مدن صينية عرفت الإسلام.. مقاطعة خنان-河南

  • | الجمعة, 5 أبريل, 2024
مدن صينية عرفت الإسلام.. مقاطعة خنان-河南

في إطار حرص الأزهر الشريف على متابعة أحوال المسلمين حول العالم، وتفنيد شبهة انتشار الإسلام بالسيف، أعدت وحدة اللغة الصينية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، سلسلة مقالات عن الإسلام في الصين، وكيف تعرفت المدن والمقاطعات الصينية على الإسلام، ومظاهر الوجود الإسلامي في هذه البلاد. وقد سبق الحديث عن مقاطعات (شانشي) بمدينة شيآن، وجيانغسو، ويوننان، مقاطعة (تشينغهاي) مدينة شينينغ، هذا المقال يدور حول مقاطعة (خنان) عاصمة الصين في عهد عدد من الأسر الحاكمة، وهي أكبر المقاطعات من حيث تعداد السكان، وتتميز بتضاريسها الجبلية في الغرب، والسهول الممتدة في الشرق. لم تكن مقاطعة (خنان) بعيدة عن الدعوة الإسلامية فقد عرفت الإسلام مُنذ عدة قرون، وتطور فيها العمل الإسلامي من دعوة وتعليم إسلامي حتى أصبح المسلمون فيها عاملًا مهمًّا في تطوير المجتمع.   

موقعها الجغرافي وأهميتها الإستراتيجية

كان للموقع الجغرافي أثر كبير في انتشار الإسلام بـ(خنان) نظرًا لموقعها الإستراتيجي على طريق الحرير القديم، وتوفر شبكة نقل واسعة النطاق، رغم أنها مقاطعة حبيسة في وسط الصين، وبها جزء كبير من سهل الصين الشمالي، وتقع في المجرى الأوسط والسفلي للنهر الأصفر، وكانت تُعرف أيضًا باسم (تشونغتشو- zhongzhou- 中州). تبلغ مساحتها الإجمالية (167) ألف كيلومتر مربع، ويمر بها النهر الأصفر عبر أكثر من (700) كيلومتر، وتضم (42) مجموعة عرقية منها قومية (هوي) المسلمة.

تُعد أحد المراكز الأساسية لإنتاج الحبوب، وتلعب دورًا مهمًّا في ضمان الأمن الغذائي للصين، وتضم العديد من المواقع السياحية الجذابة مثل كهوف (لونغمن) الصخرية في مدينة (لويانغ) وأطلال (ين) التي تعد أول موقع موثَّق لآخر عاصمة لأسرة شانغ المتأخرة في الصين، وفقًا لما تؤكده الحفريات الأثرية.

وتحظى (تشنغتشو) بأهمية كبرى إذ تعتبر عاصمة (خنان) في العصر الحديث، وهي إحدى العواصم الثماني القديمة في الصين، وتحظى بتاريخ ثقافي ووطني عريق، وتعرف باسم (العاصمة التجارية) حيث تمثل مركز نقل شامل مهم، كما يوجد بها خط سكة حديد، وتقع في الجزء الشمالي الأوسط من مقاطعة خنان، على الحدود بين المجرى الأوسط والسفلي للنهر الأصفر. والمدينة شاهدة على الكثير من الأنشطة الإسلامية، ففي عام 1985م تأسست كلية (تشنغتشو) الإسلامية، وهي كلية دينية جامعية إقليمية، وبها يدرس (200) طالبًا، وهي مؤسسة عامة ممولة بالكامل وتغطي مساحة بناء (6000) متر مربع.

الإسلام في خنان

لعبت التجارة دورًا كبيرًا في انتشار الإسلام كباقي المدن الصينية، خاصة المدن التي تقع على طريق الحرير، والذي كان له الفضل في شهرة البضائع الصينية ووصولها إلى شتى بقاع العالم، وكانت سببًا في معرفة بلدان العالم المختلفة بالصين، وأحد أهم الطرق في وصول الإسلام إلى الصين، فبعد الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس وبلدان أسيا الوسط والتي كانت قريبة من حدود الصين ولها علاقات وثيقة تجارية وسياسية بالصين قبل الإسلام، اعتنق الكثير من أهل تلك البلدان الإسلام، حيث كانت مرتبطة بطريق الحرير البري مع الصين مما سهل وصول الإسلام إلى الصين، إضافة إلى الحركة التجارية النشطة والتي أثرت بشكل إيجابي على الوجود الإسلامي في المقاطعة، كان العلماء والمبعوثون والشخصيات الدينية من الدول الإسلامية، وخاصة من بلاد فارس يأتون إلى السهول الوسطى بشكل سلس لإجراء التبادلات الاقتصادية والثقافية؛ صادف ذلك السياسة التي اتخذتها أسرة سونغ والتي كان لها موقف ودي تجاه المسلمين وأظهرت تسامحًا كبيرًا مع أولئك الذين جاءوا من الشرق أو طلبوا الاستقرار، ليصبح هؤلاء التجار المسلمون الذين استقروا في خنان وأحفادهم جزءًا من مسلمي مقاطعة خنان.

وقد ظهر العديد من المثقفين المسلمين المؤثرين في مجتمعاتهم في جميع أنحاء الصين أمثال الإمام (بانج تجي تشيان- Páng shìqiān- 庞士谦) والذي درس في جامعة الأزهر، وكان له الفضل في تقديم أحدث المعارف عن العالم الإسلامي إلى الصين، وله تاريخ وطني حافل ففي عام 1938م، قاد "مجموعة من الطلاب الصينيين في مصر" للدراسة في جامعة الأزهر بالقاهرة، ودرس في كلية الشريعة والقانون، وتخصص في الشريعة والحديث، وبعد اندلاع الحرب ضد اليابان، قاد مجموعة حج من الطلاب الصينيين إلى مكة للترويج بقوة ضد اليابان، وفي عام 1949م، قام بالتدريس في كلية بكين الإسلامية والكلية الإسلامية الصينية. وفي عام 1952م، شارك في إنشاء الجمعية الإسلامية الصينية وعمل عضوًا في اللجنة الدائمة بعد إنشائها.

أهم مساجد مقاطعة خنان

مع تزايد هجرات المسلمين إلى الجنوب زاد عدد السكان المسلمين في المقاطعة، لذلك بُنيت العديد من المساجد، وتميزت تلك المساجد بالطراز الصيني الفريد مثل مسجد (كايفنغ) ويرتبط أغلب أسماء المساجد في الصين بأسماء المدن والشوارع الواقعة حول المسجد. ومن أهمها:

مسجد (تشنغتشو- Zhèngzhōu-郑州) 

 

يقع مسجد (تشنغتشو) بمنطقة (جوانتشنغ) وقد بُني للمرة الأولى في عهد أسرة (مينغ) ثم أضيفت البوابة الحالية وقاعة العبادة الكبرى بعد انتصاف عهد أسرة (تشينغ). ويعد المسجد أقدم وأكبر أماكن العبادة الإسلامية في (تشنغتشو) وهو أحد أسباب انتشار الإسلام في المدينة. وفي العام 2006م أدرجت حماية الآثار الثقافية في مقاطعة، المسجد على قائمة التراث الصيني حيث يتميز المسجد ببنائه على الشكل المعماري الصيني التقليدي، وهو عبارة عن فناء متماثل ذي مدخلين مع مبنى صيني تقليدي على طراز القصر، إضافة إلى برج القمر الذي يُعتبر مبنى فريدًا من نوعه في المساجد الإسلامية ويستخدمه الأئمة لاستطلاع رؤية هلال شهر رمضان ويبلغ ارتفاعه (10) أمتار.

مسجد (كايفنغ- Kaifeng- 开封清真)

 

أحد أكبر مساجد مقاطعة (خنان) وقد بُني في عهد أسرة (مينغ)، وموقعه الحالي يبعد عن موقعه الأصلي نحو (3-4) أميال جنوب شرق مدينة (كايفنغ) القديمة، ولا يُعرف على وجه التحديد توقيت أو أسباب نقل المسجد. وفي عهد أسرة مينغ (1407) صدر مرسوم إمبراطوري لإجراء إصلاحات وبناء مبان إضافية وبعد إعادة بنائه أصبح المسجد يغطي مساحة تزيد عن عشرة أفدنة، وهو أكبر مجموعة من المباني الإسلامية في السهول الوسطى، وتعرض المسجد لأضرار متكررة بسبب الفيضانات والنزاعات الداخلية، وتم إصلاحه وتوسيعه عدة مرات، كانت أهمها في العصر الحديث عام 1989م.

وحدة رصد اللغة الصينية

طباعة