تكتلات جديدة لليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا اللاتينية: المخاطر والتوقعات

  • | السبت, 27 أبريل, 2024
تكتلات جديدة لليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا اللاتينية: المخاطر والتوقعات

     انساقت الأحزاب اليمينية في المجتمعات الأوروبية وراء إستراتيجيات جديدة للتطرف، وخاصة في السنوات القليلة الماضية التي تغيرت فيها ظروف العالم، وأخذت ترسخ للعداء السافر للأجانب وللإسلام وللمسلمين شرقًا وغربًا، وخصوصًا المسلمين المقيمين في الغرب؛ ولا يزال يعلن عن خُطته لطرد المسلمين من البُلدان الغربية حال وصوله للسلطة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين بحجة الحفاظ على هويتها الثقافية والديموغرافية، وتنظيم مواردها الاقتصادية وَفقًا لمصالحها. وتستغل الأحزاب اليمينية هذه الدعاية للترويج لفكرة معينة بوصفها جزءًا من سياسة مرسومة هدفها مداعبة مشاعر شريحة كبيرة من المتعصبين ضد المسلمين في الغرب واجتذاب الأصوات الانتخابية، وإضرام نيران العداء ضد الإسلام والمسلمين. وإذا أردنا أن نحصي هذه الظاهرة في بُلدان العالم فسنجدها أكثر من أن تُحصى، لذا سنقتَصِر سـَوْقِ أمثلة على تكتلات اليمين المتطرف التي تشكلت حديثًا في بعض دول أوروبا وأمريكا اللاتينية.

فعلى الصعيد الأوروبي؛ سلطت جريدة "إل دياريو" الإسبانية بتاريخ ١١ من مارس ٢٠٢٤م، الضوء على مساعي حزب "فوكس" اليميني المتطرف بقيادة "سانتياجو أباسكال" للتحالف مع ممثلي اليمين المتطرف حول العالم بصفة عامة، وفي أوروبا بصفة خاصة، الأمر الذي تحذر منه الأحزاب اليسارية منذ فترة. وليس عبثًا أن يسعى "أباسكال" إلى نيل دعم قادة آخرين لهم توجه فكري وسياسي مماثل من أجل الفوز بالانتخابات الأوروبية التي ستجرى في التاسع من يونيو المقبل. ويعد التقارب الحقيقي الذي حققه الحزب اليميني الإسباني مع نظرائه في أوروبا والأمريكيتين الأحدث والأبرز في هذا السياق؛ إذ أسفر -على سبيل المثال لا الحصر- عن توسيع دائرة التحالف مع حزب "إخوة إيطاليا" الذي تمثله رئيسة الوزراء الإيطالية "جيورجيا ميلوني"، وحزب "فيديس" الذي يمثله رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" وحزب "التجمع الوطني" بقيادة زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي "ماريان لوبان"، وحزب "البديل من أجل ألمانيا" برئاسة "أليس فايدل"، وحزب "العدالة والقانون" الذي يمثله رئيس الوزراء البولندي "ماتيوز موراوسكي"، بخلاف دعم رئيس حزب "فوكس" الإسباني اليميني "أباسكال" الكامل للرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في حملته الانتخابية المقبلة.

وكان ذلك عبر لقائهما في المؤتمر السنوي الذي عقده اليمين المتطرف الأمريكي (CPAC) بين ٢١ و٢٤ من فبراير ٢٠٢٤م، في ضواحي العاصمة الأمريكية "واشنطن"، وفي خطابه أثنى (ترامب) على زعيم "فوكس" مؤكدًا إنه في القريب العاجل سيتولى مقاليد الأمور، وسيصبح الحزب الحاكم في إسبانيا.

وفي السياق اللاتيني، يجدر التحذير من خطورة وصول أحزاب اليمين المتطرف إلى السلطة؛ ففوز "خابيير ميلاي" في الأرجنتين -مثلاً- أحدث تأثيرًا فوريًّا في رسم سياساتها الخارجية، إذ أولى المذكور أهمية خاصة لتعزيز العلاقات مع واشنطن وتل أبيب. وتجلى هذا التوجه في زيارته الولايات المتحدة في أول زيارة خارجية له عقب فوزه بالرئاسة في ١٩ من نوفمبر ٢٠٢٣م. كما تعهد "ميلاي" بنقل السفارة الأرجنتينية من "تل أبيب" إلى "القدس"، الأمر الذي يمثل دلالة واضحة على مناصرته للكِيان الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. وفي إطار إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية وتشكيل تكتل عالمي مؤثر، وجّه الرئيسُ الأرجنتيني الدعوة إلى زعيم حزب "فوكس" الإسباني لحضور حفل تنصيبه رئيسًا للجمهورية في ١٠ من ديسمبر ٢٠٢٣م. وحسبما أشارت جريدة "إل باييس" الإسبانية، في ١٢ من ديسمبر ٢٠٢٣م، فقد حضر الحفل العديد من قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة من أنحاء العالم، من بينهم رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان"، والرئيس البرازيلي السابق "جايير بولسونارو" (الذي يحظى حاليًا بالتحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة بنصف مقاعد مجلس النواب البرازيلي) ووفد من حكومة البيرو اليمينية نيابة عن رئيسة البيرو "دينا بولوارتي".

كما أشارت صحيفة "إنفو باي" الأرجنتينية في ١٢ من فبراير ٢٠٢٤م إلى التوافق الأيديولوجي والتحالف السياسي والتجاري الذي أبرمته رئيسة الوزراء الإيطالية "جيورجيا ميلوني" مع الرئيس الأرجنتيني "خابيير ميلاي" في خلال اجتماعهما في قصر كيجي (مقر الحكومة الإيطالية).

ولا شك أن الصعودَ غيرَ المسبوق لأحزاب اليمين المتطرف وثيقُ الصلة بتأثير الخطابات الشعبَوية التي تتبناها هذه الأحزاب، فقد نادت بتقييد الهجرة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، واتخذت من تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عونًا لها لتأجيج حالة الاستياء الشعبي، واجتذاب أصوات الناخبين. إنَّ هذه الأحزاب المتطرفة لديها إستراتيجياتٌ فعالة في التواصل مع الجماهير ونشر أفكارها، كاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والاستغلال الفاعل للإعلام، والتلاعب بالمشاعر والقضايا الحساسة للجماهير.

وفي هذا السياق يرى مرصد الأزهر أن خطورة اليمين المتطرف أصبحت أكثر وضوحًا، لا سيما في خِضَمِّ كل هذه التحالفات التي لا تبارح العداء للمسلمين واللاجئين، وتسعى إلى سَنِّ قوانينَ جديدةٍ تقيد دخولَهم إلى البلاد. إنَّ تكتلات اليمين المتطرف قد تَجُرُّ الغرب كلَّه إلى عواقبَ وخيمة، تُوهِن قُواه السياسية، وتقوِّض أركان وَحدتِه، وتمزِّق نسيجَه الاجتماعيَّ، وتُفضِي به إلى دائرة الكراهية والتعصبِ والعنف.

لذلك، فمِنَ الضروري أن تتخذ المجتمعاتُ الأوروبية واللاتينية إجراءاتٍ فاعِلة لمواجهة هذا التحدِّي، منها تعزيز الحوار السياسي للتفاهم بين الأحزاب والتيارات المختلفة، وتعزيز الوعي السياسي، والتعدُّدية الثقافية، والتسامح، والتعايش السلمي، وتقديم حلول اقتصادية واجتماعية فعَّالة للتحديات التي تواجه المجتمعات، وتعزيز الحملات التوعوية لمنع العنف والتمييز ضد الأقليات والمهاجرين واللاجئين، وخاصة المسلمين منهم، إلى جانب تفكيك الخطاب اليميني وتعرية مواطن التهافت فيه وأسلوبه الإثاري العازف على عواطف الجمهور، مع تعزيز دور المؤسسات الديمقراطية في مواجهة اليمين المتطرف، مثل الصحافة، والمنظمات الحقوقية، والمجتمع المدني.

وَحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة