دراسة جامعة مونستر الألمانية عن التطرف الإسلاموي: تساؤلات منهجية ومخاطر التعميم

  • | الإثنين, 23 يونيو, 2025
دراسة جامعة مونستر الألمانية عن التطرف الإسلاموي: تساؤلات منهجية ومخاطر التعميم

تشهد نقاشات الاندماج في ألمانيا منذ سنوات حالة من الاستقطاب المتزايد، خصوصًا في سياق المهاجرين المسلمين، وقد سلطت دراسة حديثة من جامعة مونستر الضوء على جزء مثير للجدل من السكان المسلمين ذوي الأصول المهاجرة في ألمانيا، وبينما تؤكد الدراسة وجود توجهات مقلقة قد ترتبط بالتطرف لدى شريحة من المسلمين، فإن النتائج والتوصيات المطروحة تستدعي تحليلًا علميًّا دقيقًا قبل القبول بها، أو تعميمها.

وفقًا لما نشرته صحيفة "نويه أوسنابروكر تسايتونغ" حول دراسة أجرتها وحدة أبحاث الإسلام والسياسة بجامعة مونستر، بقيادة عالم الدراسات الإسلامية الأستاذ "مهند خورشيد"، فإن حوالي 20% من المسلمين ذوي الأصول المهاجرة في ألمانيا يحملون توجهات وُصفت بأنها بمثابة "قنبلة موقوتة للتطرف"، وقد اعتمدت الدراسة على عينة قوامها 1887 شخصًا جرى استطلاع آرائهم بين يوليو 2023م، وأبريل عام 2024م، وخلصت إلى أن هذه الشريحة تعاني مما سمته: "حالة الضغينة"، والمتمثلة في العداء للغرب ولليهود، وتبنِّي أيديولوجيات تتعارض مع القيم الديمقراطية الألمانية، فضلًا عن إظهار الاستعداد لتسويغ العنف، أو حتى ممارسته دفاعًا عما يعتبرونه "مصالح المسلمين".

وأثارت هذه النتائج دعوات سياسية وإعلامية لضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، كتشديد سياسات الهجرة والترحيل، ومواجهة التوجهات المتطرفة بحزم، باعتبار أن هذه الشريحة تشكل خطرًا حقيقيًّا على الأمن والتماسك الاجتماعي في ألمانيا.

وهنا يأخذ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بعض الملحوظات على هذه الدراسة؛ لما تثيره من تساؤلات علمية ومنهجية مهمة يجب مراعاتها قبل قبول نتائجها، أو تعميمها.

أولًا: إشكالية التعميم: إذ أُجريت الدراسة على عينة صغيرة نسبيًّا (1887 شخصًا فقط)، مما يجعل من الصعب علميًّا تعميم نتائجها على أكثر من خمسة أو ستة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا، فالتعميم الإحصائي الدقيق يحتاج إلى عينات أكبر وأكثر تمثيلًا ديمغرافيًّا تشمل التنوع الجغرافي، والفئات العمرية، والخلفيات الثقافية والاجتماعية المختلفة.

ثانيًا: تعريف التطرف والغموض: استخدمت الدراسة مصطلحات مثل: "الضغينة" و"العداء للغرب واليهود" دون تقديم تعريفات واضحة ودقيقة، ومن الناحية العلمية يؤدي غياب التعريفات الدقيقة والقابلة للقياس إلى غموض في تفسير النتائج واحتمالية كبيرة للتحيز. والسؤال هنا: ما المعيار الدقيق الذي اعتمدته الدراسة لقياس التطرف؟

ثالثًا: التحيز المنهجي المحتمل: فهناك تساؤل مشروع حول اختيار المشاركين وطريقة صياغة الأسئلة، فإذا طُرحت الأسئلة بطريقة تؤجج المشاعر والعواطف، فقد يؤدي هذا إلى ردود أفعال دفاعية لا تعكس بالضرورة استعدادًا حقيقيًّا للعنف أو قناعة راسخة بأفكار متطرفة، فمن المعروف علميًّا أن صياغة الأسئلة تلعب دورًا كبيرًا في تحديد طبيعة الإجابات، فطرح أسئلة بطريقة تؤجج المشاعر، أو تستثير العواطف، خصوصًا عند التطرق إلى موضوعات حساسة مثل: الهوية الدينية، أو القومية، أو الموقف من الغرب، قد يؤدي إلى ردود أفعال دفاعية وعاطفية لا تعبِّر بالضرورة عن قناعات ثابتة أو استعداد فعلي للعنف؛ حيث إن بعض المشاركين قد يشعرون بالضغط لتقديم إجابات دفاعية عن هويتهم أو ثقافتهم، في محاولة لإثبات ولائهم لمجتمعهم الأصلي أو دينهم، كما أن السياق الذي تُطرح فيه الأسئلة قد يؤثر على إجابات المشاركين، فإذا شعروا بأنهم مستهدفون أو تحت المساءلة، فقد يؤدي ذلك إلى إجابات متطرفة؛ بهدف الدفاع عن النفس أو التعبير عن موقف احتجاجي، وهو أمر يختلف تمامًا عن التعبير عن مواقف متطرفة حقيقية، وبالتالي، من الضروري في مثل هذه الدراسات الحساسة أن يتم تصميم الأسئلة بشكل علمي متقن، مع توفير بيئة آمنة نفسيًّا للمشاركين لضمان أن النتائج التي يتم الحصول عليها تعكس الواقع بشكل أكثر دقة وموضوعية.

كما أنه من المهم جدًّا النظر إلى السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يعيش فيه المشاركون؛ حيث إن عدم الاهتمام الكافي بهذه الجوانب قد يؤدي إلى فهم قاصر أو مضلل لطبيعة النتائج التي تم التوصل إليها، فالشعور بالتهميش وعدم الانتماء أحد العوامل الجوهرية التي تؤثر في تشكيل مواقف الأفراد، لا سيما من أصول مهاجرة، فالكثير من الدراسات الأكاديمية بيَّنت بوضوح أن الأفراد الذين يشعرون بالعزلة أو عدم القبول من قِبل المجتمع المضيف يميلون غالبًا إلى ردود أفعال دفاعية حادة تعبيرًا عن رفضهم للواقع الذي يعيشونه، أو احتجاجًا على أوضاعهم الاجتماعية الصعبة، ولذلك يمكن أن تكون الردود التي صنَّفتها الدراسة على أنها «تطرف» مجرد تعبير عن إحباط أو احتجاج اجتماعي، وليس دليلًا على استعداد فعلي للعنف، ويجب أيضًا أن نضع في اعتبارنا التأثيرات السياسية والإعلامية على تشكيل مواقف المشاركين، فمثلًا تصاعد الخطابات اليمينية الشعبوية في أوروبا وألمانيا تحديدًا، والتي تهاجم المسلمين أو تربط بين الإسلام والعنف، قد تدفع بعض الأفراد إلى تبني ردود فعل متطرفة لفظيًّا دون أن يكون ذلك مؤشرًا على قناعة حقيقية، أو استعداد عملي للعنف.

رابعًا: مبالغة في التوصيات: تبدو توصيات الدراسة مبالغًا فيها، خاصة تلك التي تدعو إلى إجراءات صارمة كالتوسع في الترحيل، أو إحداث تغييرات جذرية في سياسة الهجرة، فمثل هذه الإجراءات إذا لم تستند إلى بيانات قوية ومنهجية دقيقة، فقد تزيد من الاستقطاب والتوتر الاجتماعي، بدلًا من حل المشكلة.

وبناءً على هذه الملحوظات، يؤكد مرصد الأزهر ضرورة تبنِّي نهج متوازن وموضوعيّ؛ لفهم أسباب الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالهجرة والتطرف، بعيدًا عن التعميم أو المبالغة، مع الدعوة إلى اعتماد معايير علمية دقيقة في دراسة مثل هذه القضايا الحساسة، ضمانًا لتماسك المجتمع، واحترامًا لمبادئ العدالة والديمقراطية، فبدلًا من اتخاذ إجراءات صارمة مثل الترحيل الجماعي، أو عمل تغييرات جذرية في سياسات الهجرة دون الاستناد إلى بيانات دقيقة، فمن الممكن أن يكون هناك تعزيز للبرامج الاجتماعية والثقافية والتوعوية التي تسهِّل عملية الاندماج ودعم برامج الحوار الثقافي والديني البناء، وكذلك التركيز على السياسات الاجتماعية التي تقلل من الشعور بالتهميش والتمييز، كما يشير المرصد إلى أنه يجب النظر بعين الاعتبار إلى الأبعاد السياسية والإعلامية التي قد تستغل نتائج مثل هذه الدراسات في تعزيز الاستقطاب المجتمعي، وتصعيد الخطاب الشعبوي ضد المهاجرين والمسلمين بشكل خاص، وهنا تبرز المسؤولية الأخلاقية للباحثين والإعلاميين على حد سواء في تقديم هذه النتائج بطرق تضمن الدقة العلمية، وتمنع إساءة استخدامها سياسيًّا وإعلاميًّا.

وحدة الرصد باللغة الألمانية


 

طباعة