اجتاح تنظيم داعش الإرهابي في أغسطس ٢٠١٤ "جبل سنجار" شمالي العراق، موطن الإيزيديين الذين تعرضوا لموجة من الاضطهاد الآثم على يد التنظيم في خلال المدة من ٢٠١٤ حتى ٢٠١٧؛ إذ اقترف أعضاء التنظيم إبان تلك الفترة جرائم وحشية ضد أفراد هذه الفئة، وقتلوا مئات الرجال والأطفال، واختطفوا النساء واستعبدوهن جنسيًّا. ولا يزال أكثر من ٢٧٠٠ شخص في عداد المفقودين، مع استمرار استخراج الجثث من مقابر جماعية في "سنجار" حتى اليوم.
شاهدات على الأحداث
أدلى شهود عيان بشهاداتهم للمواقع والقنوات الإخبارية على ما تعرضت له هذه الفئة المسالمة على يد التنظيم الإرهابي، ومن أشهر هؤلاء الفتاة "نادية مراد" الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في عام ٢٠١٨. وكان تنظيم داعش قد اختطفها وقتل ستة من أشقائها. وقصتها معروفة ومشهورة، وسبق لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن عرض تجربتها الأليمة، بل استقبلها عندما جاءت إلى مشيخة الأزهر في عام ٢٠١٥.
ومن الشهود أيضًا فتاة اسمها "علياء بيرسيس"؛ أدلت بشهادتها لموقع "روجا ويلات" الناطق بالتركية، قائلةً: "شهدت مقتل والدي وشقيقي وأعمامي الأربعة، وكنت وقتها في التاسعة من عمري، وفصلوني عن والدتي، وباعوني ست مرات لأفراد مختلفين، كان أحدهم سوريًّا يكبرني بنحو ٥٠ عامًا، وتعرضت للعنف البدني واللفظي". وقد اختطف تنظيم داعش ٣٣ شخصًا من عائلة "علياء بيرسيس"، تسنى إنقاذ ١٤ منهم، فيما عُثر على بعضهم قتلى، وما زال البعض الآخر في عداد المفقودين[1]."
وتُعد تجارب "نادية مراد" و"علياء بيرسيس" وغيرهما توثيقًا حيًّا لفظائع تنظيم داعش ومعاناة الإيزيديين.
أرقام وإحصاءات
يعد النزوح واللجوء سمة أساسية في حياة الإيزيدين منذ عام ٢٠١٤، وتشير الإحصائيات إلى أن أزمة النزوح الإيزيدي في "دهوك" العراقية تتفاقم، حيث يعيش أكثر من ٢٥ ألف عائلة داخل المخيمات، في حين يعيش أكثر من ٣٧ ألف عائلة خارجها في ظروف معيشية صعبة، ما يرفع العدد الإجمالي للنازحين إلى نحو ٣٣٧ ألف شخص.
وفي تركيا يشير تقرير صدر في عام ٢٠٢٢ عن جمعية "دعم الحياة" المعنية باللاجئين، ومقرها إسطنبول، إلى أن نحو ٢٢ ألف إيزيدي لجأوا إلى تركيا هربًا من الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ عام ٢٠١٤.
وتشير دراسات ميدانية أخرى إلى أن العدد الفعلي تجاوز ٣٠ ألف لاجئ. وتشير بيانات مديرية الهجرة في مدينة "ماردين" التركية لعام ٢٠٢٢ إلى وجود نحو ١٥٠٠ إيزيدي عراقي في المدينة، منهم ١٣٥٠ مسجلين رسميًّا و١٥٠ آخرين غير مسجلين. هذا بخلاف الإيزيدين الذين فروا إلى ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب.
ردود الفعل الدولية:
لم يقف المجتمع الدولي صامتًا أمام الجرائم الوحشية التي تعرض لها الإيزيديون في العراق، فتوالت الإدانات لإجرام داعش، والمطالبات بإنقاذ هذه الفئة من إرهابه. ويمكن استعراض ردود الفعل الدولية إزاء قضية الإيزيديين على النحو الآتي:
إدانات دولية:
الأمم المتحدة: أصدرت الأمم المتحدة إدانات قاطعة للجرائم التي ارتكبها داعش، ووصفتها بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويضع هذا التصنيف القانوني جرائم داعش في إطارها الصحيح، ويفتح الباب أمام المساءلة القانونية الدولية.
منظمات حقوق الإنسان: نهضت بعض منظمات حقوق الإنسان بدور حيوي في توثيق الانتهاكات التي تعرض لها الإيزيديون، ونشرت تقارير كشفت عن حجم المأساة. هذه التقارير كانت بمثابة دليل قوي على الجرائم المرتكبة، وأسهمت في الضغط على المجتمع الدولي للتحرك.
الدول الغربية: أدانت دول غربية متعددة، جرائم داعش ضد الإيزيدين، وطالبت بمحاكمة المسئولين عنها؛ وقرر بعض تلك الدول إحياء الذكرى السنوية العاشرة لتلك المأساة في هذا الشهر.
المنظمات الدولية: عبرت منظمات إقليمية ودولية، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي، عن تضامنها مع الإيزيديين، ودعت إلى تقديم الدعم لهم.
التصنيف القانوني:
الإبادة الجماعية: صنفت دول متعددة جرائمَ داعش ضد الإيزيدين باعتبارها جرائم إبادة جماعية، وهو التصنيف الأكثر خطورة في القانون الدولي. هذا التصنيف ينم عن نية داعش القضاء على الطائفة الإيزيدية، وهو ما يوجب أشد العقوبات.
دور الإعلام:
نهض الإعلام الدولي بدور حاسم في نشر مأساة الإيزيديين. وساعدت التقارير والصور والفيديوهات التي بثتها بعض وسائل الإعلام في كشف الحقيقة للعالم، وحشد الدعم الشعبي للقضية الإيزيدية.
دعم الأزهر الشريف لقضية الإيزيديين
استقبل فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الناجية من تنظيم داعش، نادية مراد، في ٢٧ من ديسمبر ٢٠١٥ في مقر مشيخة الأزهر، وأعرب عن تعاطف الأزهر مع مأساتها الإنسانية التي تعرضت لها على يد عناصر التنظيم الإرهابي، مؤكدًا أن تنظيم داعش يخالف بأفعاله الإجرامية جميع الشرائع السماوية والأديان والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية التي تحرم الاعتداء على النفس البشرية؛ أيًّا ما كان معتقدها أو لونها أو جنسها.
وفي اللقاء ذاته عبرت "نادية مراد" عن تقديرها لدور الأزهر في تعزيز السلام المجتمعي ودعم أواصر الأخوة الإنسانية. وأشارت إلى تاريخ العيش المشترك الطويل بين المسلمين والإيزيديين في العراق، ودعت دول العالم الإسلامي إلى التعاون في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله.
قانون الناجيات العراقي
في مواجهة إرهاب داعش ضد فئات معينة من المجتمع العراقي، أقر برلمان العراق في مارس ٢٠٢١ "قانون الناجيات الإيزيديات"، الذي اعتبر خطوة فارقة في مسار تحقيق العدالة للآلاف من الضحايا الإيزيديين والتركمان والمسيحيين.
ويهدف هذا القانون إلى معالجة الجراح العميقة التي خلفها تنظيم داعش، من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي للناجين، وتعويضهم عن الخسائر التي تعرضوا لها، والحيلولة دون تكرار تلك الجرائم في المستقبل. وينص القانون على عدة نقاط رئيسة، أهمها:
- معالجة الأضرار الجسدية والنفسية التي لحقت بالناجيات والناجين من جرائم داعش.
- منح الحقوق اللازمة للناجيات ولكل المشمولين بأحكام القانون، بما في ذلك إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
- التعويض المادي عن الخسائر التي لحقت بهم.
- منع تكرار الجرائم التي تعرضوا لها في المستقبل.
- تخصيص رواتب تقاعدية للناجيات والناجين، إضافة إلى توفير قطع أرض لهم.
- تعليمهم ومنحهم حصة من وظائف القطاع العام، بهدف تمكينهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا.
ويعد هذا القانون خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للإيزيديين، ويمثل جهدًا كبيرًا في معالجة آثار الجرائم التي ارتكبت ضدهم، إضافة إلى تأمين حقوقهم المدنية والاجتماعية في المجتمع العراقي.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن جرائم داعش ضد الإيزيديين قد عصفت بالضوابط الأخلاقية والقانونية، ما أثار ردود فعل غاضبة في جميع أنحاء العالم وحقق تضامنًا قويًّا مع الإيزيدين، في مشهد إنساني وإيجابي للغاية غلّب فيه المجتمع الدولي البعد الإنساني الأخلاقي الذي يفتقده حتى الآن في تعامله مع الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وصدق فضيلة الإمام الأكبر حين قال في تعليقه على صمت المنظمات الدولية على إبادة مسلمي الروهينجا: "ونحن على يقين من أن هذه المنظمات العالمية كانت ستتخذ موقفًا آخر مختلفًا، قويًّا وسريعًا، لو أن هذه الفئة من المواطنين كانت يهودية أو مسيحية أو بوذية أو من أتباع أي دين أو مِلَّة غير الإسلام".
وحدة الرصد باللغة التركية
[1]