العلمي كذلك رفض السنة بالكلية، وليس منه أيضًا تقديس الراوي ولا النكوص عن دراسة علل المتون؛ بل إلى هذا سبق الأولون، فهل يكتفي المتأخرون بالرفض المطلق فحسب؟! هيهات أن يكون هذا منهجًا علميًا!

وبعد هذا البيان فلا شك أن الزعم بأنَّ على المسلمين أن يعملوا بما في القرآن فقط وأن يتركوا السنة إنما هو في الحقيقة مخالف لما جاء في القرآن. لقد كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام محل اهتمام الصحابة الكرام ومن بعدهم من التابعين وإلى يومنا هذا ينظر إليها على نحو من التعظيم والتوقير، فهي كلام النبي (عليه الصلاة والسلام) الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

هذا ويرى مرصد الأزهر أن الدعوة إلى ترك السنة والأخذ بالقرآن وحده إنما هي دعوة هدامة ليس من ورائها إلا الانسلاخ من الدين وتهوين أمر السنة في قلوب المسلمين، لذا وجب على العلماء التصدي لهذه الدعوات بالحجة والبرهان.

 

وحدة رصد اللغة العربية

 

طباعة