مرصد الأزهر: مؤشر الإرهاب في إفريقيا خلال عام 2024م يتراجع في شرق القارة ووسطها ويتصاعد في الغرب والساحل
252 عملية إرهابية استهدفت 13 دولة ودخول دول جديدة على خارطة الإرهاب في إفريقيا
تراجع نسبي للإرهاب في القارة الإفريقية مقارنة بعامي 2022 و 2023م رغم ارتفاع عدد الضحايا
الإرهاب يودى بحياة 2927 شخصًا وإصابة 941 آخرين
أكثر من 46% من الهجمات التي شهدتها القارة وقعت في منطقة الغرب والساحل
الصومال أكبر المتضررين من الإرهاب بـ (75) عملية تليها مالي بـ (38) هجومًا إرهابيًّا
نيحيريا تتصدر الدول الإفريقية من حيث الخسائر البشرية جراء الإرهاب بواقع (638) ضحية
لا تزال القارة الإفريقية تئن من تصاعد الإرهاب والتطرف العنيف، فلم تعد دولها بمنأى عن مخاطر التنظيمات الإرهابية التي تقوّض كل أشكال الحياة الطبيعية لشعوب القارة الشابة التي باتت مهددة بشيخوخة الأمن والاستقرار، رغم الجهود الأمنية المبذولة من حكومات دول القارة بالتعاون مع الحلفاء الدوليين، إضافة إلى المقاربات الأمنية وبعثات مكافحة الإرهاب.
وبناءً على مؤشر الإرهاب في إفريقيا لعام 2024 فإن هناك تراجعًا كبيرًا في عدة دول والذي أدى بدوره إلى انخفاض عدد الوفيات الناجمة، وذلك بعد موجة الانتكاسات التي منيت بها التنظيمات الإرهابية. إلا أنه انتعش في بعض الدول التي تشهد صراعات داخلية وأزمات اقتصادية خانقة، حيث تبنت التنظيمات في إفريقيا ونسب لها 252 عملية إرهابية في 13 دولة، أودت بحياة 2927 شخصًا، و2070 جريحًا، و941 مختطفًا، فضلًا عن تشريد ونزوح آلاف الأشخاص من منازلهم.
تفاوت المؤشر بين عامي 2023 و2024
وبالمقارنة مع عام 2023، الذي سجل 361 حادثًا إرهابيًّا، و3360 ضحية، و 913 جريحًا، و382 مختطفًا. شهد عام 2024 انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 37.4% من حيث عدد الهجمات الإرهابية، وبنسبة 19.9% من حيث عدد الوفيات الناجمة.
أماكن تركز الهجمات
ومن خلال الإحصائية المجمعة لعام 2024، تبين أن غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي جاءت في المركز الأول نتيجة لتعرضها لـ 117عملية إرهابية بنسبة 46.4 % من إجمالي عدد العمليات التي شنتها التنظيمات الإرهابية على مدار العام، يليها في المركز الثاني منطقة الشرق والقرن الإفريقي التي تعرضت لـ 91 هجومًا إرهابيًّا بنسبة 36.1 %، فيما احتلت منطقة وسط إفريقيا المركز الثالث، بواقع 44 حادثًا إرهابيًّا بنسبة 17.5%.
أما من حيث عدد الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية، فقد احتلت منطقة الغرب الإفريقي المرتبة الأولى بسقوط 2045 قتيلًا بما يعادل 69.9% من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب من المدنيين والعسكريين، يليها في المرتبة الثانية منطقة وسط إفريقيا بـ 454 قتيلًا بما يعادل 15.5%، ثم في المرتبة الثالثة منطقة شرق إفريقيا بمقتل 428 شخصًا بما يعادل 14.6%
توزيع الهجمات جغرافيًّا
ومن حيث التوزيع الجغرافي حسب الدول، سجلت "الصومال" أعلى عدد من الهجمات بتسجيلها 75 عملية إرهابية تنوعت ما بين اغتيالات وتفجيرات وعمليات انتحارية، تليها "مالي" التي تعرضت لـ 38 عملية إرهابية، و"الكونغو الديمقراطية" التي شهدت 37 عملية إرهابية.
كما شهدت دول مثل "النيجر" و"نيجيريا" ارتفاعًا في وتيرة الهجمات التي تنفذها جماعة "بوكو حرام" وولاية "داعش غرب إفريقيا"، حيث تسعى التنظيمات المتطرفة لتعزيز سيطرتها على المناطق الريفية ونشر الفوضى في المدن الكبرى، مستغلة الصراعات المحلية والهشاشة الأمنية لتعزيز نفوذها وتجنيد المزيد من الأتباع.
هذه التطورات تعكس التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجهها الحكومات الإفريقية، وتؤكد الحاجة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب بشكل فعّال، كما تشير إلى أن الجهود الحالية لمكافحة الإرهاب، رغم أهميتها، ما زالت غير كافية للتصدي لهذا الخطر المتصاعد الذي يهدد استقرار القارة ومستقبلها.
ضحايا الإرهاب
أما من حيث حصيلة الضحايا، فقد جاءت "نيجيريا" في مقدمة الدول الأكثر تضررًا من جرائم التنظيمات الإرهابية؛ حيث لقي 638 شخصًا مصرعهم، نتيجة تعرض الدولة الواقعة في غرب القارة لـ 31 عملية إرهابية، الأمر الذي يعكس دموية الهجمات رغم قلتها إذا ما قورنت بـ"الصومال" في شرق القارة الإفريقية؛ فبرغم تصدرها المشهد العملياتي بتعرضها لـ 75 عملية إرهابية، إلا أن حصيلة الضحايا كانت قليلة مقارنة بغيرها من الدول كـ "نيجيريا" و"بوركينا فاسو"؛ حيث أودت الهجمات بحياة 362 ضحية، وهذا يدل على العشوائية واللا مركزية التي اتسمت بها العمليات الإرهابية التي شنتها حركة الشباب الصومالية.
إستراتيجية التنظيمات الإرهابية في إفريقيا
وبعد بسط نفوذها في منطقة الساحل الإفريقي، انتقلت التنظيمات الإرهابية من إستراتيجية التوطن إلى التنقل الجغرافي بفتح جبهات جديدة لتشتيت الجهود الدولية، وسط مخاوف من تحويلها للدول التي كانت مستقرة نسبيًّا إلى قاعدة عمليات تستهدف دولًا أخرى، مثل الذي حدث في دول خليج غينيا، حيث طالت مخاطر الإرهاب دولتي: "بنين"، و"توجو" اللتين تطلان على المحيط الأطلسي ما يشكل تهديدًا إضافيًّا للمنطقة، وعبئًا أمنيًّا وماليًّا كبيرًا على جهود مكافحة الإرهاب.
جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية
أما من حيث جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا في عام 2024 فقد بلغ عدد القتلى من العناصر الإرهابية 4090 قتيلًا و1159 معتقلًا، فضلًا عن استسلام 134 آخرين.
أوضاع إفريقيا خلال السنوات الثلاث الماضية
بالرجوع إلى مؤشر الإرهاب في إفريقيا في عامي 2023 و2022، نجد أن العمليات الإرهابية في عام 2023م بلغت 361 عملية استهدفت 11 دولة، هي: (نيجيريا، والصومال، والكونغو الديمقراطية، وبوركينافاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، والكاميرون، وكينيا، وموزمبيق، وأوغندا)، وأسفرت في مجملها عن سقوط 3360 ضحية، فضلًا عن إصابة 913 بجراح، واختطاف 382 آخرين.
وفي المقابل بلغ عدد القتلى من التنظيمات المتطرفة 6628 قتيلًا و 2576معتقلًا، فضلًا عن استسلام 2381 آخرين.
وفي عام 2022م سجلت 550 عملية تضرر منها 16 دولة، هي: (نيجيريا، والصومال، والكونغو الديمقراطية، وبوركينافاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، والكاميرون، وكينيا، وموزمبيق، وإفريقيا الوسطى، والسنغال، وأوغندا، وساحل العاج، وبنين، وتوجو). وقد أسفرت تلك العمليات في مجملها عن سقوط 4189 ضحية، من بينهم 117 حالة إعدام، فضلًا عن إصابة 2029 بجراح، واختطاف 704 آخرين، بينما بلغ عدد القتلى من التنظيمات المتطرفة 5407 قتلى، و644 معتقلًا، فضلًا عن استسلام 634 آخرين.
ووفقًا لهذا المؤشر الذي يقيس تأثير الإرهاب حسب عدد الهجمات والضحايا، انخفضت الوفيات الناجمة عن الإرهاب في السنوات الثلاث بشكل ملحوظ؛ فقد كشف هذا المؤشر انخفاض العدد الإجمالي للوفيات الناتجة عن الإرهاب في إفريقيا إلى 2927 قتيلًا في عام 2024، بنسبة تراجع قدرها 12.9% عن العام السابق 2023 والذي قتل فيه 3360 شخصًا، وبمعدل 30.1 % في عام 2022 الذي شهد مقتل 4189 شخصًا.
وبتحليل شامل لواقع الإرهاب في إفريقيا خلال السنوات الثلاث الماضية، نجد أنها شهدت انخفاضًا ملحوظًا في الهجمات الإرهابية، وهذا الانخفاض تمثل في تراجع النشاط الإرهابي بشكل عام، حيث لم تعد التنظيمات قادرة على الحفاظ على مستوى التهديدات السابقة، بعد نجاح بعض الدول في تحجيم نشاطها.
نضيف إلى هذه العوامل، تحولات قائمة بالفعل وتؤثر على نشاط تلك التنظيمات، مثل: التغير المناخي، ووقوع عدد من الكوارث الطبيعية في مناطق بؤر النزاع المسلح، فضلًا عن انسحاب القوات الإفريقية ومهمات وبعثات الأمم المتحدة والقوات الإقليمية من مناطق مكافحة الإرهاب.
نظرة مستقبلية
حول ما يمكن أن يحدث خلال 2025؛ يتوقع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن يشهد النشاط الإرهابي في القارة الإفريقية مسارات مختلفة، يمكن استعراضها في النقاط التالية:
· مواصلة التنظيمات الإرهابية في التمدد الجغرافي والعملياتي في إفريقيا باستكمال سيطرتها على المناطق التي تقبع تحت قبضتها، ومدّ نفوذها نحو دول خليج غينيا لتصبح هدفها البديل وملاذها الآمن.
· محاولة توطيد العلاقات بين أفرع التنظيمات الإرهابية وولاياتها المتواجدة في القارة، وهو ما يفتح المجال أمام عمليات الاستقطاب.
· ارتفاع احتمالية لجوء بعض التنظيمات الإرهابية إلى مستوى مُعين من التنسيق أو التحالف بينها وبين بعضها البعض، لمواجهة القوات الحكومية.
· استمرار النزاعات الداخلية والاضطراب السياسي والاقتصادي في بعض الدول الإفريقية.
· تعزيز الحكومات الإفريقية من جهودها لمحاربة التنظيمات الإرهابية، من خلال تسريع تفعيل المبادرات الإقليمية لمكافحة الإرهاب، وتوقيع شراكات أمنية دولية جديدة.
ختامًا، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن خطر الإرهاب لا يزال مستمرًّا ومن المرجح أن يتزايد أو يتراجع وفقًا لمجريات الأمور من جهة التنظيمات الإرهابية أو سياسات مكافحة الإرهاب من جهة أخرى. ويؤكد المرصد أن العوامل المجتمعية لها بالغ الأثر في خلق بيئات حاضنة أو رافضة لخطر الإرهاب، الأمر الذي يحتم معالجة الأسباب الرئيسية التي تغذي الإرهاب والتطرف العنيف.