وائل الدحدوح في تكريمه بجائزة "خوليو أنجيتا بارادو" للصحافة في قرطبة: الصحفيون لم يكشفوا سوى جزء صغير من همجية الكيان الصهيوني

  • | الأربعاء, 1 مايو, 2024
وائل الدحدوح في تكريمه بجائزة "خوليو أنجيتا بارادو" للصحافة في قرطبة: الصحفيون لم يكشفوا سوى جزء صغير من همجية الكيان الصهيوني

أوردت صحيفة "٢٤ نوتيثياس" الإسبانية، في التاسع من أبريل الماضي، تقريرًا عن تكريم الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح - مدير مكتب قناة الجزيرة القطرية في غزة – من مؤسسة "البيت العربي" الثقافية، وتسلمه جائزة "خوليو أنجيتا بارادو" للصحافة.

وخلال التقرير نقلت الصحيفة كلمة وائل الدحدوح خلال التكريم، حيث قال: "أنا أؤمن بالمهمة الإنسانية للصحافة. إن مهمتنا هي الاستمرار في الإعلام"

وتضمن التقرير حوارًا مع الدحدوح حول العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، ودور الصحافة في نقل الأحداث، وفيما يلي نص الحوار.

أهديتَ هذه الجائزة، التي تحمل اسم صحفي إسباني فقد حياته في حرب العراق عام ٢٠٠٣، إلى زملائك الذين يواصلون العمل في غزة وتصرون على أن الصحفيين في القطاع هم هدف الكيان الصهيوني، ما دليل ذلك؟

يتعمد الكيان الصهوني قتل الصحفيين في غزة، ولا أجد أي تفسير سوى ذلك، خاصة بعد قصف المنزل الذي كانت عائلتي تحتمي به في النصيرات (وسط غزة)، والقصف الذي أودى بحياة ابني حمزة، والقصف الذي أصبت فيه وكدت أن أموت بسببه، علمًا بأننا نتحرك في سيارات مكتوب عليها عبارة "صحافة" أو "تليفزيون"، ونرتدي خوذات وصدريات الصحفيين. لكن الكيان الصهيوني لا يريدنا أن نستمر في توثيق ما يحدث، لذلك قررنا أن نواصل التغطية الصحفية ونحن نعيش في خوف".

في ٧ من أكتوبر ٢٠٢٣، ارتكبت حركة حماس هجمات دموية في الكيان الصهوني. وبعد ساعات، بدأ قصف غزة. هل تعتقد أن غزة بصدد شيء يماثل ما رأيته فيها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية؟

في ٧ من أكتوبر استيقظت لأذهب إلى المكتب ورأيت من نافذتي الصواريخ تتطاير في السماء باتجاه الكيان الصهيوني، قلت لزوجتي المرحومة: "لنستعد؛ لأننا سنشهد حربًا طويلة قادمة".

منذ الأيام الأولى قلت: إنها ستستمر لمدة تصل إلى أربعة أشهر ونعتوني بالمُبالغ، والآن أرى أنني كنت متفائلًا. كل المصائب التي عانيناها في الهجمات السابقة لا تساوي ربع ما نعانيه في هذه الحرب. فمنذ البداية، كان الدمار أعمى: أغلق الكيان الصهيوني جميع المعابر الحدودية، وحرمت غزة من الغذاء والماء والكهرباء والدواء وقصفت المنازل دون سابق إنذار، ولا يريد الكيان الصهيوني أن نستمر في توثيق ما يجري، لكن الصحفيين الفلسطينيين قرروا الاستمرار في نقل الأحداث.

هل من لحظة أثرت فيك تأثيرًا خاصًّا على مدار عملك في الأشهر القليلة الماضية؟

لقد غمرتني صور مؤلمة، ولكنني سجلت بصفة خاصة الأطفال القتلى، وبعضهم رضع، تم انتشالهم من تحت الأنقاض وماتوا أمام أعيننا. لا أنسى جثث زوجتي وأطفالي وحفيدي بالطبع على الرغم من أنني لم أكن موجودًا عند قتلهم، إلا إنني.. ماذا يمكنني أن أقول لك؟ كل صورة كان عليَّ تسجيلها كانت أسوأ من سابقتها.

لا يزال جزء من عائلتك في غزة، أليس كذلك؟

الإجابة: كان لديّ ثمانية أبناء، والخمسة الذين ما زالوا على قيد الحياة غادروا غزة، لكن إخوتي وأخواتي وأبناء إخوتي وأخواتي وأبناء أعمامي ما زالوا هناك. أتلقى كل يوم أخبارًا سيئة: أفراد عائلتي الذين أصيبوا ويكافحون من أجل التعافي، وأفراد عائلتي الذين ليس لديهم ما يأكلونه... وهكذا.

عندما قُتلت زوجتك وأطفالك في القصف، لم تتردد في مواصلة عملك.

أؤمن بالمهمة الإنسانية للصحافة. مهمتنا هي مواصلة التغطية الصحفية. ولكن في الوقت الحالي، مهما حاولوا جاهدين، لا يستطيع الصحفيون في غزة نقل جزء صغير من الهمجية الحاصلة ضد غزة. منذ بداية الحرب، كنت أعتقد دائمًا أنه يجب أن أعمل مهما كانت الظروف، ولكن أمام جثث أطفالي وزوجتي التي كانت عماد الأسرة، شككت في الاستمرار. لكني قررت الاستمرار. لطالما ضحت زوجتي وأولادي من أجلي. لم يحظوا بحبي وحمايتي في الحروب حتى أتمكن من الاستمرار في العمل وأضطلع بواجبي في التغطية. لهذا السبب عدت إلى العمل. كان تحديًا. لأنني لم أرغب في الظهور أمام الكاميرا في حداد أو حتى التحدث عن نفسي. أردت أن أروي الحرب بطريقة احترافية، وكأن شيئًا لم يحدث لي. أعتقد أنني نجحت، لكن ذلك أزعج الكيان الصهيوني.

الآن بعد أن اضطررت إلى مغادرة غزة، هل تعتقد أن صوتك فقد قوته أو شرعيته لأنك لم تعُد داخل القطاع؟

نعم، بالفعل. شعوري هو شعور بالألم والإحباط لأنني لم أعد أستطيع القيام بواجبي. لا يمكنني أن أكون حيث تتفاقم الأمور، ولا يمكنني مساعدة أبناء بلدي الذين يعانون والصحفيين الذين بقوا في الداخل، وخصوصًا فريقي. أشعر أحيانًا أنني لم أعد قادرًا على فعل الكثير، لكنني ما زلت أحاول أداء واجبي من خلال القدوم، مثلاً، إلى هنا في قرطبة اليوم.

لقد أثنيتم على موقف الحكومة الإسبانية تجاه الفلسطينيين، ولكن هل تكفي الكلمات بعد ستة أشهر من القصف؟

من الواضح أن الناس الذين يعيشون الحياة اليومية للحرب يحتاجون إلى المزيد من الدعم والمزيد من الإغاثة. إنهم بحاجة إلى المزيد. إن موقف الحكومة الإسبانية موضع ترحيب كبير من الفلسطينيين في خضم هذه الحرب الفظيعة. ونحن نقدره كثيرًا، ونقدّر أيضًا عملها مع حكومات أوروبية أخرى للانتقال من الأقوال إلى الأفعال، كي يتسنى الضغط والتوصل إلى وقف إطلاق النار الآن واستعادة الفلسطينيين حقوقهم. نحن نعلم أنها مهمة شاقة.

من الصعب أن نتوقع مستقبل غزة ونتحدث عنه.

لا يمكن التنبؤ به. لا أحد في القطاع يعرف ماذا سيحدث، هل ستنتهي هذه الحرب خلال أسبوع أم ستستمر لأشهر. في بعض الأحيان يبرز الحديث عن اتفاق، عن هدنة، ولكن لا شيء يحدث والقصف يتزايد. سكان غزة متوترون، لكنهم يخشون أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة، وأن تستمر الحرب لفترة أطول.

أنت على المستوى البدني ما الذي تشعر به وكيف تتخيل مستقبلك؟

أنا متعب للغاية. لقد خضعت لعملية طويلة ومعقدة لمحاولة الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحركة في يدي اليمنى. قد أتعافى بنسبة ٦٠٪، ولكن أمامي عام من النقاهة. أريد أن أتعافى وأواصل عملي صحفيًّا. هذا هو أهم شيء بالنسبة لي. أريد أن أواصل القيام بعملي.

من جانبه، يرى مرصد الأزهر في تكريم الدحدوح رغبة حقيقية من الجانب الإسباني إحياء القضية وإبراز رموزها، خاصة الصحفيين الذين يعكفون على نقل الحقيقة من ميدان المعركة الشرسة مضحين بأرواحهم في سبيل نشر القضية. ولا شك أن استهداف الصحفيين والمدنيين وموظفي الإغاثة المحلية والدولية يدخل في عداد جرائم الحرب التي توجب المساءلة الدولية.

 
 
طباعة
كلمات دالة: