إسبانيا وتحديات الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل الإفريقي

  • | الأربعاء, 26 يونيو, 2024
إسبانيا وتحديات الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل الإفريقي

لا تزال منطقة الساحل الإفريقي تعاني انتكاسَ الأحوال الاقتصادية، وكثرة الديون، والحروب الأهلية، وتجارة الأسلحة والمخدرات، والاتجار بالبشر، والأنشطة الإرهابية للتنظيمات المتطرفة. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تفاقم حالة الفوضى، وعدم الاستقرار السياسي ببعض دول المنطقة، وازدياد معدل الهجرة غير الشرعية إلى القارة العجوز، الأمر الذي يُلقي بظلاله على الأمن القومي في هذه المنطقة، وفي الأقاليم المجاورة، وخصوصًا الأمن القومي الإسباني. وقد أثرت هذه الاضطرابات سلبًا في دول الساحل الإفريقي، وأربكت حساباتها وأولوياتها على المستويات كافة؛ بسبب التنظيمات الإرهابية —لا سيما تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة"— التي تبنَّت إستراتيجية توسعية تكمن في كسب المزيد من الأراضي، وذلك لضمان السيطرة على الحدود الجنوبية للقارة الأوروبية، محاولين بذلك الهروب إليها عبر بوابة إسبانيا الجنوبية، التي تعد منطلَق المهاجرين إلى أوروبا من دول شمال المغرب العربي، ودول الساحل الإفريقي.

فلا عجب في أن يهرع عد من مواطني تلك البلدان إلى الأراضي الإسبانية المجاورة بعد أن لاقوا ألوان الأذى، وتعرضوا للموت والهلاك؛ ما يمثل تحديًا قويًّا أمام الدولة الإسبانية. وفي هذا السياق، سلطت جريدة "سيتي دياس يكلا" الإسبانية في عددها يوم ٢٨ من إبريل ٢٠٢٤م الضوء على الإحصاءات التي أجرتها وزارة الداخلية الإسبانية بشأن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى الأراضي الإسبانية حديثًا؛ ففي المدة من ١ من يناير إلى ١٥ من مارس ٢٠٢٤م دخل إلى إسبانيا 14,405 مهاجرين غير شرعيين عن طريق البحر، فيما شهدت المدة نفسها من العام الماضي ٢٠٢٣م وصول ٣٥٢٨ مهاجرًا غير شرعي فقط بالطريقة نفسها، ما يمثل زيادة كبيرة بنسبة ٣٠٠٪. وحسب الصحيفة ذاتها، فمن المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في السنوات القادمة، ما يجعله أحد أكبر المخاطر التي تواجهها إسبانيا.

وفي ظل هذه الأحداث المضطربة التي أدت إلى تزايد عمليات الهجرة غير الشرعية إلى إسبانيا، وتزايد ضحاياها، وتأثيراتها؛ تسعى الحكومة الإسبانية إلى اتخاذ حزمة إجراءات جديدة تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة. وعليه تواصل إسبانيا التحرك في عدة اتجاهات، منها ما هو على الصعيد الأوروبي كتنفيذ الاتفاقيات المبرمة من أجل تحديد الحصص التي يتم على أساسها توزيع المهاجرين غير الشرعيين على الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، وفرض عقوبات تقدر بعشرين ألف يورو عن كل لاجئ ترفض أن تستقبله إحدى الدول الأعضاء. إضافة إلى ذلك، دعت إسبانيا الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الدعم المالي المشترك لدول الساحل الإفريقي. وفي هذا الصدد، أشارت الصحيفة الإسبانية "تيلي برنسا" في ٢٩ من إبريل ٢٠٢٤م إلى اعتماد الاتحاد الأوروبي في اليوم ذاته تقديم مساعدة بقيمة ١٥ مليون يورو من أجل تعزيز القوات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي ضد الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تزعزع استقرارها، وتفضي بمواطنيها إلى المخاطرة بأرواحهم، وإلقاء أنفسهم في موارد التهلكة من خلال الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. أما داخليًّا فقد أبدَت إسبانيا استعدادها التام للإسهام في نشر مزيد من قواتها العسكرية داخل المنطقة، فضلًا عن مشاركتها في جميع البعثات المدنية والعسكرية للاتحاد الأوروبي في المنطقة، ما يُظهر مدى أهمية منطقة الساحل بالنسبة للدولة الإسبانية، سعيًا إلى حماية مصالحها الاقتصادية والأمنية معًا.

وعلى الصعيديْن الإقليمي والدولي، تسعى الحكومة الإسبانية إلى مواجهة الهجرة غير الشرعية من دول المنبع، وبحث سبل وآليات تنفيذ ذلك عن طريق التصدي لأجندة التنظيمات الإرهابية التوسعية داخل الإقليم، والسعي الحثيث إلى تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع، والتعاون مع حكومات الدول بالمنطقة لمكافحة شبكات التهريب غير المشروعة المنتشرة ‏في أراضيها.

وبناء على ما سبق، يثمن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف المبادرات والقوانين الصادرة في هذا الشأن، ويدعو إلى حسن استقبال اللاجئين، وعدم وصمهم بالإرهاب، أو أخذهم بذنب غيرهم أو بسبب عدم استقرار المناطق القادمين منها، وأن يكون التعامل معهم من منظور إنساني. كما يدعو إلى التآزر بين حكومات منطقة الساحل الإفريقي وشعوبها، وتعزيز القدرات الأمنية والعسكرية لدول تلك المنطقة، وتدريبها على التصدي لتلك التنظيمات الإرهابية وشبكات التهريب غير المشروعة، للحد من تفاقم الأوضاع، وتفادي تبعات انتقالها إلى دول أخرى في إفريقيا، وللحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية؛ هذا إلى جانب التعاون الدولي الوثيق من أجل القضاء على أسباب الهجرة غير الشرعية بكل أبعادها الاقتصادية والفكرية والسياسية والأمنية.

وإذ ينادي مرصد الأزهر بتزكية روح التعاون بين شعوب هذه المنطقة وحكوماتها، فإنه يشدد في الوقت ذاته على ضرورة توعية مواطني هذه الدول بمخاطر الهجرة غير الشرعية، والوقوف على الأسباب التي تدفعهم إلى المخاطرة بأرواحهم من أجل مستقبل مجهول، وإيجاد الحلول البديلة لها. كما يدعو مرصد الأزهر الحكومات والشعوب الإفريقية إلى النهوض بأعبائهم، وصيانة مقوماتهم، والاستفادة من مقدراتهم، والحفاظ على دولهم، وتحقيق الإصلاح في كل الاتجاهات كي تنهض أوطانهم نهضة واثقة تنقذها من وهدتها، وتخلصها من التبعية، وتقودها نحو الرقي والازدهار.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة