يمثل تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر تهديدًا خطيرًا لأمن الاتحاد الأوروبي وأمانه، إضافة إلى خطورة المتورطين في تلك الأعمال الإجرامية. يسلط هذا التقرير الضوء على أن كلتا الجريمتين مرتبطتان بأشكال أخرى من الجريمة المنظمة، إذ ينخرط المجرمون في كثير من الأنشطة غير المشروعة ويستفيدون من البنية التحتية القائمة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح. وقد أتاحت الأزمات الاقتصادية الحالية والبيئة الرقمية والمشهد الجيوسياسي الحالي فرصًا جديدة للشبكات الإجرامية كي تنفيذ أنشطتها غير المشروعة؛ ففي عام ٢٠٢٣ وصلت معدلات الهجرة غير الشرعية أعلى مستوياتها منذ عام ٢٠١٦، ما دفع المركز الأوروبي لمكافحة تهريب المهاجرين التابع لليوروبول (EMSC) للتعامل مع الأمر. ويوضح التقرير أهمية فرق العمل التنفيذية ومدى تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الدولي لوضع حد فعَّال لتلك التهديدات. كما يُبرز التقرير ارتفاع مستويات العنف المرتبط بتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. ويشير إلى أن الشبكات الإجرامية تستخدم التكنولوجيا الحديثة والمتطورة لتسهيل أنشطتها. ومن ثم، يدعو التقرير إلى اتباع نهج منسق للتصدي لتلك الجرائم، مشددًا على الحاجة الماسة إلى التعاون بين الحكومات ووكالات إنفاذ القانون والمنظمات الدولية.
كيف تعمل الشبكات الإجرامية؟
تستخدم الشبكات الإجرامية التي تعمل في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر بعض الإستراتيجيات المتطورة لتسهيل عملياتها. وتهدف تلك الإستراتيجيات إلى استغلال الأفراد الضعفاء وتعظيم الأرباح. وفي ما يلي عرضٌ لبعض الإستراتيجيات كما وردت في التقرير:
الوثائق المزورة والمعدلة: يلجأ مهربو المهاجرين والمتاجرون بالبشر إلى إصدار وثائق مزورة بالكامل ونشرها، أو وثائق أصلية معدلة أو وثائق شبيهة لمساعدة المهاجرين غير الشرعيين وضحايا الاتجار بالبشر على دخول الاتحاد الأوروبي أو إضفاء الشرعية على إقامتهم بعد وصولهم إلى بلدان الاتحاد. وغالبًا ما تكون تلك الوثائق مسروقة أو متداولة في الأسواق غير القانونية على الإنترنت أو متاحة للشراء المباشر في مراكز العبور من مكان لآخر.
عمليات التزوير المنظمة: تدير بعض الشبكات أعمال تزوير متطورة، إذ تجهز وثائق سفر ووثائق هوية عالية الجودة. فعلى سبيل المثال: قدمت شبكة إجرامية في اليونان عروضًا كاملة للتهريب الجوي، بما في ذلك تذاكر السفر والوثائق المزيفة وفرض رسوم كبيرة على كل شخص.
الهياكل التجارية القانونية: تستغل الشبكات الإجرامية الأعمال التجارية القانونية لتيسير تجنيد المهاجرين غير الشرعيين وإيوائهم ونقلهم. وقد تكون تلك الشركات بمثابة "منظمات أمامية" لاستغلال الضحايا أو غسل الأموال أو تحصيل الوثائق اللازمة للمهاجرين.
خدمات النقل: غالبًا ما يعتمد المهربون على المجموعات الإجرامية التي توفر القوارب والمعدات البحرية للطرق البحرية. وتتولى بعض الشبكات الكبيرة إدارةَ لوجستياتها الخاصة، ما يدل على امتلاكها قدرات تشغيلية كبيرة.
أساليب الترهيب: يتوسع المهربون في استخدام أساليب العنف أو التهديد المباشر ضد المهاجرين غير الشرعيين لفرض السيطرة عليهم أو لتحصيل رسوم إضافية، ويشمل ذلك اكتظاظ القوارب بالمهاجرين واستخدام أساليب نقل غير آمنة، ما أدى إلى وفيات كثيرة بين المهاجرين غير النظاميين في عام ٢٠٢٣.
استغلال ضعف المهاجرين: يجد كثير من المهاجرين غير الشرعيين أنفسهم في أوضاع استغلالية، وغالبًا ما يجبرون على العمل أو الاستغلال الجنسي لسداد ديون التهريب.
وسائل التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري: تستخدم الشبكات الإجرامية منصات التواصل الاجتماعي السائدة للإعلان عن خدماتها وتجنيد المتعاونين. كما تستخدم تطبيقات التراسل الفوري للتواصل الآمن في ما يتعلق بعدد من العمليات وتفصيلاتها.
تداول العملات الرقمية: ثمة اتجاه متزايد لاستخدام العملات الرقمية في المدفوعات، ما يسمح للمهربين بالعمل بمزيد من السرية. وغالبًا ما يحدث الجمع بين هذه الطريقة وأنظمة غسل الأموال التقليدية - مثل الحوالة – إمعانًا في إخفاء المعاملات المالية وطمس آثارها.
التنسيق بين الأنشطة الإجرامية: تتعاون الشبكات الإجرامية في كثير من الأحيان عبر الحدود، وتتقاسم المهام والموارد مثل التجنيد والنقل واستغلال الأفراد. ويعقّد هذا الترابط جهود إنفاذ القانون، إذ يصبح تحديد الشخصيات الرئيسة داخل تلك الشبكات أمرًا معقدًا للغاية.
تغيير المسارات: يحرص المهربون على اتخاذ مسارات مختلفة وتغييرها بسرعة لمواجهة ضغوط أجهزة إنفاذ القانون. فعلى سبيل المثال، قد يغير المهربون الطرق والمسارات التي يسلكونها من حين لآخر، ويتوجهون إلى طرق أقل مراقبة لتجنب التعرف عليهم.
توزيع الموارد: تُظهر الشبكات مستوى قويًّا من الاستجابة للتطورات الخارجية، ما يسلط الضوء على الإعدادات اللوجستية القوية التي تسمح لها بتوسيع نطاق العمليات بكفاءة.
أهم الجهود الدولية لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر:
1. التحالف العالمي لمكافحة تهريب المهاجرين: أطلقت المفوضية الأوروبية في نوفمبر ٢٠٢٣ هذه المبادرة لتعزيز أدوات المركز الأوروبي في مكافحة تهريب المهاجرين. ويهدف التحالف إلى تعزيز دور اليوروبول والمركز الأوروبي لإدارة الهجرة غير الشرعية مع تعزيز التعاون بين الوكالات. ويسعى التحالف كذلك إلى تعزيز التنسيق بين ضباط الاتصال وتعزيز قدرات الإبلاغ ودعم التحقيقات.
2. تعاون اليوروبول مع بلدان العالم الثالث: يشارك المركز الأوروبي لمكافحة تهريب المهاجرين في المناقشات التي يجريها الاتحاد الأوروبي لإدماج دول العالم الثالث في مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وهذا أمر مهم بالنظر إلى أن تحديد هوية قادة الشبكات الإجرامية ما يزال يشكل تحديًا يحول دون تعاون البلدان الواقعة على طول طرق التهريب والاتجار بالبشر.
3. فرق العمل الإقليمية التنفيذية: شُكِلَت فرق العمل العملياتية الإقليمية للعمل في المناطق الرئيسة لتهريب المهاجرين من أجل تعزيز إجراءات إنفاذ القانون وتوجيه دعم اليوروبول إلى البلدان المتضررة مباشرة. وهذا النهج ضروري للتصدي لمستويات العنف المرتفعة التي تمارسها الشبكات الإجرامية عبر الطرق الواقعة غرب البلقان.
4. تبادل المعلومات والاستجابة للأزمات: يضاف إلى الدعم التنفيذي مشاركة خبراء المركز الأوروبي لمكافحة تهريب المهاجرين في منصات متعددة مثل (المنهاج الأوروبي المتعدد التخصصات لمكافحة التهديدات الجنائية) (EMPACT)، وقد انبثقت من ذلك مشاركة نشطة في مبادرات تبادل المعلومات والاستجابة للأزمات.
5. تعزيز قدرات البلدان المتضررة: يسلط التقرير الضوء على أهمية تعزيز قدرات البلدان المتأثرة مباشرة بتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
بناء على ما تقدم، يتجلى أن قضية الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر والاتجار فيهم إنما هي من سوءات العصر الكبرى التي توجب أعلى مستويات التعاون والتنسيق بين البلدان التي تشكل أطراف تلك القضية. لذلك، يدعو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنه لا مناص من تعزيز التعاون في المجالات التالية لمحاصرة تلك الظاهرة وإنقاذ الأرواح ومحاسبة الجناة:
أولًا: تعزيز التنسيق على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية كافة.
ثانيًا: التعاون على مستوى تبادل الخبرات وتشكيل فرق العمل المتخصصة المشتركة بين البلدان المعنية.
ثالثًا: إيجاد إطار عادل لتحقيق الهجرة المشروعة المؤقتة بما يعود بالنفع على الأطراف كافة.
رابعًا: الجدية في نقل التكنولوجيا والمعدات -الأرضية والبحرية والجوية، والفضائية إذا لزم الأمر- إلى البلدان المصدِّرة للبشر كي يتسنى لها ضبط الحدود وتذليل تحديات الهجرة غير المشروعة.
خامسًا: التعامل الجاد الصادق مع أسباب الهجرة ودوافعها على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية.
سادسًا: مساعدة الدول المصدرة للهجرة أو الدول المعابر في خضم التحولات السياسية والاقتصادية كي تستعيد مؤسساتها وفاعليتها.
سابعًا: الجدية التامة في إنفاذ مقررات واتفاقيات وأطر مكافحة التغير المناخي المفضي إلى القضاء على فرص العمل في البلدان المصدرة للهجرة.
ثامنًا: زيادة الاستثمارات الوطنية والأجنبية في القطاعات الكثيفة العمالة في البلدان المصدرة للهجرة كي يتسنى لها استيعاب الأيدي العاملة.
تاسعًا: التصدي الحازم للمسببات السياسية للهجرة؛ ومن ذلك التصدي لسقوط مؤسسات الدول بسبب القلاقل السياسية-الاجتماعية، أو الهيمنة غير المنصفة على الموارد الطبيعية المشتركة بين عدة بلدان كما في حالات الأحواض النهرية المشتركة.
عاشرًا: المسارعة بتخفيف أعباء الديون عن البلدان المثقلة بالديون المصدرة للهجرة، وذلك بتحويلها إلى استثمارات مشتركة مع الدول الدائنة بما يحقق الأهداف المشتركة على صعيد توفير فرص العمل ومكافحة الهجرة غير المشروعة.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية