تُعد حركة طالبان باكستان واحدة من أبرز الجماعات المتطرفة التي تنشط في البلاد، حيث تتحمل مسئولية عدد كبير من الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين والقوات الأمنية. وتسعى هذه الهجمات إلى زعزعة الاستقرار وتقويض جهود الحكومة الباكستانية في الحفاظ على الأمن.
وتتنوع أساليب طالبان ما بين التفجيرات الانتحارية، والهجمات المسلحة، والاغتيالات، والتي غالبًا ما تستهدف مراكز أمنية ونقاط تفتيش الجيش والشرطة، إضافة إلى شخصيات بارزة ومدنيين، حيث تتركز هذه الهجمات في المناطق القبلية والمناطق الحدودية مع أفغانستان، حيث توجد معاقل الحركة.
أسباب تصاعد الهجمات الإرهابية في باكستان خلال عام 2024
شهد عام 2024 أكبر عدد من الهجمات الإرهابية منذ عام 2014، مما يعيد إلى الأذهان الموجة الدامية للإرهاب التي كانت سائدة في العقد الماضي، حيث تركّزت الهجمات الأخيرة في خيبر بختونخوا وبلوشستان، مما أثار مخاوف كبيرة لدى الحكومة والمواطنين من عودة الإرهاب.
ويمكن تلخيص أبرز أسباب تصاعد الهجمات في النقاط التالية:
الفراغ الأمني على الحدود: بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، استغلت الجماعات المتطرفة هذا الفراغ لزيادة تدفق المقاتلين الأجانب وتنشيط الخلايا النائمة.
الفقر والتهميش: تعاني المناطق القبلية من معدلات عالية من الفقر والتهميش، مما يجعل سكانها عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة التي تستغل ظروفهم الصعبة.
التوتر السياسي: التوتر بين الحكومة الفيدرالية وحركة الإنصاف الباكستانية (PTI) أثر سلبًا على كفاءة وكالات إنفاذ القانون، خصوصًا في إقليم خيبر بختونخوا.
ورغم مرور عقد على الهجوم الإرهابي المأساوي على مدرسة “بيشاور” العسكرية العامة عام 2014، الذي أودى بحياة حوالي 150 شخصًا- العدد الأكبر منهم من الطلاب- فإن الجماعات الإرهابية المسئولة عن ذلك الهجوم لا تزال تنشط وتنشر الفوضى في أنحاء باكستان.
إحصائيات الهجمات الإرهابية
بحسب التقارير، شهدت باكستان في السنوات الخمس الماضية (2400) هجوم إرهابي، استهدفت في معظمها المراكز والمنشآت الأمنية، خاصة في المناطق القبلية.
ووفقًا للمعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن (PICSS)، فقد استُشهد (1627) من أفراد الأمن بين يناير 2020 ونوفمبر 2024. وخلال عام 2024 فقط، أُبلغ عن (645) هجومًا إرهابيًّا، استُشهد خلالها (508) من أفراد الأمن.
طالبان وأعمال العنف الطائفي
أصبح العنف الطائفي في المناطق القبلية، مثل منطقتي كرم وأوركزائى، أكثر تعقيدًا بسبب العلاقة المتشابكة بين طالبان وهذه الأعمال الطائفية. أدى هذا العنف إلى مقتل العديد وإغلاق منطقة كرم لأسابيع، وفشلت الحكومة في احتواء التوتر.
ويبدو أن طالبان تستغل الانقسامات الطائفية لتعزيز نفوذها، مما يتطلب فهمًا عميقًا لهذه العلاقة ووضع إستراتيجيات فعّالة لمعالجتها.
دور طالبان الأفغانية
تعزز وصول حكومة طالبان إلى السلطة في أفغانستان من قوة طالبان باكستان، حيث توفر الإمارة الإسلامية ملاذات آمنة للحركة وتدعم جماعات مسلحة أخرى تهدد باكستان، وساهم غياب سياسة باكستانية متماسكة لمكافحة الإرهاب في تصاعد أنشطة هذه الجماعات.
وفي عام 2021، شاركت باكستان في مفاوضات سلام مع طالبان الباكستانية بناءً على طلب طالبان الأفغانية، إلا أن هذه المفاوضات أثبتت أنها خطأ إستراتيجي، حيث أُطلق سراح قادة الحركة، الذين عادوا لاستئناف عملياتهم الإرهابية.
تحديات أخرى في إقليم بلوشستان
تواجه باكستان تحديات أمنية إضافية في بلوشستان، حيث تستهدف الجماعات الانفصالية البلوشية أفراد الأمن والمنشآت، وتزايدت التقارير عن تعاون بين طالبان الباكستانية وبعض فصائل المسلحين البلوش، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني.
جهود الحكومة الباكستانية لمكافحة الإرهاب
رغم التحديات الكبيرة، حققت الحكومة الباكستانية نجاحات في مكافحة الإرهاب خلال عام 2024. فقد نفذت قوات الأمن حوالي (59,775) عملية استخباراتية ناجحة، مما أدى إلى مقتل (925) إرهابيًّا والقبض على المئات.
كما اتخذت الحكومة خطوات لمنع انتشار المحتويات المتطرفة عبر الإنترنت، وحظرت بطاقات الهاتف غير القانونية، وأعدت مشروع قانون يعاقب ناشري الأخبار الكاذبة بالسجن والغرامات.
الحقيقة أنه رغم النجاحات الأخيرة إلا أن باكستان لا تزال بحاجة إلى إستراتيجية شاملة وطويلة الأمد للتعامل مع الإرهاب.
ويجب أن تركز الحكومة على معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، مثل الفقر والتهميش، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على فرض النظام والقانون، كما أن التدهور السياسي يزيد من صعوبة مواجهة الإرهاب، مما يجعل الوحدة الوطنية والتخطيط الإستراتيجي أمرًا ضروريًّا لتحقيق الاستقرار.
ومن هنا يوصي المرصد بعدد من التوصيات وفقًا لقراءته السابقة ومختلف السياقات:
وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب:
يجب أن تتضمن الإستراتيجية نهجًا أمنيًّا متماسكًا ومتكاملًا ينسق بين الجيش، والشرطة، ووكالات الاستخبارات.
التركيز على مكافحة الخلايا النائمة والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية لتضييق الخناق على المجموعات الإرهابية.
تعزيز الأمن في المناطق الحدودية والقبلية:
تحسين مراقبة الحدود باستخدام التكنولوجيا الحديثة والأنظمة الأمنية المتقدمة.
تعزيز وجود قوات الأمن في المناطق القبلية والمناطق الحدودية، مع التركيز على تدريبها وتجهيزها لمواجهة التحديات.
معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب:
إطلاق مشاريع تنموية لخلق فرص عمل وتحسين البنية التحتية في المناطق القبلية والفقيرة.
تقديم برامج تعليمية واجتماعية لتعزيز الوعي ودمج المجتمعات المهمشة في التيار الوطني.
التعامل مع الخطاب المتطرف والمحتوى التحريضي:
حظر جميع المحتويات المتطرفة والمضللة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية.
تعزيز التثقيف المجتمعي والتعاون مع المؤسسات الدينية لنشر خطاب التسامح والاعتدال.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي:
تنسيق الجهود مع أفغانستان والدول المجاورة لمواجهة التحديات العابرة للحدود.
العمل مع المجتمع الدولي لدعم جهود مكافحة الإرهاب في باكستان سياسيًّا وماديًّا.
إصلاح سياسي شامل:
تحقيق الاستقرار السياسي من خلال الحوار بين الأطراف المختلفة، وإنهاء حالة الاستقطاب التي تعوق استجابة الحكومة للأزمات.
تعزيز دور المؤسسات الديمقراطية وإشراكها في صياغة السياسات الأمنية.
زيادة دعم قوات الأمن:
تحسين ظروف العمل لأفراد الأمن وتعويض عائلات الشهداء لتعزيز معنويات القوات.
توفير الموارد اللازمة لرفع كفاءة قوات الأمن ومواجهة التهديدات الإرهابية بكفاءة.
التركيز على الأمن السيبراني:
تطوير آليات لمراقبة ومنع الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت.
إنشاء هيئة مستقلة مختصة بحماية الحقوق الرقمية ومكافحة الجرائم الإلكترونية.
وحدة الرصد باللغة الأردية