تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحيز الثقافي والقيمي والديني: التحديات والتأثيرات

  • | الأربعاء, 18 سبتمبر, 2024
تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحيز الثقافي والقيمي والديني: التحديات والتأثيرات
يسهم التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في تغيير جوانب متعددة من حياتنا اليومية، ومع هذا التطور برزت تحديات عديدة، منها: التحيز الثقافي، والقيمي، والديني في برمجة هذه الأنظمة؛ إذ يثير هذا التحيز تساؤلات حول مدى ملاءمة التكنولوجيا للقيم الثقافية والدينية المتنوعة حول العالم، وخاصة في عالمنا العربي، ما يستدعي أن نكون على دراية وفهم أعمق لتقنيات الذكاء الاصطناعي، ومعرفة تأثيراتها، وكيفية معالجتها.
 
وفي سبيل التعرف على أسباب التحيز الثقافي والقيمي والديني لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا برامج المحادثة الذكية كتطبيق (Chat GPT) وغيره، ينبغي أولًا التعرف على طبيعة برمجة تلك التطبيقات والتي منها:
- البيانات التي تستخدم في برمجة بيانات غير متنوعة ومحدودة؛ إذ تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي بيانات ضخمة، وهذه البيانات المجموعة غير متنوعة ثقافيًّا ولا دينيًّا، لأنها محدودة بخلفية مُدخِل هذه البيانات، وتوجهاته، وأهدافه فقط.
- التجانس الثقافي للمبرمجين؛ يمكن أن يؤدي ضعف أو انعدام التنوع الثقافي والديني لدى مبرمجي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تجاهل احتياجات وتوقعات ثقافات وديانات بعينها، كما أن عدم الوعي بالاختلافات؛ أي عدم وجود خبراء في الثقافات والديانات المتنوعة يمكن أن يؤدي إلى تصميم برامج وأنظمة ذكية لا تتناسب مع مجموعة واسعة من القيم والممارسات.
- التعميم المفرط: في أثناء محاولة تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يلبي احتياجات شعوب ومجتمعات متنوعة، يلجأ مصممو تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تبسيط القيم الثقافية والدينية تبسيطًا مُخلًّا، ومن ثمّ يضعون افتراضات عامة عن القيم والممارسات الثقافية والدينية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تجاهل التفاصيل الدقيقة والاختلافات الفردية**، فاعتماد أنماط عامة قد يتسبب في عدم مراعاة الخصوصيات الثقافية والدينية، ما يجعل تلك الأنظمة غير ملائمة لبعض المستخدمين من أتباع الثقافات والديانات المختلفة.
التأثيرات السلبية للتحيز الثقافي والديني والقيمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي:
يمكن أن يؤدي التحيز الثقافي والديني إلى التمييز ضد الأفراد من ذوي الخلفيات المختلفة، ما يسهم في عدم استفادة كثير من الشعوب والمجتمعات من التكنولوجيا استفادة عادلة وآمنة، ويحدث ذلك بسبب التحيز الذي يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية ويزيد من في الاستقطاب والتمييز.
الترويج لبعض الأفكار المنافية للدين والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في مجتمع ما، كالترويج لفكرة الإلحاد والشذوذ الجنسي، وهذا ملحوظ بوضوح عند إجراء محادثة أو دردشة مع تقنيات المحادثة الذكية.
انخفاض الثقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي من المستخدمين؛ فعندما يشعر الأفراد أن الأنظمة التكنولوجية لا تتوافق مع قيمهم الثقافية والدينية، فإنهم قد يفقدون الثقة في هذه التكنولوجيا، ما يدفع البعض لتجنب استخدام التكنولوجيا التي لا تراعي قيمهم، ما يؤثر على الاعتماد على التكنولوجيا بصفة عامة.
وختامًا كيف يمكن معالجة التحيز الثقافي والديني لتطبيقات الذكاء الاصطناعي:
أولًا : مراعاة التنوع في تشكيل فرق البرمجة والتطوير، من خلال تشكيل فرق برمجة وتطوير متنوعة ثقافيًّا ودينيًّا، بما يساعد على تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي تعكس احتياجات وتوقعات مجموعة واسعة من المستخدمين في كل الدول ومن مختلف الخلفيات الثقافية، والدينية، والفكرية.
ثانيًا: استشارة خبراء من جميع الدول، ومن ثقافات وديانات مختلفة في المحتوى المدخل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، لضمان مراعاة القيم، والدين، والثقافة، والعادات والتقاليد لكل المجتمعات.
 
ثالثًا: جمع بيانات متنوعة وشاملة من مصادر متعددة، بما يمكن أن يساعد في تقليل فجوة التحيز الثقافي والديني في تطبيقات الذكاء الاصطناعي**،** ومراجعة البيانات باستمرار لضمان تفادي أي من مظاهر التحيز لثقافة، أو لدين بعينه على حساب الثقافات والديانات الأخرى.
 
رابعًا : اختبار ومراجعة الأنظمة الذكية وخاصة برماج المحادثة الذكية؛ لأن ذلك يساعد في تحديد أوجه التحيز الثقافي والديني ومعالجتها، واختبار الأنظمة في سياقات ثقافية ودينية متنوعة لتحديد أي تحيزات قد تظهر، ويعقب ذلك تعديل وتحسين الأنظمة بناءً على نتائج الاختبارات والمراجعات.
 
وفيما يلي عرض لأمثلة لردود تطبيقات المحادثة الذكية وهي إحدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي عن قضيتي ( الشذوذ الجنسي، والإلحاد)
 
 
وفي النهاية، نؤكد أن استخدام التكنولوجيا ومواكبة متغيرات العصر ومستجداته ضرورة حتمية، ولكن علينا أن نتعامل معها بحكمة وذكاء شديدين، حتى لا ننزلق في هوة الانسياق وراء أفكار ليست لنا، ولا تتسق وتربيتنا وثقافتنا وأعرافنا المجتمعية، فضلًا عن تناقضها مع تعاليم الدين الحنيف، ولعل المتتبع للظواهر التي تشهدها المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، يجد أن كثيرًا منها عبارة عن أفكار معلَّبة استوردناها كما هي دون أن نعرضها على ميزان الدين والعُرف المجتمعي، ما أسهم في ظهور أمراض غريبة على مجتمعاتنا، وصرنا أسرى للتقليد الأعمى دونما تفكير فيما يمكن أن يكون مناسبًا لنا مما لا يليق بنا ولا يتماشى مع ثقافتنا وتعاليم ديننا.
 
 
 
المصادر:
 
نصار، مها يسري (2023). المسئولية القانونية للذكاء الاصطناعي. المجلة القانونية، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، فرع الخرطوم، مج (17)، ع (7)، ص ص1489 – 1512.
بريبر، عبد النور بن نوار (2024). رؤية مقاصدية في إخطار وآفاق" الذكاء الاصطناعي" وتطبيقاته، جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي، كلية العلوم الإسلامية، مخبر الدراسات الفقهية والقضائية، ص ص 57 – 76,
 
وحدة البحوث والدراسات
طباعة