كثرت التساؤلات إثر استغاثة مجموعة من الشباب الإسبان تتراوح أعمارهم بين ١٤ و١٦ عامًا تابعين "لجمعية مناهضة التطرف والضحايا غير المباشرين" (Acreavi) بعد محاولة استقطابهم وتجنيدهم في منازلهم من التنظيمات الإرهابية، ذلك بأن تلك الاستغاثة أوجبت النظر في مدى قدرة التنظيمات الإرهابية -وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي- على الوصول إلى الشباب، وممارسة محاولات الاستقطاب وغسل الدماغ.
أُسِسَت الجمعية المذكورة في عام ٢٠٢١م، واتخذت من العاصمة الإسبانية مدريد مقرًّا لها، وقد سبق لها أن سجلت لجوء نحو أربعة آلاف شخص إليها إما بسبب رغبتهم في الخروج من طريق التطرف الخطير، أو لطلب المساعدة، أو الاستشارة إزاء حوادث أو تصرفات من الممكن أن تكون مرتبطة بالاستقطاب أو التجنيد لدى تنظيمات إرهابية.
وطبقًا للجمعية، لجأ ٦٨٨ شابًّا إلى الجمعية بسبب شعورهم بأنهم ضحايا للاستقطاب من جانب آبائهم، كما سجلت الجمعية ٣٩٧ حالة لجأ فيها مواطنون إلى الجمعية لشعورهم بالقلق من إنشاء بعض المساجد التي قد تكون مصدرًا لنشر الفكر المتطرف، وأغلبها يكون أسفل المباني السكنية أو الترفيهية بالمخالفة للقانون ودون تصريح من البلديات المختصة، ما يجعل المواطنين المقيمين بتلك المناطق أكثر عُرضة للاستقطاب والتأثير فيهم بهذا الفكر. كذلك سجَّلت الجمعية شكاوى أخرى من أشخاص يعانون التنمر المدرسي بسبب الأيديولوجيات العنيفة، ومن أكثر من ٦٥٠ ضحية للتطرف في الدوائر الاجتماعية، والمراكز الرياضية، والحدائق، والمساجد.
التركيز على النساء وصغار السن
أشارت الجمعية إلى أنها تهتم -بالأساس- بالنساء وصغار السن؛ حيث إن دور النساء في الإرهاب آخذٌ في الزيادة من خلال تربية الأبناء والتأثير في فكر النشء وأيديولوجياتهم. ومن المثير للقلق أن عمليات الاستقطاب لم تعد مقتصرة على الشباب البالغين، بل أصبحت تتجه إلى تجنيد النشء صغار السن، بدءًا من عمر ١٢ عامًا. وكمثال على ذلك تذكر الجمعية نموذجًا لفتى صغير من بلدية مونتيَّانو (بإشبيلية) اعتقلته الشرطة الوطنية الإسبانية في شهر يناير من عام ٢٠٢٤م بتهمة التخطيط للقيام بعملية انتحارية داخل المدرسة التي كان يدرس فيها.
يُشار إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت ازديادًا مقلقًا في ظاهرة استقطاب الشباب للانضمام للتنظيمات المتطرفة في أوروبا؛ فوفقًا لتقرير صادر عن الوكالة الأوروبية للشرطة (Europol) عام ٢٠٢٢م ارتفع عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق من خمسة آلاف عام ٢٠١٤م إلى أكثر من ١٨ ألفًا عام ٢٠٢١م، وتشير التقديرات إلى أن هذا الرقم قد تضاعف منذ ذلك الحين.
يرجع هذا الارتفاع في معدلات الاستقطاب إلى عوامل متعددة، تشمل:
· الخطاب المتطرف المتزايد على الإنترنت: أصبحت منصات التواصل الاجتماعي وأدوات التواصل الأخرى أرضًا خصبة لنشر خطاب الكراهية والدعاية المتطرفة، التي تستهدف الشباب الذين يعانون مشاعر العزلة، والتهميش، وتذبذب الهوية بصفة خاصة.
· الحروب والصراعات: تخلق الصراعات تدفقًا هائلًا من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، بعضهم مُعرَّض لاعتناق الأفكار المتطرفة، أو التأثر بالصراعات المسلحة.
· تنامي مشاعر الكراهية ضد الإسلام والتمييز: تُسهم مشاعر الكراهية والعداء ضد الإسلام أو ما يطلق عليه: "الإسلاموفوبيا" والتمييز ضد المسلمين في شعور بعض الشباب بالتهميش والغضب، ما يجعلهم أكثر عرضة للتطرف.
حلول مأمولة:
تُبذَل جهودٌ حثيثة على المستوى الأوروبي والعالمي لمكافحة ظاهرة التطرف والتصدي لمحاولات إغواء الشباب واستمالتهم لاعتناق الفكر المتطرف، ويشمل ذلك:
· تعزيز ثقافة التسامح والاندماج: من خلال تنفيذ برامج تهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل والاحترام بين مختلف الثقافات والأديان.
· مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت: إذ تُتَخَذ إجراءات عدة لمكافحة خطاب الكراهية والدعاية المتطرفة على الإنترنت من خلال التعاون مع شركات التكنولوجيا والحكومات.
· دعم برامج إعادة التأهيل: تُقدم برامج لمساعدة من انخرطوا في التطرف على إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع.
· دعم برامج التوعية: يجب دعم برامج التوعية التي تُعلم الشباب مخاطر التطرف العنيف.
· توفير فرص أفضل للشباب: إذ ينبغي توفير فرص أفضل للشباب في مجالات التعليم، والتوظيف، واكتساب الخبرات الحياتية، وتنمية المهارات الحياتية.
وختامًا، يهيب مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالآباء والمربين متابعة الأبناء ورعايتهم رعاية دقيقة، لا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، وما يحمله هذا التطور من فرص وتحديات لتحقيق حياة أفضل، وتحقيق الاستفادة من الموارد المتاحة بما يخدم البشرية ويحقق تنمية المجتمعات، ويدرأ مخاطر استغلال التكنولوجيا لخدمة أغراض شخصية، وتحقيق مصالح خاصة هدفها جلب النفع لمجموعة بعينها ولو على حساب أمن الجميع وسلامة أفراده. كما يشدد المرصد على أن التنظيمات المتطرفة تبذل قصارى جهودها لتحقيق الانتشار الذي يضمن لها فرص السيطرة على أكبر نطاق ممكن من الأرض، الأمر الذي لن يتحقق إلا من خلال امتلاك العنصر البشري والمادي اللازميْن لتنفيذ مخططات تلك التنظيمات.
من هنا تبرز الحاجة إلى التوعية والتثقيف والتحصين للشباب والناشئة من الفكر المتطرف والآراء الشاذة والسلوكيات المنحرفة التي باتت تنتشر في المجتمعات انتشار النار في الهشيم، وأصبحت تنتقل من مجتمع لآخر انتقال الفيروسات القاتلة والعدوى المميتة التي لا يجني العالم من ورائها إلا الخراب، والدمار للبلاد والعباد.
وحدة البحوث والدراسات