ردًّا على خطاب "ليتمن الله هذا الأمر" للمتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي..

مرصد الأزهر: لا يزال متمسكًا بالألفاظ القوية التي يكسو بها باطله كي يكتسب شرعية زائفة لا تقوم في وجه أي حجة

  • | الخميس, 4 أبريل, 2024
ردًّا على خطاب "ليتمن الله هذا الأمر" للمتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي..

     ضمن متابعة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف للمنصات الإعلامية التي يبث من خلالها تنظيم داعش الإرهابي سمومه الفكرية، تابع المرصد فحوى كلمة للمتحدث باسم التنظيم، أبو حذيفة الأنصاري، والتي نشرت في الثامن والعشرين من شهر مارس الماضي، بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس التنظيم المتطرف.

وحملت كلمة "الأنصاري" رغم الهزائم الكبيرة والمتلاحقة التي مني بها التنظيم، وفقده لأربعة ممن يطلق عليهم عبثًا "خلفاء"، إضافة إلى تعرض الآلاف من عناصره للقتل على يد القوات الأمنية في البلدان التي ينشطون فيها، وضياع خلافتهم المزعومة في سوريا والعراق، مدحًا لمنهج "داعش" الذي يهدف إلى نشر أفكاره المتطرفة، ونبذ القوميات والوطنيات، بغرض توطين الخلافة في الأرض، كما مدح في عناصر التنظيم الإرهابي في شتى الأماكن التي يتواجدون بها، مُحببًا إليهم في كلمته فكرة الموت في سبيل الدين وإقامة شرع الله.

ونظرًا لما تحويه هذه الكلمة من زيف وتحريف للنصوص الدينية وافتراءات عديدة، فمرصد الأزهر يؤكد في تحليله لما جاء بها أن التنظيم يتطلع إلى أهداف بعيدة كل البعد عن الفهم الصحيح للدين الإسلامي، فمنهج "داعش" -كما اتضح للجميع- يخدم أجندات أعداء هذا الدين.

ويشير المرصد إلى أن تنظيم داعش الإرهابي لا يزال متمسكًا بالألفاظ قوية التي يكسو بها باطله كي يكتسب شرعية زائفة لا تقوم في وجه أية حجة أو أي دليل.

وبناء على تحليل مرصد الأزهر فقد ركز الخطاب على فكرة الجاهلية التي تسود المجتمع المسلم الحالي، إذ وردت كلمة "جاهلي" تسع مرات، مما يعني أنه يركز على هذا المفهوم، بهدف استحضار ما كان عليه الكفار قبل الإسلام في الأذهان وعقد مقارنة بين مجتمع اليوم وذلك المجتمع الذي لم تكن قد أشرقت عليه بعدُ شمس الإسلام.

والحقيقة أنه استخدام خاطئ ينم عن عدم فهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يهدم كل ما كان عليه هذا المجتمع الجاهلي، حتى إنه قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، أي إنه كان هناك أخلاق أبقى عليها الإسلام، بل ودعا إليها. وهذا يعني أن المجتمع الجاهلي –وفقًا لزعمهم- أفضل حالًا منا.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو (ذلك المجتمع الجاهلي) إلى توحيد الله وحده وترك الشرك، ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إنَّ الشَّيطانَ قَد يَئسَ أن يُعبَدَ بأرضِكُم"، فإذا كان النبي قد ضمن لنا أننا لن نعود إلى جهالة الشرك مرة أخرى، فبم يوصف من ينافي ضمانة النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وبالانتقال إلى مصطلح "الجهاد" الذي تكرر في كلمة "الأنصاري" (٢٣) مرة، يشدد المرصد على أنه لم يكن سوى أداة لقتل المئات، بل آلاف الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال في دول كثيرة. وهو قتل دون جهاد، لأن الجهاد إنما يكون دفاعًا عن الوطن وعن الدين. فالمسلمون في غزوة "بدر" و"أحد" كانوا يجاهدون دفاعًا عن دينهم وكانوا على أرضهم يقاتلون عدوًّا سفك دماءهم وسلب أموالهم وحرمهم حقوقهم، أما التنظيمات الإرهابية فإنما تسلط سيفها على رقاب المسلمين، ثم إن جهاد الطلب لم يكن غايته القتل، بل كان المسلمون يبتدرون عدوهم بالدعوة إلى دين الله. والأمر ينطوي على فلسفة عظيمة، وهي أنه إذا سُمح للمسلمين بالدعوة إلى الله في البلدان الأخرى لما وقع قتال. والآن توفرت سبل كثيرة للدعوة، لكن هؤلاء يصدون عنها ويسلكون سبل العنف وإراقة الدماء من خلال لي عنق النصوص وتحريفها تحريفًا سافرًا.

كما في تطرق المتحدث باسم التنظيم الإرهابي لفكرة "الموت" رغم أن الإسلام دين حياة، جاء ليبث روح الدين والحق والعدل والخلق القويم في النفوس ثم ينطلق بها المسلمون في الآفاق ليعمروا الأرض ويجنوا من خيرها، فيظفروا بذلك بخيري الدنيا والآخرة. أما الحديث المتكرر عن الموت هدفًا ساميًّا من الأهداف الإسلامية ما هو إلا ضرب من الكذب.

نلاحظ كذلك أن المتحدث يجتزئ الآيات ليصل إلى المعنى الذي يريده، فمثلًا يحث ذئابه المنفردة على قتل الأبرياء مستدلًا بقول الله تعالى: "حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، في حين أن الله يقول في أول الآية: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة". وورد في تفسير الطبري: قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة، يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان". إذَن هذا استدلال باطل وتحريف لمعنى الآية.

ويصر المتحدث على استخدام كلمات تعود إلى أزمنة ماضية كنوع من العودة إلى قوة الدولة الإسلامية في وقتها، ومن هذه الكلمات: الصليبيون- دولة الخلافة – الكافرون والمنافقون – المجاهدون – تحكيم الشريعة - دواوين القضاء والحسبة، إلخ. فتنشأ صورة في ذهن المستمع حول المجتمع المثالي الذي تشرئب إليه أعناق هؤلاء، وخصوصًا أن هذه قربى إلى الله، فيشرعون في الانضمام إليهم؛ ولذلك كثير من أتباع التنظيمات الإرهابية يتسم بقلة الثقافة وجهله بأمور دينه وأوضاع العالم من حوله. حتى إن هذا المتحدث عندما يذكر بعض العمليات الإرهابية التي قاموا بها يشبهها بغزوة الأحزاب، توثيقًا لهذه الفكرة التي نتحدث عنها.

وقد تطرق إلى مفهوم دار الإسلام ودار الكفر، وجعل يتحدث عن قدوم كثير من الدول الغربية ليعيشوا في بلاد الإسلام تحت مفهوم الهجرة. رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه لا هجرة بعد الفتح، وأن وطن المرء هو الذي يأمن فيه على دينه وحياته وماله وعرضه، لذلك أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة؛ لأن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، والحبشة لم تكن دار إسلام. وبالنظر إلى حرية ممارسة الشعائر الإسلامية نجدها مكفولة في دول الغرب للجميع بدون تضييق أو اضطهاد، والمساجد منتشرة في بقاع الأرض، فما الذي يجعل إنسانًا يترك متسع وطنه كي يعيش تحت سيطرة أشخاص مثل الدواعش يتسمون بضيق الأفق ونزوعهم إلى سفك الدماء؟!

ونأتي إلى القضية الفلسطينية التي طالما حذر مرصد الأزهر من استغلال داعش ومن على شاكلته من تنظيمات متطرفة لها لاستقطاب الشباب إلى صفوفهم، فقد تحدث "الأنصاري" عن فلسطين، ولكن لا لشيء إلا لاستعطاف أكبر عدد ممكن ممن يرى في نفسه بأسًا وحماسة وحمية دينية، فينضم إليهم بحجة قتال الصهاينة وأعداء الدين. وفي الواقع هناك قواسم مشتركة كثيرة بين داعش وبين الكيان الصهيوني تشير إلى أجندة كلا الطرفين وأهدافهما المناهضة للاستقرار في المنطقة، بل والمُهددة للسلم المجتمعي في العالم بأسره.

ونخلص مما طرحناه إلى أن التنظيمات الإرهابية هي أدوات لزعزعة الأمن وضرب الاستقرار، فهي تضر بمصالح المسلمين أنفسهم رغم الحديث المتكرر عن الدفاع عن مصالحهم.
 

طباعة
كلمات دالة: