الكتاب: وأن محمدًا رسول الله (تبجيل النبي في التدين الإسلامي)
تأليف: الدكتورة آنا ماري شيمل
ترجمة: الأستاذ/ عيسى علي العاكوب
نبذة عن المؤلفة:
لم يسبق أن حظي أي مستشرق بهذا المستوى من التقدير الذي حظيت به باحثة العلوم الإسلامية آنا ماري شيمل، لا سيما وأن الجميع وخصوصًا المسلمين يكنون لها كل الاحترام، وذلك لقدرتها المتميزة على التعامل بموضوعية مع الثقافة العربية والإسلامية، ولبذلها قصارى الجهد لإبطال الدعاوى المغرضة، التي حاول البعض تلفيقها ضد الدين الإسلامي الحنيف.
ولدت آنا ماري شيمل في مدينة إرفورت الألمانية عام 1922 وأتقنت اللغة العربية في سن الخامسة عشر. ثم حصلت على الدكتوراة، ثم الأستاذية، ثم عملت أستاذة للتاريخ الإسلامي. وقد تميزت الدكتورة أنا ماري شيمل بإنصافها للإسلام، وسعيها الحثيث في توطيد جسر ثقافي حقيقي للتفاهم بين الغرب والشرق.
وقبل وفاتها عام 2003 أبت الدكتورة شيمل أن تذهب قيم التفاهم بين الشرق والغرب، أدراج الرياح، لذلك فقد أوصت أصدقاءها بأن يجتمعوا في منتدى للحوار الديني والثقافي، يكون هدفه الأسمى ربط جسور الصداقة والتفاهم بين أوروبا والعالم الإسلامي. وأوصت أن يكتب على قبرها باللغة العربية: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" وهي حكمة تنسب إلى أمير المؤمنين علي بن طالب رضي الله عنه.
بين يدي الكتاب:
سطرت الدكتورة آنا ماري شيمل كتابها "وأن محمدًا رسول الله" والذي يحمل شق الشهادة، وهو ما يرمز إلى اختيار إيماني وعقلي وقلبي جليل، من عالمة جليلة شكّلت جسرًا عظيمًا من جسور التواصل المنصفة بين الشرق والغرب، وجاهدت لتكون علاقة العالم الغربي بالعالم الشرقي والإسلامي علاقة تقوم على التفاهم والمحبة، والفهم الحقيقي لكل منهما، فكتبت هذا الكتاب "وأن محمدًا رسول الله" وقد انتقدت الدكتورة آنا ماري شيمل ما كتبه مؤرخو القرون الوسطى بإجحاف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتشويه صورته وسيرته فتقول: "في أوروبا حيث فُهِم محمد أحيانًا على أنه عابد أوثان أو محول إلى لفظ (مهاوند Mahavd) والتي تعني : روح الظلام" وتقول: "والإساءة إلى الإسلام كانت شائعة في القرون الوسطى، ويظهر ذلك في الشعر الفرنسي من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر، كما يظهر في الأدب الإنجليزي والأسكتلندي حتى إنهم حرفوا اسم النبي صلى الله عليه وسلم"
وقد أبحرت (شيمل) في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته فجاء الكتاب مكونًا من اثني عشر فصلًا، تناولت خلالها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره القدوة والأسوة الحسنة، كما تحدثت عن طيب عطر النبي صلى الله عليه وسلم وعبير شذاه، وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أصل كل كمال بشري.
ثم تحدثت عن الجمال المادي للنبي صلى الله عليه وسلم وحاولت استنباط جوانب من عظمة النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: " بينما مس سليمان عرش ملكة سبأ بيده، مست قدم النبي صلى الله عليه وسلم ذروة العرش، وخدمه جبريل -عليه السلام- كما خدم الهدهد سليمان.
ثم تطرقت (آنا ماري شيمل ) إلى تبجيل اسم النبي صلى الله عليه وسلم في المجتمع المسلم، وأن المسلمين كانوا يبجلّون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوقرونه، وقد بدا ذلك في (إضافة كلمة تشريف إذا ما قصد النبي صلى الله عليه وسلم مثل: سيدنا أو سيدي أو حضرة وذكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دائمًا عند ذكر اسمه الشريف أو بوصفه: النبي الكريم)، ثم تعرضت شيمل لكتابات المُحدثين وتناولهم لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتي لم تهتم فقط بالجوانب الشخصية والتعبدية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تناولت هذه القراءات المعاصرة؛ الجانب السياسي والفكري والحضاري للدعوة الإسلامية، وأثرها في الفكر المعاصر.
وفي ذلك تقول شيمل: "أما الاهتمام الجديد بالنبي صلى الله عليه وسلم النشيط والفعّال سياسيًّا والموثوق به اجتماعيًّا فقد وجد تعبيرًا حتى في الشِّعر" وتقول أيضًا: "وكل كاتب يرى في النبي الحبيب التحقق المثالي لتلك الصفات التي يحسب هو نفسه أنها أسمى وأكثر ضرورة في العالم، وصورة النبي صلى الله عليه وسلم المتعددة الألوان التي تنبثق هكذا تعتمد الخيوط الأكثر تنوعًا للتقليد الممتد لقرون وتترجم مديح خير البرية صلى الله عليه وسلم في لغة حديثة".
ثم تختتم الدكتورة آنا ماري شيمل كتابها (وأن محمداً رسول الله) بعبارة رائقة عن عظمة النبي صلى الله عليه وسلم والتي تجلت في تكوين مجتمع متماسك، قوي، متحد، مترابط، قد زال عنه الهوى والعصبية العرقية والقبلية، وبعد أن نجح النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الإنسانية إلى إحياء القيم الحقيقية والأخلاق السامية، وبعد أن بيّن أن البشر كلهم متساوون أمام الله تعالى، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود ولا أحمر إلا بالتقوى والعمل الصالح فتقول: "والحق أن أعظم معجزة تحققت للنبي صلى الله عليه وسلم تمثّلت في بناء أمة مُتحدة روحيًّا".
وكأي عمل بشري لا يخلو من النقص فهناك بعض الأخطاء المنهجية التي وردت بالكتاب منها: نسبة بعض الروايات التي لا أصل لها واعتمادها أحاديث صحيحة مثل: الإيقان بأن النبي صلى الله عليه وسلم حدثت له محاورة في السماء تتعلق بعدم خلع النعلين الشريفين، وأنه قيل له لا تخلع نعليك، في رحلة الإسراء والمعراج، وأنه تقدم فرقي على العرش، ومنها الاعتماد على بعض الآراء البعيدة عن الصواب، كالقول بأن المعراج لم يكن لأعلى، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرج وإنما السماوات تنزلت له.
ونحن هنا في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إذ نعرض هذا الطرح العلمي فإننا نؤكد أننا أمام صفحة ناصعة من صفحات التفاهم بين الشرق والغرب، وأمام جسر معرفي حقيقي، يتمثل في الباحثة الدكتورة آنا ماري شيمل، التي تلفت أنظار العلماء والقراء، إلى الاهتمام بشخصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وكما أن الباحثين يهتمون بالسرد القصصي لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته الشخصية، فعليهم أيضًا التركيز على جوانب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة والقدوة، كما بيّنت أن جوانب الاقتداء الحقيقي تتجلى في شخصيته وأخلاقه وتصرفاته صلى الله عليه وسلم، وأن أعظم معجزة أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم هي كمال تشريعه الذي جعل العقول والقلوب تلتف حوله في صورة أمة واحدة، متكاتفة مترابطة عقلًا وقلبًا وروحًا.
وحدة البحوث والدراسات