هل تتغير سياسة أوروبا تجاه الكيان الصهيوني؟

  • | الأحد, 20 يوليه, 2025
هل تتغير سياسة أوروبا تجاه الكيان الصهيوني؟

تتزايد في أوروبا الدعوات لفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، في حين تهدد حكومة نتنياهو: "لا تعترفوا بدولة فلسطين، وإلا فسنضم الضفة الغربية".

في ظل هذه الإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية التي يعاني منها سكان قطاع غزة، تتزايد موجة الانتقادات في أوروبا ضد السلوك الدامي للكيان الصهيوني في غزة. وقد تمثل أول مؤشر على هذه الانتقادات، في قيام المفوضية الأوروبية ببدء مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، وهي خطوة انضمت إليها دول عادة ما تتجنب انتقاد الكيان الصهيوني.

وجاءت ألمانيا في واجهة هذا التغيير، بموقف يُعد تحولًا غير مسبوق في اللهجة؛ حيث صرح المستشار الألماني فريدريش ميرتس قائلًا: إنه "لم يعد يفهم ما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وما هو الهدف منه؟!"، مضيفًا أن "إلحاق هذا القدر من الأذى بالمدنيين، كما حدث مرارًا في الأيام الأخيرة، لم يعد يمكن تعليله على أنه حرب ضد إرهاب حماس".

ومن مدريد، دعا وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، إلى فرض حظر على شحنات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني. وخلال اجتماع "مجموعة مدريد" التي ضمت ممثلين عن ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، ومصر، والأردن، والسعودية، وتركيا، والمغرب، والبرازيل؛ بهدف مناقشة وقف إطلاق النار، وحل الدولتين صرح ألباريس قائلًا: "إن آخر ما يحتاجه الشرق الأوسط في هذه اللحظة هو المزيد من الأسلحة".

وبعد 7 أكتوبر 2023م واستمرار الحرب على غزة، أوقفت بعض الدول الأوروبية بالفعل توريد الأسلحة أو علقت تصاريح التصدير إلى الكيان الصهيوني. ومع ذلك، يبقى تأثيرها محدودًا؛ إذ لا تتعدى مساهمتها 0.1% من إجمالي الإمدادات. أما فيما يتعلق بالحديث عن ممارسة ضغط حقيقي على حكومة الكيان الصهيوني، فهذا يتطلب حشد الدول الثلاث: الولايات المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، والتي توفر تقريبًا كل الأسلحة للكيان الصهيوني.

هل الولايات المتحدة وألمانيا هما الموردان الرئيسيان؟

تُعد الولايات المتحدة، تاريخيًّا وبفارق كبير، المصدر الرئيسي للأسلحة للكيان الصهيوني. ورغم تراجع المبيعات في العقد الأخير، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإنها شكَّلت نحو ثلثي واردات الأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2020م، و2024م، وتشمل هذه الأسلحة طائرات، ومركبات مدرعة، وقنابل موجهة، إلى جانب اتفاق لتقديم دعم بقيمة 3.8 مليارات دولار حتى عام 2028م. وبالنظر إلى الروابط الثقافية والسياسية العميقة التي تربط البلدين، فمن غير المرجح أن تغيِّر واشنطن موقفها الداعم للكيان الصهيوني. وقد رُفضت محاولات لوقف المساعدات العسكرية، قادها السيناتور المستقل بيرني ساندرز، مرارًا من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي في نوفمبر 2024م، وأبريل 2025م.

وتأتي ألمانيا في المرتبة الثانية؛ إذ زوَّدت الكيان الصهيوني بنحو ثلث معداتها العسكرية، من بينها فرقاطات، وصواريخ مضادة للدبابات، وشاحنات، وذخائر. وتبقى الشراكة بين برلين وتل أبيب ثابتة على الرغم من تصريحات ميرتس. وقد صرح وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول قائلًا: "بصفتها دولة تعتبر أمن إسرائيل ووجودها مبدأً أساسيًّا، فإن ألمانيا ملزمة دائمًا بدعمها".

Image

ماذا تقدم إيطاليا؟

تُسهم إيطاليا بأقل من 1% من صادرات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، رغم أن القانون الإيطالي يمنعها من ذلك؛ فالمادة 1 من القانون 185 لسنة 1990 تنص على حظر تصدير الأسلحة ومكوناتها إلى الدول المتورطة في نزاعات، أو في حالة من عدم الاستقرار السياسي الداخلي. ورغم انتقاد الحكومة الإيطالية لأفعال الكيان الصهيوني، كما جاء في تصريحات وزير الدفاع الإيطالي كروستيتو: "الحرب المشروعة والمقدسة ضد حماس لها حدود، وقد تجاوزها نتنياهو"، فإن تقارير العام الماضي 2024م تكشف أن روما واصلت تصدير الأسلحة للكيان الصهيوني بعد بدء الأعمال العدائية.

ففي عام 2024م –بحسب تحليل أجرته مجلة "ألتراإيكونوميا"– صدَّرت إيطاليا أسلحة وذخائر إلى الكيان الصهيوني بقيمة 5.2 مليون يورو، مقارنة بـ12.3مليونًا في عام 2023م، و16.8 مليونًا في عام 2022م. وتوضح المجلة أن هذه الأرقام "يجب التعامل معها بحذر"؛ إذ إن الفئة الجمركية "أسلحة وذخائر" التي تتابعها وكالة الجمارك والمعهد الوطني للإحصاء تشمل فئات فرعية مختلفة للغاية.

ومن المنتظر أن يشتعل هذا الموضوع الجدل السياسي داخل إيطاليا في الأيام القادمة؛ إذ بادر عدد من الحقوقيين في 21 من مايو 2025م إلى إطلاق مبادرة تطالب الحكومة الإيطالية بعدم تجديد مذكرة التفاهم مع الكيان الصهيوني في مجال التعاون العسكري والدفاعي، والتي تم تمديدها تلقائيًّا في 8 من يونيو 2025.

يشير الحقوقيون من جانبهم إلى احتمال وجود جانبين من عدم الدستورية في الاتفاق:

1- الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة.

2- عدم احترام حق المواطنين الإيطاليين في الحصول على المعلومات، خاصة فيما يتعلق بالتكاليف المالية المرتبطة بالمذكرة، والتي يغطي جزء منها السرية.

إن المذكرة الموقعة في باريس في 16 من يونيو 2005م، والمجددة كل خمس سنوات، يغطيها إلى حد كبيرٍ السرِّيةُ، مما يجعل من المستحيل معرفة تفاصيل التعاون العسكري بين البلدين، تتضمن التعاون في مجالات متعددة مثل: استيراد وتصدير الأسلحة، والعمليات الإنسانية، وتدريب الأفراد العسكريين، وتبادل المعلومات التقنية.

يحذر القانونيون من أن استمرار التعاون مع الكيان الصهيوني، في ظل التحقيقات الجارية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، قد يجعل إيطاليا شريكة في هذه الجرائم، ويشيرون إلى أن هذا التعاون يتعارض مع المبادئ الدستورية الإيطالية، والالتزامات الدولية، خاصة في ظل الأوضاع الخطيرة في غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية.  تأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه الكيان الصهيوني اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة، مع صدور مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.

يُذكر أن المذكرة لم تُلغَ من قبل أي من الطرفين منذ توقيعها، مما يعني أنها ستُجدد تلقائيًّا ما لم يتم اتخاذ إجراء رسمي لإلغائها.

ما هي سياسة شد الحبل حول فلسطين؟

على الرغم من تصاعد الانتقادات من دول حليفة، فإن نتنياهو لا يُخفف من لهجته، بل يرفع مستوى التصعيد الدبلوماسي مع أوروبا. وقبيل المؤتمر رفيع المستوى، حول حل الدولتين،  والذي استضاف فرنسا والسعودية في الأمم المتحدة في 17 من يونيو 2025م، وجَّه وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، تحذيرًا مباشرًا إلى باريس: "إذا اعترفتم بدولة فلسطين، فسترد إسرائيل بضم الضفة الغربية". وبالطريقة نفسها، أوضح وزير الخارجية، جدعون ساعر، للمملكة المتحدة أن "أية خطوات أحادية ضد إسرائيل ستقابل بإجراءات أحادية من جانب إسرائيل."وذلك وفقًا لما نشرته صحيفة "هآرتس".

منذ أيام تتزايد التسريبات حول نية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طرح مبادرة للاعتراف المنسق بدولة فلسطين خلال قمة نيويورك. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو: "هدفنا هو جمع أكبر عدد ممكن من الدول التي يمكن أن تعترف بدولة فلسطين وأخرى قد تطبِّع علاقاتها مع إسرائيل، حتى يصبح وجود دولة فلسطين، الذي لم يعد قابلًا للتأجيل، أمرًا واقعًا".

وختامًا، في ظل هذا التوتر بين أوروبا والكيان الصهيوني، لربما ينتظر حكومة الكيان الصهيوني عاصفة دبلوماسية، أو شيء أقرب إلى ذلك بكثير. ومع تصاعد الأصوات الأوروبية الداعية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، تبدو العلاقة بين أوروبا والكيان الصهيوني مقبلة على مرحلة من التوتر غير المسبوق. فبينما ترى دول أوروبية عدة أن الاعتراف هو خطوة ضرورية لإحياء مسار حل الدولتين ومنع المزيد من التصعيد، تعتبره حكومة نتنياهو تهديدًا مباشرًا لمصالحها الإستراتيجية، وتسعى لردود فعل تصعيدية بالمثل، كضم الضفة الغربية، أو تعليق التعاون السياسي.

في هذا السياق، لا يُستبعد أن يُشكِّل الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين لحظة فارقة تعيد رسم معالم العلاقات الدبلوماسية في المنطقة، وتفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة بين الرؤية الأوروبية للسلام الإقليمي، وسياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية. ومن ثم، تجد أوروبا نفسها أمام اختبار تاريخي: إما أن تترجم مواقفها المعلنة إلى قرارات سياسية جريئة، أو أن تظل رهينة الحسابات الجيوسياسية، والضغوط الدولية.

وبدورنا نؤكد على أهمية التدخل السريع والفوري من قبل المجتمع الدولي؛ لوقف حرب الإبادة الجماعية، وتجويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ حيث كشفت تقارير دولية صادمة عن استهداف جيش الاحــتلال الممنهج للنساء في غـزة، بمعدل مقتل امرأة كل ساعة تقريبًا. وبحسب تقرير "أوروميد"، قُتلت في غزة أكثر من 12.400 امرأة خلال 582 يومًا، بمعدل 21 امرأة يوميًّا، أي ما يقارب امرأة كل ساعة، دون احتساب الوفيات الناتجة عن الحصار، أو نقص الغذاء والدواء. بينما أشارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن العدد يتجاوز 28.000 امرأة وفتاة، كثيرات منهن أمهات استُهدفن في بيوتهن، ومخيمات النزوح. والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة قد حذرت من الكارثة الإنسانية التي تتفاقم يومًا بعد يوم في غزة، حيث تواجه أكثر من مليون امرأة وطفلة مستويات كارثية من الجوع، والأمراض في ظل غياب شبه تام للرعاية الطبية، وارتفاع غير مسبوق في معدلات وفيات الحوامل والمرضعات. فضلًا عن تصريحات المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لويز ووتريدج، التي قالت: "إن الجوع في غزة ليس سوى جزء من الأهوال التي يعيشها المواطنون هناك"، في ظل 175.000مواطن فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، و11.000 مفقود.

في ظل هذه المأساة نؤكد على ضرورة إنقاذ الفلسطينيين من براثن الاحتلال الغاصب، الذي يستخدم معاناتهم أداة للضغط من أجل الترويج لصورة مزيفة من النصر تُخفي فشله خلال أكثر من عام ونصف. كما ننبه إلى أن استغلال الوضع الإنساني للمدنيين في غزة لا يعكس سوى انحطاط هذا الكيان الغاصب،  الفاقد لكل القيم والأعراف، إلى جانب انتهاكه للقوانين الدولية.

وحدة الرصد باللغة الإيطالية

 

طباعة