تُعد “مانيبور” واحدة من الولايات الجبلية في شمال شرق الهند، تحدها من الشرق “بنجلاديش” ومن الغرب “ميانمار”، ويعيش فيها نحو 3.7 مليون نسمة، ينقسمون بين عرقيات مختلفة أبرزها أغلبية “الميتي” بنسبة تزيد عن 53%، وأقليات “الكوكي” و”الناغا” بنسبة تقارب 43%. تتمركز “الميتي” ذات الأغلبية الهندوسية في وادي “إيمفال”، بينما تعيش “الكوكي” ذات الأغلبية المسيحية في التلال المحيطة وما وراءها.
تخضع الولاية لحكم حزب “بهاراتيا جاناتا”، بقيادة “إن بيرين سينغ”، وهو من عرقية “الميتي”. تُهيمن هذه الأغلبية على المشهد السياسي بحصولها على 40 مقعدًا من أصل 60 في البرلمان المحلي، رغم أن عددهم النسبي لا يتجاوز 53% من السكان.
جذور الصراع: أربعون عامًا من العنف
يمتد تاريخ النزاعات في “مانيبور” إلى أربعة عقود، حيث شهدت الولاية صراعات متواصلة بين ميليشيات “الميتي”، “الكوكي”، و”الناغا”. هذه الصراعات المستمرة عمّقت فقدان الثقة بين الأهالي وقوات الأمن، وحولت النزاع إلى ما يشبه الحرب الأهلية.
تفاقمت الأزمة عندما طالبت قبيلة “الميتي” بالحصول على حصص إضافية في الوظائف الحكومية وحق الاندماج في الجامعات، ما يتيح لهم شراء الأراضي والإقامة في المناطق التي يسيطر عليها “الكوكي”. واجهت هذه المطالب احتجاجات من “الكوكي”، الذين خشوا فقدان نفوذهم وأراضيهم.
تصاعد العنف.. أحداث بارزة
شهد العام الماضي تصاعدًا ملحوظًا في حدة النزاع، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الطائفتين:
مايو 2023: قتل شخصان في تبادل لإطلاق النار بين القبيلتين.
سبتمبر 2023: شهدت تظاهرات طلابية اشتباكات مع الشرطة أمام منزل حاكم الولاية، أسفرت عن إصابة 45 شخصًا. استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لفض الاحتجاجات.
هجوم بطائرات مسيرة: في سبتمبر أيضًا، تم استخدام طائرات مسيّرة لإلقاء عبوات ناسفة، مما اعتبر تصعيدًا خطيرًا.
إغلاق المدارس والجامعات: أغلقت حكومة الولاية المؤسسات التعليمية وفرضت حظر تجوال لأجل غير مسمى في محاولة لاحتواء العنف.
فيديو صادم: في نوفمبر، انتشر مقطع يظهر رجالًا من “الميتي” يعتدون على امرأتين من “الكوكي”، مما أثار غضبًا واسعًا ودفع الحكومة الهندية للتحرك.
حصيلة الصراع
قُتل ما لا يقل عن 225 شخصًا منذ مايو 2023.
أصيب أكثر من 400 شخص.
شُرد نحو 60 ألف شخص من منازلهم.
تدمير 200 قرية، 7000 منزل، و360 كنيسة.
الإجراءات الحكومية.. محاولات محدودة
نشرت الحكومة الهندية 40 ألف جندي وقوات شبه عسكرية في “مانيبور”، وفرضت حظرًا على الإنترنت ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي لمنع انتشار الشائعات، إلا أن هذه الإجراءات لم تعالج جذور الأزمة.
ردود الأفعال والاتهامات
تسبب صمت الحكومة الهندية في تفاقم الأزمة، حيث اتهم مراقبون السلطات بتغذية الانقسامات العرقية لتحقيق مكاسب سياسية. تصريح رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” جاء متأخرًا بعد انتشار الفيديو الصادم، إذ وصف الحادث بأنه “عار على الهند”، متوعدًا بمحاسبة المسؤولين.
تداعيات العنف
يُقيم الآلاف من النازحين في مخيمات إغاثة تُديرها الحكومة ومنظمات غير حكومية.
استمرار الاشتباكات يُبرز ضعف سيطرة الحكومة على الأوضاع.
استخدام العنف الجنسي سلاحًا في النزاع يُعد مؤشرًا خطيرًا على تصاعد التوترات.
صراع “مانيبور” يُعد نموذجًا للحروب الطائفية التي تُغذيها السياسة والانقسامات العرقية. الحلول المؤقتة التي تنتهجها الحكومة لا تعالج الأسباب الجذرية للعنف، مما يُبقي الولاية في دائرة الفوضى والتوتر. تحتاج الهند إلى معالجة شاملة للصراع تُركز على العدالة الاجتماعية والمساواة لضمان استقرار طويل الأمد.