تمتاز باكستان بالتنوع الطائفي، حيث يشكل المسلمون 95% من السكان تقريبًا (75% سنة و20% شيعة)، إلى جانب أقليات مسيحية وهندوسية تمثل 5%. وعلى الرغم من هذا التنوع، شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في حدة الاشتباكات الطائفية، مما يهدد التعايش السلمي في البلاد.
مع تأسيس باكستان عام 1947، كانت الدولة تهدف لأن تكون وطنًا يجمع المسلمين بمختلف طوائفهم، غير أن الانقسامات الطائفية بدأت بالظهور تدريجيًّا نتيجة عوامل داخلية وخارجية.
كانت العلاقات بين السنة والشيعة متوازنة نسبيًّا خلال العقود الأولى، حيث لعب الشيعة دورًا كبيرًا في تأسيس الدولة، ومن أبرز الشخصيات الشيعية محمد علي جناح، مؤسس باكستان.
وخلال المدة ما بين عامي (1977-1988) وقع تصاعد الانقسام الطائفي، إذ تبنّى نظام الرئيس الجنرال ضياء الحق أجندة دينية صارمة ركزت على المذهب السني الحنفي، مما أثار قلق الأقلية الشيعية التي شعرت بالتهميش، حيث فرض نظام ضياء الحق قوانين مستمدة من الفقه السني، مثل فرض الزكاة ضريبةً إلزامية وفق المذهب الحنفي، وهو ما رفضه الشيعة الذين يعتبرون الزكاة التزامًا شخصيًّا. أدت سياسات ضياء الحق إلى مظاهرات كبيرة من قبل الشيعة، مما أسفر عن “اتفاق إسلام آباد”، الذي أعفى الشيعة من هذه القوانين.
مع بداية الحرب الأفغانية في (1980-1989) ساهم الدعم الدولي للحركات السنية المتشددة ضد السوفييت، إضافة إلى الدعم الإيراني للجماعات الشيعية، في تأجيج الصراع الطائفي.
الأسباب الرئيسية للصراع الطائفي
الأيديولوجيا المتطرفة: انتشار جماعات متشددة مثل لشكر جهنكوي التي تستهدف الشيعة بشكل مباشر، بدافع أيديولوجيا تكفيرية تصنف الشيعة مرتدين.
التدخلات الإقليمية: التنافس الإقليمي بين الدول، حيث دعمت بعض الدول الجماعات السنية المتشددة، بينما دعمت إيران الجماعات الشيعية، مما حول الصراع إلى معركة بالوكالة.
ضعف الدولة: غياب سيطرة الدولة في المناطق القبلية مثل بلوشستان وخيبر بختونخوا، مما سمح للجماعات المسلحة بالانتشار. إضافة إلى غياب العدالة والإفلات من العقاب، حيث نادرًا ما يُحاسب مرتكبو الجرائم الطائفية.
التوتر السياسي: استغلال بعض الأحزاب السياسية للانقسامات الطائفية لكسب الدعم الانتخابي، بدلًا من التركيز على القضايا الوطنية.
التطورات الأخيرة
شهدت منطقة “كرم” في إقليم خيبر بختونخوا تصاعدًا في العنف الطائفي مؤخرًا، حيث قُتل أكثر من 130 شخصًا خلال اشتباكات استمرت عشرة أيام إثر هجوم على قافلة من الحجاج الشيعة.
وأدى العنف إلى تدهور الوضع الإنساني والأمني وإغلاق الطرق الرئيسية، مما تسبب في نقص الإمدادات الطبية والغذائية. وعلى الرغم من تدخل الحكومة ونشر قوات الأمن، لا تزال الأوضاع متوترة.
الحلول المقترحة
يتطلب حل الأزمة الطائفية إستراتيجية شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع وتعزز الوحدة الوطنية:
تعزيز الأمن من خلال:
نشر قوات أمن مدربة في المناطق المتأثرة بالعنف.
فرض قوانين صارمة لمحاسبة الجماعات المسلحة وإحكام سيطرة الدولة على المناطق القبلية.
الحوار بين الطوائف من خلال:
إنشاء منصات تضم قيادات دينية من السنة والشيعة لتعزيز التفاهم المشترك وتسوية النزاعات.
تنظيم مؤتمرات وطنية للحوار الطائفي.
إصلاح المناهج الدراسية من خلال:
إزالة المحتويات التي تعزز الكراهية الطائفية.
إدراج قيم التسامح والتعايش في المناهج.
تنظيم الإعلام من خلال:
وضع قوانين تجرم بث المحتويات الطائفية التي تحرض على الكراهية.
تشجيع وسائل الإعلام على نشر رسائل التسامح.
تعزيز التنمية في المناطق المتأثر: من خلال:
تحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية في المناطق التي تعاني من التوتر الطائفي.
إصلاح القوانين الانتخابية:
منع استخدام الخطاب الطائفي في الحملات الانتخابية.
تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التركيز على القضايا التنموية بدلًا من الانقسامات الطائفية.
الخلاصة أن الصراع الطائفي بين السنة والشيعة في باكستان يمثل تحديًا خطيرًا لوحدة البلاد واستقرارها، ومع ذلك، يمكن للحكومة والشعب الباكستاني تجاوز هذه الأزمة من خلال تبني حلول مستدامة تعزز التعايش السلمي وتضع حدًّا لاستغلال الانقسامات الطائفية من قبل الجماعات المتطرفة والسياسية.