سياسة التجويع: سلاح التنظيمات المتطرفة والكيان الصهيوني في تحقيق مآربهم

  • | الثلاثاء, 10 يونيو, 2025
سياسة التجويع: سلاح التنظيمات المتطرفة والكيان الصهيوني في تحقيق مآربهم

        تُمثل سياسة التجويع أحد أشد الأسلحة وحشيةً في الصراعات الحديثة، حيث تُستخدم عمدًا للسيطرة على إرادة الناس، والتحكم في مشاعرهم وعقولهم، أو يستغلها المحتلون لكسر إرادة المقاومة. فهذه السياسة تهدف إلى تدمير أو إزالة أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة مثل: المواد الغذائية، والمناطق الزراعية، والمراعي، والثروة الحيوانية، ومنشآت مياه الشرب وإمداداتها ، وأعمال الري، وقوارب الصيد، أو تلويث المناطق الحيوية بالألغام ومخلفات الحرب، أو فرض الإتاوات غير القانونية على الأعمال والمنشآت التي تدر دخولًا على أصحابها والعاملين فيها. وتظهر هذه المأساة واضحة جلية عندما نتابع الأخبار من مختلف أماكن الصراع حول العالم؛ فالتنظيمات المتطرفة في الساحل الأفريقي (مثل بوكو حرام، والشباب) تُمارس هذه السياسة للتلاعب بأحلام الجوعى والمعدمين، لإرغامهم على تبني أفكارهم وأيديولوجياتهم. وعلى صعيد آخر، يستغل الكليان الصهيوني في غزة هذه السياسة لإخضاع الشعب الأبي لطموحاته التوسعية، وفرض مخططه الخبيث، وكسر صمود شعب لم تنجح آلته العسكرية المتجبرة في النيل منه.

وتأكيدًا لهذا المعنى، نشر موقع كونفيرسيشن تقريرًا حول سياسة التجويع التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة في إفريقيا للضغط على المواطنين والحكومات للرضوخ لمطالبها. ويشير التقرير إلى أنه خلال الأعوام الأخيرة، فإن مسألة دور الطعام في الصراعات باتت تشغل اهتمامًا دوليًّا، لا سيما في القارة الإفريقية. وذلك بعد أن شهدت القارة ارتفاعًا في معدلات الإرهاب في عدة مناطق؛ إذ إن العنف، الذي تمارسه المنظمات الإرهابية، يرتبط بأوضاع الأمن الغذائي، وهو ما يتسبب في دائرة شرسة من الجوع والصراع. ويتسبب الإرهاب في حالة من عدم الاستقرار الغذائي، فهو يعمل على تقويض أنظمة الإنتاج وسلاسل الإمداد. وفي الوقت ذاته، فإن تضاعف النقص الغذائي يساعد على زيادة التوترات والتنافس على المصادر الأساسية على حساب المجتمعات الأكثر احتياجًا. وهذا بالتالي يزيد من فرص الحراك نحو العنف.
ويكشف الموقع من خلال عدد من الباحثين في مجال الحرب المؤقتة والأمن العالمي دور الطعام في أكبر أعمال التمرد الإرهابية في إفريقيا. وجاءت جماعتا بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال في بؤرة الدراسة. ويسلط التقرير الضوء على كيفية استغلال الطعام بوصفه ليس فقط مؤثرًا للعنف، ولكن أيضًا وسيلة تحارب بها التنظيمات المتطرفة، وتحكم بها زمام الأمور. 
استخدام الإمدادت سلاحًا:
منذ نهاية حقبة 2000، استهلك تنظيما بوكو حرام والشباب قوات الأمن الأفريقية في حروب عنيفة، حيث سعى كلا التنظيمين إلى الإطاحة بالحكومات المحلية، وإرساء قوتهم. كما حاولا بشكل كبير توسيع نطاق شبكاتهما في المناطق التي تعاني من ندرة غذائية، وتلك المناطق هي ولاية بورنو النيجيرية، وجنوب الصومال. تلك المناطق عانت تاريخيًّا من حالة من الاحتكاكات بين السكان والسلطات الحكومية، فقد عانت المجتمعات المحلية من التهميش الاجتماعي الاقتصادي، ندرة المواد الأساسية، ومعدلات بطالة عالية، وهي النقاط التي استغلتها كل من بوكو حرام والشباب لكسب شعبية بين السكان، في محاولة لأخذ مكان السلطة المحلية عن طريق توفير المواد الأساسية. 
يُذكر أن مقاتلي بوكو حرام قدموا لسكان القرى المهمشة المواد الغذائية اللازمة مثل: البسكويت، والأرز، والمكرونة، أو كما وصفهم سكان ولاية بورنو فقد أظهر مقاتلو بوكو حرام "الحب والاهتمام" في التعامل مع الاحتياجات المحلية.كما لجأت حركة الشباب في الصومال لأسلوب مماثل لكسب محبة سكان جنوب الصومال وعقولهم وزيادة أعداد مقاتليها، فزودت الحركة الإرهابية بعض المجتمعات الفقيرة بالوجبات والبضائع، كما روجت للأنشطة الزراعية المحلية. وبالمقابل لتلك الأنشطة، تبنى التنظيمان الإرهابيان إجراءات أكثر عنفًا تجاه تقدم قوات مكافحة الإرهاب، واستخدموا الحرمان الغذائي لمعاقبة المدنيين غير المتعاونين والذين تضامنوا مع الدولة، من خلال تبني سياسة التجويع. 
وهكذا، استهدفت بوكو حرام البنى التحتية للغذاء، فقامت الجماعة بحرق المحاصيل ومنعت أنشطة الفلاحة والصيد، بل وسممت مصادر الماء، وبالمثل، فقد أوقفت حركة الشباب طرق التجارة، ودمرت المستوردات الغذائية؛ بهدف عزل القرى الصومالية الجنوبية والتي تسيطر عليها القوات الأمنية، وحرمتهم من الدعم الأساسي. ففي فترة مجاعة الصومال التي حدثت بين عامي 2011م، و2012م، أوقفت حركة الشباب المنظمات الإغاثية عن العمل؛ بهدف منع توزيع المواد الغذائية، ومحاربة التأثير الغربي على الأقاليم التي تقع تحت سيطرتهم. 
التداعيات:
أسفر استخدام الغذاء باعتباره سلاحًا عن تداعيات جمة في كل من ولاية بورنو وجنوب الصومال؛ فأصبح ذلك المسبب الأول لتدهور الأمن الغذائي في تلك المناطق على مدار الـ 15 عامًا الماضية. كما أن الهجوم على مصادر الغذاء والبنى التحتية أثرت سلبًا على طرق الإمداد، ودفع الناس لترك محاصيلهم ومراعيهم. وهو ما أثر سلبًا على الإنتاج وتوافر المواد الأساسية، وبالتالي ساءت الأوضاع الإنسانية وضعف الاقتصاد القومي وازدادت معدلات النزوح كثافة.
تلك السياسات أثرت أيضًا على مقاتلي التنظيمات الإرهابية، فانقلب السحر على الساحر، وبات التنظيمان (بوكو حرا والشباب) ضحايا للسياسات الطارئة التي أسهموا في إنتاجها. وهكذا، واجه التنظيمان مشاكل في تزويد مقاتليهم ومؤيديهم بالمواد اللازمة، حتى أفادت تقارير زيادة أعداد المقاتلين المستسلمين للقوات الأمنية طلبًا للغذاء. 
ومن أجل مواجهة تلك التحديات، فقد لجأت بوكو حرام والشباب للإغارة على القرى وسرقة الغذاء والمواد الأساسية للمعيشة. لكن زيادة الاحتكاكات مع المواطنين قوضت من قدرات الجماعتين ودفعت -على سبيل المثال- بوكو حرام لنقل جزء من مواردها وعملياتها لمنطقة "بحيرة تشاد". وكثفت الجماعة من غاراتها على الدول المجاورة لنيجريا؛ من أجل الحصول على الطعام.
أما في الصومال فقد تسببت التوترات مع مجتمعات الزراعة والرعي إلى خلق ميليشيات تتحرك ضد حركة الشباب.

هذه السياسة التي ينتهجها عدد من التنظيمات الإرهابية لا تختلف كثيرًا عن الأسلوب نفسه الذي يستخدمه الكيان الصهيوني الإرهابي في تجويع شعب أعزل، وسلبه لأبسط حقوقة من الغذاء، حيث أشارت "هيومن رايتس ووتش" -في وقت سابق- إلى أن حكومة الكيان الصهيوني تستخدم تجويع المدنيين أسلوبًا للحرب في قطاع غزة المحتل، ما يشكل جريمة حرب. ويتعمد هذا الكيان الغاشم منع إيصال المياه والغذاء والوقود، بينما يعرقل عمدًا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.

ولقد شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الانتقادات الأوروبية لسياسة الكيان الصهيوني الإرهابي في غزة، خاصة فيما يتعلق بالتجويع الممنهج والاستهداف العسكري للمدنيين؛ إذ وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تجويع وقتل الفلسطينيين بـ"العار"، مما دفع نتنياهو للرد باتهام فرنسا بـ"دعم الإرهاب" عبر تأييدها لحماس. كما أدان وزير خارجية ألمانيا "يوهان فاديفول"، تأخير إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية، مؤكدًا أن "ترك المدنيين يتضورون جوعًا -انتهاكٌ للقانون الدولي". ورغم التنديد الأوروبي، لا تزال إسرائيل تمنع 90% من المساعدات الإنسانية عن غزة، وتواصل القصف المكثف.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

طباعة