ردًّا على التلفيق الوارد في مقال "لقد كنا هناك"، الصادر عن جريدة النبأ الداعشية

  • | الأحد, 2 فبراير, 2025
ردًّا على التلفيق الوارد في مقال "لقد كنا هناك"، الصادر عن جريدة النبأ الداعشية

لا يدخر تنظيم داعش الإرهابي وسعًا في نشر الزيف الفكري، وإظهار الخلفية الدموية التي يتبناها، ويتفاخر بها في كل محفل؛ فقد نشر في العدد الأخير من جريدة النبأ الصادرة عنه مقالًا بعنوان: "لقد كنا هناك"، يفخر فيه بأن أفكاره المعوجة قد انتشرت واتسع مداها، فجابت الآفاق، حتى اكتسبت أنصارًا وأتباعًا من جنسيات عديدة، ينفذون جرائم إرهابية ضد مواطنين من دول مختلفة، وتسمى هذه الظاهرة بــ(الذئاب المنفردة)، ومثال ذلك حادثة الدهس التي وقعت في الولايات المتحدة في أعياد الميلاد، ويحرض في المقال على قتل المدنيين والأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء. وفيما يلي نفصل القول فيما ورد في المقال من مغالطات وجرائم:

  1. الإسلام يحرم قتل المدنيين والأبرياء

يستند كاتب المقال إلى فهم مغلوط للآيات القرآنية لتبرير الهجمات على المدنيين، وهو ما يتناقض مع النصوص الصريحة في القرآن والسنة؛ إذ يقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]؛ فهذه الآية تأمر المسلمين بقتال من يعتدون عليهم فقط، مع النهي الصريح عن التجاوز في الحرب، كما أوصى النبي محمد صلى الله عليه وسلم قادة الجيوش بقوله: "انطلقوا باسم الله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، ولا تغدروا" (رواه أبو داود). فهذه الوصايا النبوية تؤكد بشكل لا لبس فيه أن قتل غير المقاتلين محرم. وفي غزوة أحد عندما قُتل أسد الله حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُثل به، قال: "لأمثلن بك سبعين منهم"، فنزل قول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} [النحل: 126].

فهذه الأدلة وغيرها تبين بما لا يدع مجالًا للشك أن الهجمات التي تستهدف الأبرياء تناقض تعاليم الإسلام، كما أن الادعاء بأن قتل المدنيين هو جزء من الجهاد يعد فهمًا مغلوطًا للجهاد، أو تحريفًا للشرع؛ حيث يفرق الإسلام بين المحاربين وغير المحاربين، وحتى المحاربين لا يجوز عقابهم إلا بالقدر الذي اعتدوا به.

 

  1. القتل العشوائي عمل جبان وليس من الجهاد في شيء

الجهاد المشروع في الإسلام يقوم على قتال المحاربين في المعارك، في حين أن قتل المدنيين العُزَّل يعد خيانة وجبنًا، وهو مشابه تمامًا لما يرتكبه الصهاينة بحق الفلسطينيين، فالمجازر الصهيونية التي تستهدف الأطفال والنساء وكبار السن في فلسطين تعد مثالًا واضحًا على الإرهاب المحرم الذي ترفضه الأديان كافة، ويدينه المجتمع الدولي، كما أن ترويج التنظيمات المتطرفة لأعمال قتل المدنيين بحجة "الثأر"، أو "نصرة الإسلام"، لا يختلف عن تبريرات الاحتلال الصهيوني، فكلاهما يتخذ المدنيين أهدافًا لتحقيق مصالح.

ويرى العلماء أن قتال المحاربين هو الأساس الذي بنيت عليه تشريعات الحرب في الإسلام. لذلك شددوا في فتاواهم على أن القتال يجب أن يقتصر على من يقاتل المسلمين، وأن الاعتداء على غير المقاتلين حرام. ومن الناحية الأخلاقية، فإن القتل العشوائي يعبر عن حالة من الجبن والخيانة، فالمقاتل الحقيقي يواجه عدوه وجهًا لوجه في ساحة المعركة، بينما قتل الأبرياء هو عمل منكر غادر.

  1. تشويه النصوص الشرعية لتبرير الإرهاب

يستشهد المقال بآية يقول الله تعالى فيها: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 84]. وهو استشهاد في غير محله، لأنه ذُكر في سياق مختلف؛ إذ إن هذه الآية نزلت في سياق القتال المشروع ضد المعتدين، وليس في ترويع الآمنين، حيث نزلت في معرِض دعوة النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لقتال المشركين في أُحُد، وكانوا أكثر عدةً وعتادًا من المسلمين.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة فاتحًا، لم يدخلها بقتال، رغم أن أهلها كانوا حينئذ من قاتلوه في بدر وأُحُد، وصدوه عن الدخول معتمرًا، فلم يقاتلهم؛ لأنهم كانوا في موقف ضعف. فما بالكم بمن يسفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ! وما الفرق بينهم وبين الصهاينة المجرمين في الصنعة والصنيع؟!

وآفة هذا الفكر هو استخدام الآيات القرآنية خارج سياقها التنزيلي والتشريعي، وهذا ضرب من التحريف لمعانيها الحقيقية يقود إلى نتائج تتنافى مع روح الإسلام ورسالته.

ويشير العلماء إلى أن النصوص الشرعية ينبغي أن تُفهم في سياقاتها، وأن تنزيلها على واقع مختلف دون اعتبار للظروف والسياقات التاريخية والأحكام الفقهية الصحيحة، يؤدي في النهاية إلى مغالطات خطيرة، وهذا ما نراه على الحقيقة في وقتنا الحالي.

  1. المقارنة بين العدالة والانتقام الأعمى

الإسلام دين عدل لا انتقام، وعندما يحث الإسلام على الدفاع عن النفس، فإنه يضع قواعد واضحة تمنع الظلم والاعتداء. وفي المقابل، فإن التحريض على قتل المدنيين في مناسبات مثل الحفلات والأسواق والمعارض الثقافية ليس سوى صورة من صور الفوضى الدموية التي لا تمت للجهاد بصلة، بل هي أقرب إلى الأعمال الجبانة التي يدينها الإسلام، ويرفضها المجتمع الإنساني؛ لذلك يتفق الفقهاء على أن العدل هو أساس الجهاد، وأن الجهاد الذي يُرتكب فيه ظلم، سواء بقتل الأبرياء أو استهداف غير المقاتلين، هو عمل باطل.

فالإسلام دين يقوم على مبدأ العدل في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك الحروب والدفاع عن النفس. ويفرق بوضوح بين الجهاد المشروع والانتقام الذي يعبِّر عن نزعة تدميرية غير أخلاقية. ففي حين يهدف الجهاد إلى ردع العدوان وحماية الحقوق، يسعى الانتقام إلى تحقيق الرغبات الشخصية أو الأيديولوجيات المتطرفة بغض النظر عن الضحايا الأبرياء؛ لذلك يضع الإسلام قواعد صارمة لتحقيق التوازن بين الدفاع عن النفس، واحترام حقوق الآخرين. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90].

وفي إطار الحرب، يحظر الإسلام قتل غير المحاربين، ويضع ضوابط تمنع إلحاق الضرر بالمدنيين؛ لذلك نقول: إن ممارسات التنظيمات المتطرفة التي تستهدف التجمعات المدنية مثل: الحفلات الموسيقية، والأسواق العامة، لا يمكن تصنيفها إلا ضمن أفعال الجبن والخيانة.

فالجهاد الحقيقي يتطلب شجاعة المواجهة مع الجيوش النظامية والمحاربين، في حين تعتمد الأعمال الانتقامية على استهداف الأبرياء. وهذا النوع من الهجمات يعكس خوفًا من المواجهة، ويوصف بالغدر.

والمجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين مثالٌ حيٌّ على الانتهاك السافر لقواعد الحرب، كما أن تسويغ هذه الأفعال بدعوى الدفاع عن النفس يفضح ازدواجية المعايير، ولا يختلف جوهريًّا عن التحريض على قتل المدنيين باسم الإسلام. وعندما تصبح الحرب وسيلة لتفريغ الغضب، تنشأ الفوضى التي تهدم المجتمع وتزيد المعاناة. قال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]. ويُبين هذا التوجيه الإلهي أن العدالة ليست خيارًا، بل واجبًا أخلاقيًّا، حتى تجاه الأعداء؛ لذلك فإن الحث على قتل المدنيين دون تمييز يناقض جوهر الشريعة التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات.

إذًا فالتنظيمات المتطرفة تتذرع بآيات وأحاديث لتبرير اعتداءاتها، متجاهلةً السياقات التشريعية التي تضبط أحكام الجهاد؛ فقتل الأبرياء انتهاك صارخ للعدل الذي أمر به الإسلام، وهو مخالف لمبادئ الرحمة التي تجسدت في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لا تقتلوا امرأة، ولا طفلًا، ولا شيخًا هرِمًا" (رواه أبو داود).

وانطلاقًا من الدور الذي يضطلع به المرصد في مكافحة التطرف، فإنه يتعين على الجميع مكافحة هذا الفكر المنحرف الذي لا يجلب إلا الخراب والدمار والخزي، ويسيء إلى الإسلام والمسلمين، كما أن هذا الفكر وما ينتج عنه من ممارسات هو سلاحٌ مسلطٌ على رقاب المسلمين قبل أن يكون مسلطًا على رقاب غيرهم، والإسلام من هذا الفكر المتطرف براء.

 

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

طباعة