تعتبر منطقة وادي كُرم الواقعة في شمال غرب باكستان واحدة من المناطق التي شهدت تاريخًا طويلًا ومعقدًا من النزاعات الطائفية والعرقية. وكانت هذه المنطقة جزءًا من القبائل الخاضعة لإدارة (FATA) ([1])، وتشكّل مسرحًا لعدة صراعات طائفية بين الجماعات السنية والشيعية، وكذلك بين قبائل أخرى ذات هويات عرقية ودينية متباينة.
في الآونة الأخيرة، تجددت الاضطرابات الطائفية بين السنة والشيعة في وادي كُرم بإقليم خيبر بختونخاه الباكستاني، حيث اندلعت اشتباكات في 21 نوفمبر الماضي، عندما تعرضت قافلة ركاب مكونة من حوالي 200 شخص أغلبهم من النساء والأطفال الشيعة تسير تحت حماية الشرطة لهجوم في منطقة منذوري، ما أسفر عن مقتل 43 شخصًا وإصابة العشرات.
وفي اليوم التالي، هاجم مسلحون منطقة “باغان” في منطقة كُرم السفلى، حيث أُضرمت النيران في أكثر من 400 منزل ومتجر. وحتى نهاية شهر نوفمبر، وصل عدد القتلى إلى حوالي 120 شخصًا و165 مصابًا من كلا الطرفين. سيستعرض هذا التقرير أسباب الصراع وتأثيراته، إضافة إلى عرض بعض الحلول والتوصيات.
أسباب الصراع
- الموقع الجغرافي لمنطقة وادي كُرم
لفهم الصراع الطائفي في منطقة وادي كُرم، يجب أولًا تحليل السمات الفريدة لهذه المنطقة. تتمتع وادي كُرم بأهمية إستراتيجية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي، حيث تشترك في الحدود مع أفغانستان وتقع على بعد مسافة قصيرة من العاصمة كابول، ما يجعلها محاطة بأفغانستان من ثلاث جهات. كما أن المنطقة تمثل معقلًا للتنظيمات الإرهابية، مثل طالبان باكستان، ما يعرقل جهود الأمن هناك.الأنشطة الإرهابية
نظرًا للموقع الجغرافي، استخدمت التنظيمات الإرهابية الأفغانية منطقة وادي كُرم قاعدة حرب خلال ثمانينيات القرن العشرين. وكانت منطقتا: “جاجي” و”تورا بورا” المتاخمة للوادي مقرًّا لأسامة بن لادن. ومع ظهور الجماعات المتطرفة مثل طالبان، زادت تعقيدات الوضع في المنطقة، إذ استغلت هذه الجماعات النزاعات الطائفية لتحقيق أهدافها، مما أدى إلى مزيد من العنف والمواجهات بين الجماعات السنية والشيعية.
- الاختلافات الدينية
تعد منطقة كُرم هي المنطقة الوحيدة في خيبر بختونخاه التي تضم أغلبية شيعية، خاصة في كُرم العليا. في المقابل، فإن معظم سكان كُرم السفلى ينتمون إلى الطائفة السنية. ويعتمد التنقل بين المنطقتين على مرور الطريق الوحيد، ما يعزز من تأجيج التوترات بين الطائفتين.
يعود تاريخ التوتر الطائفي في المنطقة إلى ما قبل تقسيم الهند في عام 1938، والحادث الطائفي الثاني في عام 1966 خلال موكب حداد في صده، وفي عام 1971، أدى بناء مئذنة مسجد جامع بارا تشينار إلى ثالث أعمال شغب طائفية كبرى، بينما اندلعت أعمال شغب في عام 1977 بعد الهجوم الذي شنه مسلحون على مؤذن مسجد بارا تشينار.
ووقع الحادث الكبير الخامس في صده عام 1982، وبعد أربعة عشر عامًا، وبالتحديد في عام 1996، اندلع القتال بسبب اتهامات بالتجديف، ثم اندلعت أعمال شغب واسعة النطاق بعد مقتل طلاب من طائفة السنة في مدرسة باراتشينار الثانوية.
وفي عام 2001 ، وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان قام المسلحون الذين ينتمون إلى منظمات إرهابية، بشن موجة جديدة من التوتر الطائفي، والتي أثبتت أنها أطول وأكثر دموية من جميع أعمال الشغب على الإطلاق، أما في عام 2007، فقد أدى رشق موكب ربيع الأول بالحجارة إلى أسوأ أعمال شغب طائفية شهدتها مدينة كُرم في تاريخ البلاد، حيث أدت تهمة القتل المزعومة إلى أعمال شغب طائفية شديدة لم ينجوا منها حتى المعلمون في المدراس، وأجبر عدد كبير من سكان المنطقة على الهجرة هذا العام.
وفي وقت لاحق من عام 2008 و 2010 و 2011 و 2020 و 2022 و 2023 ، كانت هناك عدة حوادث توتر طائفي لأسباب مختلفة، وقد شهدت المنطقة عدة أحداث طائفية منذ ذلك الحين، كان آخرها ما حدث هذا العام في 21 نوفمبر.
- النزاعات القبلية والعرقية
تعد النزاعات القبلية والعرقية من العوامل المؤثرة في تصاعد التوترات الطائفية في وادي كُرم. الصراع بين قبائل بشتونية شيعية وسنية حول الهيمنة على الأراضي والمياه أدى إلى تصعيد النزاع الطائفي. كما أن النزاعات على الأراضي، مثل النزاع في غيدو وبيوار، أضافت مزيدًا من التوتر في المنطقة.
- التدخلات الخارجية
تدخلات بعض الدول الإقليمية في الشئون الداخلية للمنطقة زادت من تعقيد الصراع الطائفي، حيث كان يتم تمويل وتوجيه الجماعات المتنازعة لتحقيق مصالح سياسية ودينية.
- تراجع دور المجتمع المدني (مجلس جيرغا)
منذ اندماج المناطق القبلية مع خيبر بختونخاه، تراجعت أهمية دور مجلس “جيرغا” القبلي، حيث تم اغتيال العديد من شيوخ القبائل بسبب ارتباطهم بالسلطات المحلية. هذا التراجع أثر سلبًا على قدرة المجتمع المدني على إدارة النزاعات وحلها.
- دور وسائل التواصل الاجتماعي
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تأجيج النزاع الطائفي، حيث يتم نشر الأخبار الزائفة والدعاية التحريضية بسرعة، مما يزيد من التوترات.
تأثير الصراع الطائفي
تسبب النزاع الطائفي في وادي كُرم في تهجير عدد كبير من العائلات من منازلهم، مما خلق حالة من عدم الاستقرار، كما أدى الصراع إلى تقسيم المجتمعات المحلية، حيث أصبح من الصعب على الأفراد من كلتا الطائفتين التعايش بسلام، كما تأثرت البنية التحتية الاقتصادية بشكل كبير، وتراجعت الزراعة والتجارة، ما أثر على سبل عيش السكان المحليين.
التوجهات والحلول لإنهاء الصراع
من أجل إنهاء الصراع الطائفي في وادي كُرم، يجب تبني إستراتيجيات شاملة تأخذ في اعتبارها الجوانب الدينية والسياسية والاجتماعية. أبرز الحلول التي يمكن اقتراحها تشمل:
- نزع السلاح
ينبغي تطبيق حملات نزع السلاح في المناطق الأكثر تسليحًا مثل “محسود”، والعمل على تمديد هذه الحملة لتشمل باقي المناطق في وادي كُرم.
- تعزيز الحكم الرشيد وتطبيق العدالة
يجب تعزيز آليات القضاء والعدالة لحل النزاعات العرقية والدينية، وتقديم تقارير دورية للجنة تسوية الأراضي لمعالجة النزاعات المعلقة.
- الحوار بين الطوائف
يجب تعزيز الحوار بين الطوائف المختلفة لحل القضايا المحلية الصغيرة قبل أن تتفاقم إلى صراعات أكبر.
- تحسين الوضع الأمني
ينبغي نشر أفضل ضباط الإدارة، الشرطة، النيابة العامة، والقضاء في وادي كُرم لتحسين الوضع الأمني وكسب ثقة السكان المحليين.
- مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي
يجب أن تتخذ الحكومة إجراءات قانونية لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومنع نشر الأخبار الزائفة أو التحريضية.
وختامًا
يُشير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى أن الصراع الطائفي في وادي كُرم هو قضية معقدة تتطلب حلولًا شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب الدينية والسياسية والاجتماعية. الحلول الجذرية تتطلب إصلاحات شاملة وتعاونًا بين الحكومة، المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية لتحقيق السلام والتعايش بين الطوائف في هذه المنطقة الحساسة.
الروابط:
https://www.bbc.com/urdu/articles/c4ng133835jo
https://www.dawnnews.tv/news/1247505/
https://www.dawnnews.tv/news/1247702/
https://www.dawnnews.tv/news/1246936/
https://www.dailyurdu.net/hot-news/82903/
https://www.urduvoa.com/a/sectarian-clashes-claim-more-than-80-lives-in-pakistan-24nov2024/7875043.html
[1] كانت المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، والمعروفة باسم FATA، منطقة قبلية شبه مستقلة في شمال غرب باكستان، وهي موجودة منذ عام 1947 حتى تم دمجها مع مقاطعة خيبر بختونخوا المجاورة في عام 2018 من خلال التعديل الخامس والعشرين لدستور باكستان. وتتكون من سبع وكالات قبلية (مقاطعات) وست مناطق حدودية، وكانت تحكمها الحكومة الفيدرالية مباشرة من خلال مجموعة خاصة من القوانين تسمى لوائح جرائم الحدود.