مقومات العيش المشترك في الخطاب الإسلامي (1)

  • | الإثنين, 1 أغسطس, 2016
مقومات العيش المشترك في الخطاب الإسلامي (1)

(1) من قيم الخطاب القرآني، اللين في القول، والرد بالتي هي أحسن عند المجادلة.

من أصول الخطاب الإسلامي ، إعلاء قيمة التقارب الإنساني من خلال مباديء تقوم على الإحسان في القول والمجادلة بالحسنى، لإعطاء فرصة لحوار بناء بين قوى المجتمع على نحو يُمَكِّن للسلم العام والعدالة الاجتماعية كأساس لبناء الدولة.
إعلان مبدأ اللين في القول، والرد بالتي هي أحسن، كإطار للعيش المشترك، دلت عليه نصوص القرآن والسنة، قال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.[فصلت:34]
تهدف الآية الكريمة، إلى إعلاء قيمة التقارب الإنساني عن طريق الإحسان إلى من أساء، فربما قاده الإحسان إليه إلى تحوّل قلبه من الضغينة إلى الصفاء، ومن الجفاء إلى الحنوّ، حتى يصير كأنه قريب لمن أحسن إليه.
وفي الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»( ).
بل إن القرآن الكريم جعل اللين في القول والفعل، أحد مقومات رسالة الإسلام وسمة من السمات الشخصية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران:159].
فقد كشفت الآية، أن من صفات القادة وأصحاب الرسالات، أن يدركوا أن الرحمة في الخطاب تؤلف، وأن الغلظة في القول تفرق، وبطبيعة الحال فإن بناء العيش المشترك إنما يقوم على التآلف والتعارف،  لا على التقاطع والتناكر، وهو ما يحتاج إلى فن تطييب النفوس عن طريق اللين في القول، والتشاور في القواسم المشتركة، نبذاً للتفرق، واعتصاما بوحدة الدولة، وتفعيلا للأخوة الإنسانية، إعمالا لقوله تعالى :{ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }.
وعلى نفس النهج، أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحماية أيضا،ً وجعلها ميثاقاً واضحاً في آخر عهده بالدنيا في يوم الحج الأكبر، حيث قال في الصحيح: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ "، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "( ) .
فقول الرسول: أيها الناس يؤكد أن الخطاب للناس جميعاً وأن الحماية للنفس، والمال، والعِرض في منهج الإسلام، مقررة لكل الناس.
ورداً لوحدة الأصل والنشأة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1].
فآية بهذا التأصيل لوحدة النشأة، تحمل خطاباً شرعياً لبنى آدم جميعاً على اختلاف عقائدهم، وأصنافهم، وصفاتهم، وألوانهم، ولغاتهم، أن يتقوا الله الخالق، فيصلوا الرحم الإنسانية ولا يقطعوها.
ذلك أن جميع الناس  لهم شرف النسب إلى آدم وحواء فالأخوة الإنسانية حاضرة- في هذه الآية الكريمة-بقوة.
قال ابن عباس في معنى الآية: اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام الإنسانية أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها. [مختصر تفسير ابن كثير1/283].

 

طباعة
كلمات دالة: