الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا.. تصاعد الخطر وتزايد التمييز ضد المسلمين

  • | الخميس, 2 يناير, 2025
الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا.. تصاعد الخطر وتزايد التمييز ضد المسلمين

في خطوة صادمة تتكشف معها خيوط الواقع المؤلم، وتؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا، أصدرت وكالة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي (FRA) تقريرًا في 24 أكتوبر 2024م، كشفت فيه عن حقائق مُقلقة حول أوضاع المسلمين في القارة العجوز.

يعكس التقرير صورة مؤلمة عن التمييز الذي يعاني منه ٥٠٪؜ من المسلمين في أوروبا في حياتهم اليومية، وهو ما يمثل قفزة حادة بالمقارنة مع نسبتهم عام ٢٠١٦م، والتي بلغت 39%.

هذا التصاعد اللافت في حجم التمييز يضعنا أمام حقيقةٍ دامغة، مفادها أن الإسلاموفوبيا التي كانت في الماضي مجرد فكرة هامشية يروج لها متطرفون ومتعصبون، قد تحولت اليوم إلى مرضٍ مستشرٍ في العديد من المجتمعات الأوروبية.

ولم يعد الأمر مجرد حالة شاذة أو سلوك فردي، بل أصبح ظاهرةً حاضرة وبقوة في الساحة السياسية، والاجتماعية، والحقوقية، بل ومجالًا للمزايدات في النقاشات العامة.

وفي هذا السياق المأساوي، تبرز النمسا وألمانيا كأكبر دولتين يتصاعد فيهما التمييز ضد المسلمين في قلب أوروبا. ففي النمسا، يعاني نحو 74% من المسلمين من ويلات التمييز في حياتهم اليومية، وهي نسبة تصدرت مؤشرات العداء في القارة العجوز، لتقف شاهدة على مستوى من الظلم يتجاوز الحدود. ولا يسعنا أن نتغافل عن حقيقة أن هذا الوضع ليس سوى ثمرةٍ مرة للتحريض المجتمعي الذي يتغذى على تصورات مغلوطة ومشوهة حول المسلمين، والتي تروج لها بعض الأيديولوجيات المتشددة.

أما في ألمانيا، فقد أظهرت الإحصائيات أن ما يقرب من ٥٠٪؜ من السكان الألمان يحملون مشاعر معادية للإسلام والمسلمين، ما يستدعي وقفة تأملية عميقة لفهم حقيقة التفاعلات والعلاقات بين مختلف مكونات المجتمع الألماني، والتساؤل عن مدى قدرة هذا المجتمع على التعايش مع التنوع الثقافي والديني في ظل هذا الواقع المظلم.

ورغم تقدم ألمانيا والنمسا في مجالات حقوق الإنسان على صعيد العديد من القضايا، فإن تعاملهما مع المسلمين يبقى محل تساؤلٍ؛ إذ تكشف الحوادث المؤلمة، مثل حادثة هاناو الإرهابية التي استهدفت مواطنين من أصول مسلمة، عن الفجوة العميقة في الوعي المجتمعي لدى فئات واسعة من المجتمع الألماني، إذ لم يجد المسلمون في تلك اللحظات الحزينة من عزاء سوى صمت المجتمع الألماني المتغافل.

أما في إسبانيا، فتبدو الصورة أكثر تعقيدًا وأقل وضوحًا؛ حيث يتسلل التمييز ضد المسلمين بنعومةٍ إلى أروقة المجتمع والسياسة، رغم أن نسبته لا تقارن بتلك التي تشهدها النمسا وألمانيا، ما يضفي على الظاهرة طابعًا خفيًّا، لكن تأثيره يبقى ملموسًا في جوانب الحياة الاجتماعية كافة؛ إذ يعاني 31% من المسلمين في إسبانيا من هذا الاضطهاد.

غير أن هذا لا يعني أن الإسلاموفوبيا قد انتهت، أو أنها آخذة في التراجع داخل الدولة، بل على العكس، فإن التحديات التي يواجهها المسلمون في إسبانيا قد تكون أكثر تعقيدًا، رغم أنها قد تظهر بصورة أقل وضوحًا، فالإسلاموفوبيا في إسبانيا تتسلل إلى الأروقة الاجتماعية والسياسية بشكلٍ مباشر، وإن كان على نحوٍ أقل قسوة مقارنة مع جيرانها في الشمال.

وفي ظل تزايد نفوذ الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة مثل: حزب "فوكس"، الذي يتخذ من الإسلاموفوبيا سلاحًا سياسيًّا في خطابه، بدأت ظاهرة العداء ضد المسلمين تأخذ منحى مؤسسيًّا يصعب تحجيمه.

فقد شهدت بعض المناطق تراجعًا في الحريات الدينية للمسلمين؛ حيث أصبحوا عرضةً لخطاب الكراهية المروج في وسائل الإعلام الشعبية، وتحت مظلة الأحزاب السياسية التي تعادي المهاجرين. كما لم تقتصر هذه الظاهرة على مجرد نزاع سياسي، بل امتدت لتصبح أداة لتقسيم المجتمع الإسباني، وزرع الفرقة بين مكوناته.

ومع تصاعد هذه الظاهرة في أرجاء القارة الأوروبية، يتجلى الأثر العميق للإسلاموفوبيا على المجتمعات المسلمة التي تجد نفسها في مواجهة يومية مع الهويات الجماعية السلبية والممارسات العنصرية التي تعصف بمكانتها، فأصبح بعضهم يشعر كأنه غريب في وطنه، بعيد عن جاذبية الانتماء وأواصر الوحدة.

ولم تقتصر الانتهاكات ضدهم على الحواجز الاجتماعية والممارسات التمييزية في الحياة اليومية، بل تعدَّتها إلى العنف الجسدي واللفظي الذي يتخذ أبعادًا مرعبة، ويشكل تهديدًا حقيقيًّا على سلامتهم، وكرامتهم.

ومن المثير أن بعض الدول الأوروبية قد ساهمت في تأجيج هذه الهوة السحيقة بين المجتمعات المسلمة وبقية مكونات المجتمع، حينما ربطت في خطابها العام المسلمين بالإرهاب والصراعات الدولية.

وساعد هذا الربط المشوه بين المسلمين والجريمة والعنف في خلق بيئة خصبة للفكر العنصري، ليعزز مشاعر الخوف والريبة التي يتغذى عليها أولئك الذين يرفضون قبول الآخر.

وبذلك أصبح المسلمون في العديد من هذه الدول لا يعاملون بوصفهم مواطنين ذوي حقوق وواجبات، بل باعتبارهم أشخاصًا ملاحقين ومشبوهين، تتسارع ضدهم الخطوات في سبيل تجريدهم من إنسانيتهم، بل ومن حقهم في الحياة بكرامة.

وفي قلب هذه المعركة العميقة التي لا تنفك أن تتصاعد، يبرز دور الجماعات اليمينية المتطرفة عاملًا رئيسيًّا يضرم النار في الهشيم، ويُذكي لهيب الكراهية، ويغذي نيران العنصرية، فالجماعات المتطرفة مثل: "فوكس" في إسبانيا، و"الحرية" في النمسا، و"البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا، وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تتبنى خطابًا معاديًا للإسلام بشكل صريح، تلعب دورًا محوريًّا في تسويغ هذا العداء المقيت، وتأسيسه في بنية المجتمعات الأوروبية.

فهؤلاء السياسيون الذين لا يترددون في إضفاء الشرعية على مشاعر الكراهية ضد المسلمين، يعمدون أحيانًا إلى جعل هذه الكراهية أداة لزيادة شعبيتهم في أوساط فئات معينة من الناخبين الذين يطغى عليهم الجهل والخوف من الآخر.

وفي ظل هذه الآفاق المظلمة التي تهيمن على أوروبا، يرى مرصد الأزهر أن الأمل لا يزال موجودًا، بل هو أمل مشرق في مستقبل خالٍ من الإسلاموفوبيا، شريطة أن تستشعر الدول تبعات هذه الظاهرة على نسيجها الاجتماعي وتدرك عمق تأثيرها.

ففي الوقت الذي تتصاعد فيه ممارسات التمييز والكراهية، تظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي الاجتماعي والتثقيف حول قضايا التنوع الثقافي والديني كحلول عملية وواقعية لمجابهة هذا التحدي الخطير.

وفي هذا السياق، يلفت مرصد الأزهر إلى ضرورة تفعيل دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، والتأكيد على أهمية العيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع الأوروبي، فالتثقيف هو السلاح الأمضى في مواجهة الظواهر العنصرية، وهو الطريق الذي يضمن التفاهم والتعاون بين الشعوب المختلفة.

ويُشير مرصد الأزهر أيضًا إلى أن الحكومات الأوروبية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى اتخاذ خطوات جادة على الصعيدين التشريعي والتوعوي؛ فعلى الرغم من الجهود المبذولة في تقوية القوانين الخاصة بمكافحة الجرائم المرتبطة بالكراهية، فإن هذا ليس كافيًا. فالأزهر يؤكد أن العمل لا بد أن يشمل تعزيز قيم التسامح والقبول المتبادل بين جميع أنسجة المجتمع، والابتعاد عن أي خطاب أو سياسة تعزز الانقسام والتفريق.

ويشدد مرصد الأزهر على ضرورة إرساء ثقافة التسامح من خلال البرامج التعليمية والتدريبية التي تبين الدور الإيجابي الذي يلعبه المسلمون في بناء المجتمعات الأوروبية، والعمل على تصحيح الصورة السلبية التي تصورها بعض الدوائر في الغرب عن الإسلام والمسلمين. كما يطالب الأزهر بإيجاد بيئة صحية تقبل التنوع، وتحترم الفروق الثقافية والدينية، وهو ما يتحقق فقط من خلال العمل الجاد والمستمر على خلق مجتمع يسوده الاحترام المتبادل بين جميع أفراده.

وفي الختام، يبقى التساؤل الأهم الذي تطرحه هذه المعركة المستمرة: هل ستتمكن أوروبا من تجاوز هذا الفصل المظلم في تاريخها الاجتماعي، الذي يعكس تصاعد الإسلاموفوبيا في قلوب الكثيرين، وتتحول إلى قارة تحتضن التنوع بكل أشكاله وتحتفل به؟ وهل ستنجح في بناء مستقبل يتسع للجميع، بعيدًا عن التمييز والتفرقة، مجتمع يتناغم فيه المختلفون في الدين والثقافة، ويعيشون معًا في انسجام ووئام؟

وحدة رصد اللغة الإسبانية


 

طباعة