قراءة في أحداث داغستان الأخيرة

  • | السبت, 29 يونيو, 2024
قراءة في أحداث داغستان الأخيرة

شهدت مدينتي "دربنت" و"مخاتشكالا" في جمهورية "داغستان" جنوب روسيا يوم الأحد ٢٣ من يونيو ٢٠٢٤، عدة هجمات إرهابية طالت مركزًا للشرطة ومعبدين يهوديين وكنيستين، وأسفرت عن مقتل ٢٥ فردًا وإصابة ٤٦ آخرين.

وقع الهجوم على الكنيستين في أثناء قداس الأحد، ونفذه مسلحون، يرتدون ملابس عسكرية. ووفقًا لبعض المعلومات الواردة في الصحف الناطقة باللغة التركية، فإن المهاجمين تسللوا إلى كنيسة مدينة "مخاتشكالا" وحاولوا إشعال النار في لوحة الأيقونة المعلقة فيها.

وفي هذه الأثناء، تمكّن التسعة عشر فردًا الموجودين في الكنيسة من الدخول إلى إحدى الغرف، وإغلاق الباب على أنفسهم، فنجوا بأعجوبة من الموت. لكن حارس الأمن لم يستطع النجاة وقُتل، وكذلك الراهب "نيكولا" البالغ من العمر ٦٦ عامًا، إذ أفادت أنباء بأن الإرهابيين قد قطعوا رأسه.

أما الهجوم الذي استهدف المعبد اليهودي في مدينة "مخاتشكالا" فكان بالأسلحة النارية، في حين أُشعِلَت النيران في المعبد اليهودي في مدينة "ديرنت"، وتصاعدت الأدخنة منه إلى جميع أرجاء المدينة.

ولو أن هذه الهجمات قد وقعت يوم السبت لكانت الخسائر البشرية كبيرة نظرًا لتوافد عدد من يهود القوقاز على المعابد.

أما الهجوم الأخطر بين تلك الهجمات المتزامنة فهو الهجوم الذي استهدف مركز الشرطة في مدينة "مخاتشكالا"، وأسفر عن مقتل ١٥ شرطيًا، يضاف إليهم الراهب وحارس الأمن والمدنيين، ليبلغ عدد قتلى هذه الهجمات ٢٥ فردًا، بخلاف ٤٦ جريحًا؛ فضلاً عن تصفية ٥ إرهابيين.

ونرى أن هذه الهجمات تظهر عليها بصمات تنظيم داعش الإرهابي، وذلك للسببيين الآتيين:

أولًا: وقوع هجمات متزامنة في وقتٍ واحد تستهدف هدفًا واحدًا أو عدة أهداف يُعد إستراتيجية عملياتية لتنظيم داعش الإرهابي تكررت قبل ذلك في عدة بلدان، من أجل إحداث بلبلة وارتباك في صفوف قوات الأمن.

وقد رأينا هذا الأمر في "إندونيسيا" في عام ٢٠١٨، حيث نفذ التنظيم ٣ هجمات متزامنة على ٣ كنائس في مدينة "سورابايا" الإندونيسية، وأعلن داعش مسئوليته عن هذه الهجمات.

كذلك هجمات تونس في يوليو ٢٠١٩، حين نفذ التنظيم هجومين انتحاريين استهدفا عددًا من الأهداف الأمنية التونسية، وأسفرا عن مقتل عنصر أمني وإصابة آخرين.

ومثلها أيضًا الهجمات المتتالية التي استهدفت إحدى الكنائس في الفلبين في يناير ٢٠١٩، وأسفرت عن مقتل ٢٧ شخصًا وإصابة ٨٠ آخرين، وأعلن تنظيم داعش حينها مسئوليته عنهما. وفي أغسطس ٢٠٢٠ وقع انفجاران في مدينة "جولو" جنوبي "الفلبين" أيضًا، وأسفرا عن مقتل نحو ١٠ أفراد وإصابة ١٥آخرين. استهدف الانفجار الأول شاحنة عسكرية كانت تقدم الدعم للحكومة في مكافحتها لفيروس كورونا المستجد، ووقع الانفجار الثاني بعد ساعة واحدة من الانفجار الأول وفي شارع يبعد عنه نحو ١٠٠ متر.

الأمر ذاته وقع في أفغانستان في هجوم التنظيم على سجن "ننجرهار" في عام ٢٠١٩، فتزامن هجوم التنظيم على السجن مع إطلاق قذائف هاوون على قاعدة عسكرية قريبة منه بهدف قطع الإمداد والدعم عن قوات الأمن الأفغانية.

كما أعلن داعش مسئوليته عن التفجيرين اللذين وقعا في ٣ من يناير من هذا العام في مدينة "كرمان" جنوبي "إيران"، واستهدفا حشودًا في خلال إحياء ذكرى "قاسم سليماني".

كل هذا يؤكد أن القيام بهجمات متزامنة يُعد إستراتيجية مهمة من إستراتيجيات داعش.

ثانيًا: نشرت مؤسسة "العزائم" الإعلامية التابعة لداعش خراسان ما يمكن اعتباره تهنئة لولاية القوقاز المزعومة التابعة لداعش، واصفةً من نفذوا الهجمات الإرهابية بالأخوة، ومدحتهم وأثنت عليهم. وبالرغم من أن ولاية القوقاز لم تعلن مسئوليتها عن العملية حتى الآن، فإن هذا المدح من ولاية خراسان يؤكد مسئولية داعش القوقاز عن العملية.

هذا وقد شهدت سوريا تدفقات كثيرة من شباب منطقة القوقاز في الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٥، وتذكر الإحصاءات الرسمية أن عدد هؤلاء الشباب بلغ ٢٤٠٠ شاب، في حين تذكر إحصاءات غير رسمية أن عددهم تجاوز العشرة آلاف.

وهم شباب لديهم حماس هائل لقضية الدين، وفي الوقت ذاته يفتقرون إلى المعرفة بمبادئ الإسلام وقيمه، وهنا تتحقق معادلة الاستقطاب الذي غالبًا ما يحدث نتيجة اجتماع الحماس لقضية الدين مع الأمية الدينية.

وقد رأى تنظيم داعش الإرهابي قوة شباب القوقاز وحماسهم القتالي فسعى لاستقطابهم موجهًا لهم خطابًا إعلاميًا ركز فيه على قضيتي الجهاد والخلافة وفقًا لمفاهيم التنظيم المغلوطة.

ويعد "أبو عمر الشيشاني" المقتول في عام ٢٠١٦ أشهر من انضم إلى داعش من منطقة القوقاز. وقد تولى هذا الرجل قبل مقتله وزارة الحرب في داعش. كما كان مُلهمًا لكثير من شباب القوقاز للذهاب إلى سوريا.

حفظ الله بلادنا وشبابنا من كل سوء

وحدة رصد اللغة التركية

 

 

 

طباعة