يواجه العالم تحديات صعبة جرّاء الاستخدام السيئ للتكنولوجيا الحديثة على نطاق واسع، لا سيما أدوات الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد التي شرعت التنظيمات الإرهابية في توظيفها لأغراض غير آمنة بصورة كبيرة.
وفي هذا المقال نتناول هذه الظاهرة الخطيرة بالرصد والتحليل في محاولة للوقوف على مدى انتشارها ومظاهرها، والجهات التي تحاول استغلالها في تحقيق مصالح شخصية، أو إلحاق الأذى بمجموعات معينة، أو بالبشرية جمعاء، كما نحاول في هذا المقال تقديم بعض التوصيات بناءً على قراءتنا للوضع ورؤيتنا لسبل التغلب على تلك المخاطر المتنامية.
أولًا: الذكاء الاصطناعي التوليدي
يشير معهد الأمم المتحدة الدولي لأبحاث الجريمة والعدالة إلى أنه من المتوقع أن يتخطى السوق العالمي للذكاء الاصطناعي التوليدي حاجز الـ100 مليار دولار في عام 2025م([1]) بوصفه أحد أهم التقنيات في عصرنا الحالي. ويرتبط مصطلح الذكاء الاصطناعي بعدة مفاهيم ذات صلة من قبيل، تعلم الآلة، والتعلم العميق، ومعالجة اللغة الطبيعية، وإدراك الصور، وغيرها([2]). وفي الوقت الذي تزخر فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي بفوائد لا يمكن إنكارها؛ حيث تتغلل استخداماته النافعة في شتى المجالات، مثل الطب، ومكافحة الجريمة، والأمن، والاقتصاد، والاتصالات، والصحة، ويسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير بعض لقاحات جائحة كورونا، فضلًا عن استخدامات الإنسان الآلي، نجد أن بعض استخداماته "تبعث على القلق وربما الخوف" على حد قول أنطونيو جوتيريش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة عام 2018م([3]).
لماذا يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا؟
على الرغم من أن فوائد الذكاء الاصطناعي جمَّة، فإن الدراسات والأبحاث المعنية تكشف خبايا استخداماته الضارة، أو جوانبه المظلمة التي لا تزال في مهدها، وكذلك التنظيمات الإرهابية التي دأبت، بشكل أو بآخر، على استخدام أسلحة منخفضة التقنية، تتبنى مؤخرًا توجهًا أكثر عمقًا نحو استخدام التقنيات الحديثة، وعلى رأسها في الوقت الحالي الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح من أهم أدواتهم لنشر أفكارهم المغلوطة، وتجنيد أفراد جدد، وتنفيذ عمليات إرهابية جديدة عابرة للحدود عبر أنظمة لا تخضع للمراقبة بأساليب أكثر سرعة وأشد فعالية([4]). وبحكم التقدم العلمي، أضحى الذكاء الاصطناعي وتقنياته أقل صعوبة وأكثر انتشارًا، فلم تعد حكرًا في يد زمرة من نخبة علماء التكنولوجيا وخبرائها (وهو ما بات يطلق عليه ديموقراطية الذكاء الاصطناعي)([5])، حتى وصل الأمر إلى استحداث أعمال تجارية معنية بتوفير خدمات تسهيل الجرائم الإلكترونية cybercrime، وهي ظاهرة معروفة باسم الجريمة كخدمة Crime-as-a-Service([6]).
وعلى هذا تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي تنفيذ أو تيسير عمليات توصف بالتطرف (العنيف)، ويشمل ذلك عدة أنواع من قبيل: التهديدات المادية مثل المركبات المفخخة ذاتية الحركة على اختلاف أنواعها برًّا وبحرًا وجوًّا، لا سيما الطائرات المسيرة المزودة بتقنيات التعرف على الوجوه، والأسلحة البيولوجية المعدلة وراثيًّا.
كما تشمل تهديدات الذكاء الاصطناعي التهديدات الإلكترونية المعقدة مثل: عمليات تزييف المحتوى بمقاطع مصورة معدلة بتقنيات التزييف العميق بغرض تشويه صورة الطرف الآخر أو نشر الأفكار المتطرفة، وتجنيد عناصر جديدة (عبر إنشاء هُويات بشرية وهمية على منصات التواصل)، وقد أشار مركز مكافحة التطرف الكائن بويست بوينت بالولايات المتحدة إلى أن التنظيمات الإرهابية يمكنها تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي المعقدة؛ حيث تعد وسائل التواصل الاجتماعي ساحة خصبة لجرائم التزييف العميق، وتزييف المحتوى، والتحايل المالي لتمويل عمليات جديدة، وتجنيد الشباب خاصة، ونشر الأفكار المتطرفة عمومًا([7]).
وتقع تلك الأعمال ضمن أهداف الترويج والدعاية للتنظيمات الإرهابية التي تتبنى في الغالب إستراتيجية غسيل دماغ يطلقون عليها: (أعمال فظيعة لكنها مشروعة) (awful but lawful)K فضلًا عن المقاطع الصوتية المعدلة بتقنيات التزييف العميق التي تهدف إلى التحايل المالي، وبرامج القرصنة، أو تخمين كلمات المرور لاختراق حسابات المنصات الاجتماعية أو حسابات البريد الإلكتروني وغيرها، وكسر تأمين CAPTCHA للتحايل على تقنيات تأمين المواقع الإلكترونية، وتقنيات التشفير، وفك التشفير، والتحايل الإلكتروني في مجال العملات الرقمية([8]).
وهذا ما دعا بعض الخبراء إلى تركيز الاهتمام على آليات التنظيمات المتطرفة مثل أنصار اليمين المتطرف في توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة أهدافهم التحريضية والهجومية ضد المسلمين عبر نشر مواد وروايات مضللة، مثل المقاطع أو الصور وغيرها، مما يقع في دائرة الدعاية الموجهة نحو طبقة معينة أو نوع (ذكر أو أنثى) بعينه، وباتت إستراتيجية التضليل أداة مهمة دأبت التنظيمات المتطرفة على تبنيها بوصفها عاملًا رئيسيًّا للنيل من المسلمين وتشويه صورتهم افتراضيًّا، وما يستتبع ذلك من هجوم على أرض الواقع، أو هجوم سياسي عبر إصدار قرارات، أو قوانين تنال منهم؛ ولذا شهد عام 2024م زيادة في حالات مهاجمة المسلمين والمهاجرين كما حدث في بريطانيا في أغسطس من عام 2024م([9]) ([10]).
الذكاء الاصطناعي وتخليق الحمض النووي
ويعد مجال تركيب الحمض النووي((· أحد الجوانب المثيرة للقلق؛ حيث يقوم مقدمو الخدمة حاليًا (المختبرات) بفحص عملائهم طواعية، ويتيح التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي إنشاء أجهزة تُمكِّن المختبرات من طباعة الحمض النووي بدقة دون الحاجة إلى معدات خاصة، وهنا تكمن الخطورة؛ إذ سيتمكن ساعتها أفراد عاديون أو مجموعات صغيرة من الوصول لهذه القدرات الإنتاجية الدقيقة، والتي لا تزال حتى الآن مقصورة على المؤسسات الحكومية أو المختبرات المتقدمة بحثيًّا، مما ينذر بإمكانية تخليق جراثيم أو فيروسات تعيد للأذهان جائحة كورونا 19 - التي أدت لشلل عالمي- أو ربما عواقب أشد خطورة([11]).
الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية
كما يعد حصول التنظيمات المتطرفة على نوعيات من أسلحة الدمار الشامل عبر هجمات الذكاء الاصطناعي الإلكترونية تهديدًا آخر، فقد يتمكنون من الحصول على مواد نووية أو إشعاعية؛ فيكون حينئذ بمقدورهم إنتاج أسلحة نووية، أو قنبلة قذرة (إشعاعية)، أو مهاجمة منشآت نووية، مما قد يهدد حياة ملايين البشر.
وفي هذا الصدد، ثمة دور حيوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أشار مؤشر الأمن النووي التابع لمبادرة التهديد النووي أن بعض الدول ليست على أهبة الاستعداد لحماية منشآتها النووية ضد الهجمات الإلكترونية للتنظيمات المتطرفة التي ربما تلجأ لذلك الاختيار وسط التضييق المعهود بشأن الحصول على هذه الأسلحة والمواد الأولية([12]).
ثانيًا: الأسلحة المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
وبالمثل، تمثل الطباعة ثلاثية الأبعاد تهديدًا أمنيًّا متناميًا، وهي طباعة تكنولوجية تتبع أسلوب بنائي بإضافة طبقة فوق طبقة عبر تصميمات مدعومة بالحاسب الآلي، وباستخدام العديد من المواد الخام مثل البلاستيك، أو البوليمر، وغيرهما، وصولًا لاكتمال الشكل المطلوب إنشائه حيث يكون المخرَج النهائي منتجًا ثلاثي الأبعاد. وفي الوقت الذي تستخدم فيه تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في كثير من الأغراض ا لمدنية السلمية، فقد ازدادت مؤخرًا خطورة تطبيقاتها التي امتدت لمجالات إنتاج أسلحة قاتلة وامتلاكها([13]).
تكنولوجيا غير حديثة نسبيًّا
لا تعد الطباعة ثلاثية الأبعاد تكنولوجيا حديثة بالمعنى المفهوم؛ حيث استخدمها المصممون في ثمانينيات القرن الماضي فيما عرف (rapid prototyping) في إنشاء الأجزاء المادية من النماذج المصغرة. وفي عام 2013م، اكتسبت تلك التكنولوجيا بُعدًا آخر فأصبحت ذات طبيعة مزدوجة عندما نشرت شركةDefense Distributed - بولاية تكساس الأمريكية والمتخصصة في إنتاج برامج مفتوحة المصدر (وهي برامج إلكترونية يمكن للمستخدم أن يعدل محتواها) – مثل بعض الملفات الرقمية (دليل مستخدم) لأول سلاح ناري - وكان مسدسًا - مطبوعًا بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على الإطلاق، حيث يمكن تركيبه من أجزاء بلاستيكية قليلة، وأسمته ليبيراتور (the Liberator). وفي غضون يومين لا أكثر، تم تنزيل ذلك الدليل الإلكتروني أكثر من مائة ألف مرة.
وللتعبير عن خطورة ذلك السلاح، أكد وزير داخلية النمسا حينئذ أن ذلك السلاح البلاستيكي قاتل. وفي ذات العام، نشرت نفس الشركة دليلًا إلكترونيًّا آخر للبندقية نصف الآلية (22LR). وفي الوقت الحالي، أضحت كتيبات التعليمات الإلكترونية أكثر تعقيدًا من كل من ليبيراتور أو 22LR، كما ظهرت مجموعات كثيرة من الهواة والمتحمسين للأسلحة المطبوعة بالتقنيات ثلاثية الأبعاد عبر الإنترنت تطلق العنان للغتها الخاصة بها التي تشير إلى أكواد أسلحتها، وتحديثات ملفاتها الإلكترونية في إشارة خطيرة إلى ابتكارات مع الأسف هدامة وقاتلة([14]). وقد اكتسبت تلك التقنية حاليًا أهمية كبيرة في أوساط التنظيمات الإرهابية، وكذلك لدى أنصار اليمين المتطرف([15])؛ حيث انخفضت تكلفة إنتاجها انخفاضًا ملحوظًا منذ عام 2010م، مع ارتفاع جودتها نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي، مما سمح للعديد بدخول هذا المجال.
وفي عام 2013م، وعلى الرغم من أن الخارجية الأمريكية طالبت من شركة (Defense Distributed ) أن تحذف تلك الملفات الإلكترونية (دليل المستخدم) الخاصة بخطوات إنتاج الأسلحة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ لأنها تنتهك لوائح الاتجار الدولي في الأسلحة([16])، فإن الشركة رفعت دعوى قضائية عام 2015م ضد الخارجية الأمريكية، وانتهى الأمر إلى عرض الخارجية الأمريكية تسوية على الشركة، لكن أحد القضاة الفيدراليين ألغى تلك التسوية، وألغى تصريح الأسلحة البلاستيكية([17]).
وفي وقت لاحق، دشنت الشركة موقعًا إلكترونيًّا (DEFCAD) خدمةً لعملائها ليتمكنوا من تنزيل الملفات الإلكترونية (دليل المستخدم) للعديد من الأسلحة التي يمكن طباعتها بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، لدرجة أن الشركة أصدرت مؤخرًا مخرطة رقمية مخصصة لإنتاج الطراز (AR-15) من البنادق نصف الآلية. وحتى يومنا الحالي، ثمة العديد من الدعاوى القضائية المتداولة في أروقة محاكم الولايات المتحدة الأمريكية في انتظار صدور أحكام بشأنها، مما يجعل المرجعية القانونية لتلك النوعية من الأسلحة في الولايات المتحدة غير محددة وغير منظمة إلى حد كبير([18]).
أنواع الأسلحة المطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد
توجد ثلاثة أنواع من هذه الأسلحة، وهي كالتالي:
- الأسلحة النارية المطبوعة بالكامل بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
- الأسلحة النارية الهجينة المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وأجزاء معدنية أخرى (التي تشمل أنابيب فولاذية، وقضبان معدنية، وزنبركات).
- مجموعات أو أجزاء تجميع السلاح.
ومعظم تلك الأنواع يمكنها أن تطلق بضعة أعيرة نارية فحسب قبل أن تصاب بالعطب نتيجة السخونة الناتجة عن عملية إطلاق النار، إلا إن النوع الثالث أصبح أكثر انتشارًا وأعلى سعرًا؛ نتيجة القيود التي كانت مفروضة على سلاسل الإمداد إبان جائحة كورونا([19]).
أحداث وتهديدات حقيقية
في عام 2019م، أثبتت تلك النوعية من الأسلحة قدرتها على القتل على أرض الواقع حين استخدم أحد أنصار اليمين المتطرف عدة أسلحة - خمسة منها مطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد - لينفذ هجومًا على الكنيس اليهودي بمدينة (هيل) بألمانيا، ومن اللافت للنظر أن تلك الأسلحة عطبت في أثناء الهجوم جراء السخونة الناجمة عن إطلاق النار، الأمر الذي أصاب المهاجم بالإحباط([20]).
وفي هذا الصدد، يؤكد الخبراء أن الأمر لا يعدو مسألة وقت حتى تزودنا التكنولوجيا الحديثة بحلول فعالة للتغلب على هذه المشكلات الفنية، بغض النظر عن إمكانية استخدام أجزاء معدنية بجانب البلاستيكية.
وفي عام 2020م، حُكم على سائق سابق بالجيش البريطاني بالسجن لمدة 18 عامًا، إثر إدانته بارتكاب عدة جرائم من بينها حيازة مواد كيماوية أولية لإنتاج متفجرات بالتقنية ثلاثية الأبعاد، علاوة على حيازته دليلًا إلكترونيًّا لإنتاج تلك النوعية من الأسلحة البلاستيكية. وبعد مدة وجيزة، أُلقي القبض على فتى يبلغ 15 عامًا لحيازته دليلًا إلكترونيًّا لإنتاج متفجرات بالتقنية ثلاثية الأبعاد عبر استخدام مواد أولية منزلية.
وفي عام 2021م شهدت المملكة المتحدة أيضًا حالتي اعتقال منفصلتين بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بأسلحة نارية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وفي عام 2025م، أعلنت قيادة مكافحة الإرهاب ببريطانيا إدانة رجل يبلغ من العمر 33 عامًا بـــــــ 7 أعوام في السجن بتهم تتعلق بالإرهاب من بينها تخزين تعليمات لطباعة هذه النوعية من الأسلحة([21]). وقد دفعت تلك الأحداث وغيرها الجهات المختصة لزيادة مستوى يقظتها في العديد من الدول الأوروبية التي شهدت حوادث مشابهة مثل: إسبانيا، والسويد، وفنلندا، وغيرها([22]).
مدى قانونية الأسلحة المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
تعتمد قانونية طباعة تلك الأسلحة وامتلاكها على الأبعاد القانونية لكل دولة؛ نظرًا لحداثة تلك التقنية نسبيًّا، فعلى سبيل المثال، نجد أن هذه الأسلحة مسموح بها في الولايات المتحدة الأمريكية للاستخدام الشخصي فقط، بما في ذلك الأسلحة الهجين التي تتضمن قطعًا معدنية لسهولة كشفها عبر أجهزة أو بوابات التأمين المختصة بالكشف عن المعادن. وبالمقابل، حظرت مقاطعة (نيو ساوث ويلز) بدولة أستراليا استخدام هذه الأسلحة كليًّا، بينما تجيز كلٌّ من المملكة المتحدة وألمانيا استخدامها للأفراد المصرح لهم فقط، كما عدلت سنغافورة مؤخرًا قواعد استخدام هذه الأسلحة، وبالرغم من هذه الجهود، يظل إنتاج هذه الأسلحة وامتلاكها ميسورًا بشكل مثير للدهشة إلى حد بعيد([23]).
الأسلحة المطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد وأسلحة الدمار الشامل
علاوة على ذلك، أوضح بعض الباحثين التهديدات المحتملة للطباعة ثلاثية الأبعاد من حيث قدرتها على تطوير أسلحة الدمار الشامل(WMD)، فمن اللافت للنظر أنه يمكن للطباعة ثلاثية الأبعاد تصنيع أجهزة الطرد المركزي باستخدام الألياف الكربونية، أو إنتاج المتفجرات الإشعاعية التي تسبب التسمم الإشعاعي دون حدوث انفجار نووي. وبينما يرى البعض أن مستويات التهديدات المحتملة في الوقت الحالي منخفضة، إلا أن الطباعة ثلاثية الأبعاد لديها القدرة على تصنيع معدات مخبرية يمكن استخدامها لإنتاج أسلحة بيولوجية، إضافة إلى قدرتها على إنتاج أجهزة تفاعل سائلة مصغرة لمعالجة المواد الكيميائية (مسببات الأمراض)، ونشرها باستخدام معدات مثل الطائرات بدون طيار.
على سبيل المثال، في عام 2023م، اعتقلت الشرطة البريطانية طالب دكتوراه بجامعة برمنجهام (مهندس ميكانيكي) لاستخدامه تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في طباعة طائرة بدون طيار قادرة على توصيل سلاح كيميائي باستخدام علم الأحياء الصناعي([24]) ([25]).
كما أن ثمة مجالات أخرى للطباعة ثلاثية الأبعاد يتم استكشافها أو اختبارها، مثل طباعة البكتيريا، والمبادلات الحرارية، والعديد من المجالات الأخرى، مما يعني أن التهديدات المرتبطة بالطباعة ثلاثية الأبعاد ستستمر في التطور مع التقدم التكنولوجي المتسارع. ومع ذلك، فإن إنتاج أجهزة الطرد المركزي بكميات كبيرة عن طريق هذه التقنية قد يشكل عائقًا، بينما قد يصبح الحصول عليها بطرق غير قانونية حلًّا مواتيًا للإرهابيين([26]).
ولهذا، لا ينبغي التقليل من تهديدات الطباعة ثلاثية الأبعاد، خاصة مع انتشار ثقافة "اِفعلها بنفسك" (DIY) عبر الإنترنت، حيث تكون المعرفة المطلوبة في الغالب نظرية([27]). إضافة إلى ذلك، فإن تسارع تطوير نماذج اللغة، وهو مصطلح إحصائي يتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يسهم أيضًا في تسهيل وصول الأفراد إلى هذه التقنيات واستغلالها.
التوصيات
في الختام، بالنظر إلى التطورات التكنولوجية المتسارعة، هناك حاجة ماسة لزيادة الوعي الاجتماعي بشأن التهديدات المحتملة التي تمثلها تقنيات الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، التي توصف بأنها سهلة المنال بشكل غير معقول بسبب عوامل ضعف الرقابة. ويتطلب زيادة الوعي جهودًا دولية موحدة، بما في ذلك إطلاق مبادرات عالمية لمراقبة هذه التقنيات من خلال سن وإنفاذ الأنظمة والقوانين المناسبة، خاصةً بعد أن قامت الشركات التكنولوجية الرائدة بتقليص معايير المراقبة.
وفي هذا السياق، يمكن أن يؤدي تعزيز المناهج التعليمية الإلكترونية إلى تخفيف الآثار الضارة للذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد على المستويين الفردي والاجتماعي؛ بهدف معالجة الأمية الرقمية والمعلوماتية، وكذلك مكافحة المعلومات المضللة.
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة لبعض الجهود مثل "المؤتمر الدولي حول الطباعة ثلاثية الأبعاد للأسلحة النارية" الذي نظمته يوروبول في عام 2022م. كما تجدر الإشارة إلى أن "لجنة 1450"([28])، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وضعا بالفعل برنامجًا عالميًّا لمكافحة الإرهاب، بشأن الأنظمة الذاتية والموجَّهة عن بُعد. وعلاوة على ذلك، فعَّلت خارطة طريق الأمين العام للأمم المتحدة للتعاون الرقمي العديد من المبادرات، بما في ذلك برنامج مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب العالمي حول الأمن السيبراني والتقنيات الجديدة. ومع ذلك، يجب اتخاذ مزيد من الإجراءات، حيث يجب أن تؤدي الحكومات والشركات الخاصة والأكاديميون وغيرهم أدوارًا رئيسية في وضع إستراتيجيات مستدامة، واستثمارها لمكافحة هذه التهديدات.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه لا تكفي مجرد إزالة أو تقليل المحتوى الإلكتروني الضار المتزايد بطبعه، حيث يتم تحميل محتوى جديد يوميًّا (وبحسب التقارير، تمت إزالة ملايين الصفحات)، ونقصد هنا أنه بات ضروريًّا تبني قوانين وتنظيمات مناسبة لضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان وحرياته عبر الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، أو إنتاج أسلحة بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد تحت مسمى حرية التعبير.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية
· تركيب الحمض النووي: عملية صناعية يتم من خلالها بناء تسلسل محدد من جزيئات الحمض النووي (DNA) في مختبرات البيولوجيا الجزيئية والوراثية لأغراض الأبحاث العلمية، والهندسة الوراثية، وإنتاج الأدوية، وعلاج الأمراض الوراثية.
([20]) راجع المصدر السابق.
([23]) راجع المصدر السابق.
([24]) راجع المصدر السابق.
([27]) راجع المصدر السابق.
([28]) لجنة بالأمم المتحدة، تم تأسيسها بموجب القرار 1540 في عام 2004، لتشجيع الدول الأعضاء على تعزيز الرقابة الداخلية والصادرات؛ لمنع اكتساب المواد والتقنيات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل (WMD) من قبل الجهات غير الحكومية.