العمل ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق وتأمين ضروريات العيش بل أداة فاعلة لبناء* الذات ونهضة المجتمع
تعزيز ثقافة العمل الجاد والمثمر لدى أفراد المجتمع يمثل خط دفاع أول في مواجهة* التطرف
يبرز العمل بوصفه قيمة إنسانية، فهو ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق وتأمين ضروريات العيش، بل هو أداة فاعلة لبناء الذات والإسهام في نهضة المجتمع. ومن خلال الجدّ والمثابرة، يكتسب الفرد احترام الذات والثقة بالنفس، وينخرط بفاعلية في عجلة التنمية، تاركًا بصمة إيجابية في محيطه؛ لذلك يعزز العمل الشعور بالمسؤولية والانتماء، ويحصّن الأفراد من براثن الفراغ واليأس اللذين قد يقودان إلى أفكار هدامة وسلوكيات منحرفة.
وعلى النقيض من قيمة العمل البناء، يقف التطرف بوصفه فكرًا ظلاميًّا يسعى لتقويض أسس المجتمعات الآمنة والمستقرة، حيث يتغذى التطرف على الجهل والتعصب والانغلاق الفكري، مستغلًّا الظروف الاجتماعية والاقتصادية لتجنيد الأتباع ونشر أيديولوجياته الهدامة.
لذا، فالعلاقة بين قيمة العمل ومكافحة التطرف وثيقة ومتينة، وقد تجلت قيمة العمل في الإسلام بوضوح، والشواهد كثيرة على ذلك. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المجتمع المسلم في العمل، فقد رعى الغنم في مكة قبل بعثته المباركة، وقال في ذلك: "ما بعثَ اللَّهُ نبيًّا إلَّا راعيَ غنَمٍ، قالَ لَهُ أصحابُهُ: وأنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: وأَنا كُنتُ أرعاها لأَهْلِ مَكَّةَ بالقَراريط" (صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حتَّى يَأْتِيَ يَومَ القِيَامَةِ ليسَ في وجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ" (صحيح البخاري). ففي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان الذي يسأل الناس عن غير فقر ويذل نفسه ويمتهن كرامته التي أوجب الله عليه صيانتها، يغضب الله عليه.
وقد جعل رسولنا صلى الله عليه وسلم العمل بديل للفقر والحاجة، فقال: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ" (صحيح البخاري). كما حبب رسول الله العمل إلى نفوس المسلمين بقوله صلى الله عليه وسلم: "أطيبُ ما أكَلَ المؤمِنُ من عمَلِ يدِهِ".
وفي كتاب الله آيات تظهر لنا قيمة العمل، فقد كان نبي الله داود عليه السلام يعمل في صناعة الدروع الحديدية وما شابهها كما قال عزّ وجل: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ 10: 11]، وقال الله تعالى عن داوود أيضًا: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 80].
لذا، فإن تعزيز ثقافة العمل الجاد والمثمر لدى أفراد المجتمع يمثل خط دفاع أول في مواجهة التطرف، ويسد الطريق أمام التنظيمات المتطرفة لاستغلال الشباب في تنفيذ أيديولوجيتهم التخريبية ضد الأوطان.
كل عام وعمال الوطن بخير… أيادٍ تبني، وعقول تبدع، وسواعد تصنع المجد وتكتب مستقبل الأوطان.
عيدكم فخر، وعطاؤكم وسام على صدر الوطن…