في إطار جهود مرصد الأزهر الشريف لمواجهة الفكر المتطرف وتحصين الشباب، استضافت كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بكفر الشيخ محاضرة توعوية قيمة ضمن مبادرة "نحو رؤية أزهرية لمجابهة التطرف"، وقد استقبل عميد الكلية الأستاذ الدكتور زكي صبري محمد عبد الله، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، ووكيل الكلية الأستاذ الدكتور ماهر فؤاد الجبالي، أستاذ الأدب والنقد، باحثي المرصد الذين قدموا مداخلات ثرية تناولت جوانب مختلفة من قضية التطرف وسبل مواجهتها.
وفي بداية المحاضرة، قدم الدكتور محمد بناية، المشرف بمرصد الأزهر، نبذة تعريفية عن أنشطة المرصد وأحدث الإصدارات المطبوعة، إضافة إلى أهم القضايا التي يتابعها ويرصدها الباحثون.
سمات الشخصية المتطرفة وإستراتيجيات الاستقطاب
بدوره، تناول الدكتور محمد عبد الرحمن، مشرف وحدة رصد اللغة العربية، سمات الشخصية المتطرفة وإستراتيجيات الاستقطاب، حيث أكد أن من أبرز سمات هذا النوع من الشخصيات التشدد في مسائل الدين، والاعتقاد المطلق بصواب آرائهم وخطأ آراء الآخرين، علاوة على نظرتهم التشاؤمية للواقع. وأوضح عبد الرحمن أن هذه السمات تدفعهم إلى الاصطدام بالواقع والشعور الدائم بالاضطهاد، مما قد يقودهم إلى العنف وإباحة القتل.
وشدد الدكتور عبد الرحمن على براءة الإسلام من هذا الفكر، مؤكدًا أن الدين الإسلامي يدعو إلى الحوار والنقاش وقبول الآخر ورفضه بضوابط علمية، وأنه لا يتعارض مع الحضارات بل يوجه النصح ويواجه الانحرافات بالوعظ والقوانين.
كما استعرض عبد الرحمن الإستراتيجيات التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة في استقطاب الأفراد، والتي تتضمن استهداف نقاط الضعف لدى الضحية، وعزله عن محيطه الاجتماعي، وغسل دماغه بتشكيكه في قيمه وزرع قيم بديلة، وتشويه النصوص الدينية واجتزائها من سياقها، والتلاعب بالمشاعر لاستثارة الغضب واستغلال الشعور بالظلم.
العنف الأسري وأثره في تغذية التطرف
من جانبها، تناولت الدكتورة شيماء سيد، الباحثة بوحدة رصد اللغة الفارسية، موضوع "العنف الأسري وأثره في تغذية العنف وتبني الأفكار المتطرفة"، مؤكدة أن تفكك الأسر وتلاشي الإحساس بالأمان فيها يخلق بيئة خصبة لتبني الأفكار المتطرفة وتعزيز السلوك العدائي. وأشارت إلى أن العنف الأسري يجعل الأفراد غير قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ، ويجعلهم أكثر عرضة للانضمام للتنظيمات المتطرفة التي تمنحهم شعورًا زائفًا بالانتماء.
كما أوضحت أن العنف الأسري يقف خلف العديد من الظواهر السلبية مثل: أطفال بلا مأوى، وعمالة الأطفال، والتسرب من التعليم، وجرائم الأحداث. ودعت الباحثة إلى تضافر الجهود بين المؤسسات لتزويد المناهج الدراسية بمقررات تعزز أهمية الأسرة، وتفعيل دور وسائل الإعلام وسن القوانين للحد من هذه الظاهرة.
الخطاب المعتدل في مواجهة التطرف
أما الأستاذ أحمد داوود، الباحث بوحدة رصد اللغة الصينية، فقد تناول في مداخلته التي حملت عنوان: "الخطاب المعتدل في مواجهة التطرف" أهمية الكلمة المسؤولة ودورها في بناء مجتمعات متماسكة تنبذ الغلو وتنفتح على الآخر، وأكد داوود أن الخطاب المعتدل قوة واعية تعلي من شأن الحوار وترسخ قيم التسامح والتوازن، وأن مواجهة التطرف تكون بنشر الوعي وتعزيز الفكر النقدي وترسيخ القيم الدينية والإنسانية التي تدعو للاعتدال.
كما شدد الباحث على دور النخب الفكرية والدينية والإعلامية في تشكيل الرأي العام وتحصينه من التطرف، ودعا إلى جعل الخطاب المعتدل نهجًا دائمًا في المؤسسات والمناهج.
الحفاظ على الهوية ودورها بوصفها حائط صد في وجه التطرف
وفي ختام اللقاء، تحدث الأستاذ عبد القادر أحمد، الباحث بوحدة رصد اللغة الصينية عن "الحفاظ على الهوية ودورها كونها حائط صد في وجه التطرف"، مؤكدًا أن الهوية ليست مجرد شعارات بل هي العناصر المحركة للأفراد للإنتاج في مجتمعاتهم. وأوضح الباحث أن الفراغ العقلي والنفسي والتخلي عن الهوية يفتح الباب أمام الأفكار المتطرفة، مردفًا أن الفرد المعتز بهويته والواعي بجذوره يكون أقل عرضة للتأثر بالأيديولوجيات المتطرفة التي تسعى غالبًا إلى الطعن في الهوية الأصلية واستبدالها بهويات زائفة.
هذا وقد لاقت المحاضرة استحسانًا كبيرًا من الحضور الذين أكدوا على أهمية هذه اللقاءات في تعزيز الوعي بمخاطر التطرف وضرورة تضافر الجهود لمواجهته.