الإيمان بالله تعالى وأثره في سلوك الفرد والمجتمع

  • | الخميس, 6 مارس, 2025
الإيمان بالله تعالى وأثره في سلوك الفرد والمجتمع

     اقتضت حكمة الباري تعالى أن يكون في الأرض مَن يعمرها؛ فخلق الإنسان، وجعل له من المدارك الحسية والعقلية ما يمكّنه من النظر والفهم والتعقل، ثم بين سبحانه أن الغرض الموجود من أجله هو الامتحان والاختبار فيما أعطاه وفيما منعه، قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف: 7].

ثم إنه سبحانه وتعالى أراد أن يكون هناك تواصل بين السماء والأرض عن طريق الوحي الذي من خلاله يمكن للإنسان أن يعرف الأوامر والنواهي الإلهية، فأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، رحمةً منه تعالى وتفضلًا، وعلى ذلك كانت عقيدة المسلم بربه تعالى هي نقطة انطلاقه في تعامله مع نفسه ومع غيره، وكانت هذه العقيدة بمثابة الحاجز المنيع بينه وبين الخرافات التي من خلالها يمكن للإنسان الساذج تفسير ما وراء المحسوسات وما بعد الموت.

بل إن عقيدته بربه وإيمانه به هو الأساس الذي يربط المسلم بأخيه المسلم مهما بعدت بينهم المسافات والأقطار، وكانت العقيدة هي انطلاق المسلمين لبناء حضارتهم القائمة على توحيده تعالى؛ لذلك كانت العقيدة الإسلامية هي الأساس الذي من خلاله يمكن للمسلمين أن ينطلقوا في هذه العالم لكي يحققوا مراد الله تعالى من وجودهم، ولكي يبنوا حضارة مضيئة تظل على مدى الدهور والأيام.

إن الإيمان بالله - تعالى - هو الأصل الأول من أصول الإيمان، ويعني التصديق والإقرار بوجود الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى واحد أحد، فرد صمد، لا شريك له ولا شبيه، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه تعالى خالق كل شيء ومدبره، لا رب غيره، ولا مالك سواه، فهو تعالى موصوف بكل كمال، منفي عنه كل نقص، لا حول ولا قوة إلا به.

وليعلم المسلم أن إيمانه بالله تعالى، مرتبط بسلوكه وأخلاقه وأعماله؛ فمتى وجد الإيمان في قلب الإنسان كانت أخلاقه حسنة، وأعماله حميدة، وسلوكه قويمًا.

وقد وردت أدلة كثيرة على وجوده تعالى ووحدانيته في القرآن الكريم، وأفضل دليل وطريق اعتنى به القرآن هو توجيه النظر في مخلوقاته تعالى وآياته في الكون، وسيرى في هذا الطريق ما ينطق بعظمة الله الخالق عز وجل؛ لأن كل ما فيها ينطق بوجوده تعالى وبوحدانيته، فالكون كتاب منظور يُقرأ بكل لغة ويُدرك بكل وسيلة يُطالعه كل أحد، سواء ساكن الخيمة، أو ساكن القصر، قال تعالى: ﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡم لَّا يُؤۡمِنُونَ﴾ [يونس:١٠١].  فإذا ما استقر في قلب الإنسان أنه تعالى موجود، وأنه مراقِب له في كل أحواله، ويُحصي عليه أعماله، ومطلع عليه في سره وعلانيته، كان لهذا الإيمان أثر على نفسه ومجتمعه، وبيان ذلك أن الإنسان مفتقر بطبعه وفي حاجة إلى غيره، هذا الأمر بحسب الواقع ربما يوقع الإنسان في خصومة وتنافر وتنازع مع الآخرين، مما يجعله يلوذ بما يحقق له السعادة والاطمئنان النفسي مع الآخرين؛ فيتودد إليهم، ويسامحهم، ويقيل عثراتهم، ويغفر زلاتهم؛ لأن الإسلام يأمره  بالسماحة والصفح لكل الناس، يقدم الإحسان، ويبتعد عن الإساءة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت:٣٤].

والمؤمن دائمًا متيقن بأن الأمور كلها بيده تعالى؛ ولذلك فإنه يستشعر بأنه في حاجة دائمة إلى الخالق عز وجل، يلجأ إليه في الشدائد، يمده بما يحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد:٤]، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:١٨٦]. ويؤخذ من ذلك أن المؤمن عنده يقين وثقة بمعيَّة الله تعالى له في كل وقت، وهذا يمنحه الصفاء، والاطمئنان النفسي والاجتماعي.

وبناء على ما سبق، فالمؤمن لا يخاف ولا يهاب ولا يخشى إلا الله، وتلك ثمرة من ثمار الإيمان بالله، قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة:١٥٠]. وقال أيضًا: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]؛ فالله تعالى يريد أن نأنس به، ولا نخاف من أحد سواه سبحانه وتعالى، وهذا من شأنه أن يجعل المؤمن في حالة من الطمأنينة، والراحة، وهدوء البال. فهو في حمى المولى، يدافع عنه، ويؤازره، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج:٣٨].

والإيمان بالله تعالى من شأنه أن يوقظ الضمير، وأن يبعد الإنسان عن الانحراف؛ لأنه موقن بأن الله مطلع عليه في سره وعلانيته في كل صغيرة وكبيرة، وإذا استشعر ذلك كان إنسانًا صالحًا في مجتمعه، قال تعالى: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:١٨].

والمؤمن مراقِب للمولى تبارك وتعالى، ليقينه أن عمله لن يضيع هباء، ولذا فهو راض عن الله تعالى، قال عز وجل: ﴿فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ [آل عمران:١٩٥]. وعلى ذلك فهو لا يرجو جزاء ولا شكرًا من غيره؛ وإنما يبتغي الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.  

والإيمان به تعالى من شأنه أن يحقق السعادة الأخروية، وهي دخول الجنان، والبعد عن النيران، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:٢٥].

وعلى العكس مما تقدم نرى أن الإنسان الذي يعيش ولا يشعر بلذة الإيمان وحلاوته، لا يهنأ بعيش، يعيش حياة الغاب يأكل القوي فيها الضعيف، ولا عجب أن كثيرًا مما حُرموا لذة الإيمان كانت حياتهم غاية في البؤس والشقاء؛ حيث حُرموا من أفضل نعمة في هذه الدنيا، وهي نعمة الإيمان بالله تعالى.

وعلى ما تقدم، فعلى المسلم أن يسعى دائمًا إلى ما يزيد في إيمانه، وإلى ما يقربه من ربه سبحانه وتعالى، حتى يحقق السعادة لنفسه ولمن حوله ... والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وحدة الرصد باللغة العربية

 

طباعة