الإيمان بالقدر وأثره في سلوك الفرد والمجتمع

  • | الأربعاء, 23 يوليه, 2025
الإيمان بالقدر وأثره في سلوك الفرد والمجتمع

     علم الله ومشيئته سَابقان لكلّ شيء، فهو سبحانه وتعالى المُطَّلع على خفايا الأمور والمُتحكم فيها، يقول صاحب التعريفات: "القدر: تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة، فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان وعين وسبب معين عبارة عن القدر" [يراجع: السيد الشريف الجرجاني: التعريفات (ص/174)].

 

وقد جعل تعالى الإيمان بما قضى وقدَّر أصلًا من أصول الإيمان؛ يكفر منكره قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر/٤٩]، وفي حديث جبريل الشهير حين سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان فقال له عليه الصلاة والسلام: "أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ" [أخرجه مسلم رقم: 8 ].

 

وللإيمان بالقضاء والقدر أثر مهم في سلوك الفرد والمجتمع منها: الطمأنينة وراحة النفس وعدم الخوف؛ فالتصديق الجازم بأنَّ ما كان وما يكون إنما هو بقضاء الله وقدره يجعل نفس الإنسان غاية في الطمأنينة وراحة البال، حيث يشكر ربه عند الرخاء ويصبر على مصائبه عند البلاء، يقول تعالى: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَا فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَـٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)} [الحديد/٢٢-٢٣]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له" [ أخرجه مسلم (4/2295)].

ومنها الصبر على الشدائد والملمات؛ وهذا الأمر يتعلق بما قبله أيضًا، فالإنسان في هذه الحياة الدنيا معرض للابتلاء في نفسه أو ماله أو أحب الناس إليه قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ (١٥٥) ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌۭ قَالُوٓا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ (١٥٦) أُو۟لَـٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌۭ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌۭ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} [البقرة/١٥٥-١٥٧]. ولن يجد الإنسان ملجأ يتحصن به في أثناء تعرضه للبلاء الذي يكرهه من تصديقه وإيمانه بأن ما أصابه إنما هو بتقدير من خالقه سبحانه وتعالى.

والإيمان بالقضاء والقدر هو المعين على شدائد الحياة، كخوف ينتاب الإنسان، وينغِّص عليه حياته، وهو الخوف من الفقر، فعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر تؤكد أن مقادير الرزق بيد اللّه تعالى قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ} [الذاريات/٥٨].

 

والمؤمن بقضاء الله تعالى وقدره يكون قائمًا بالحق لا يخشى في الله لومة لائم؛ فهو معتمد على الله تعالى ومتوكل عليه، يقول صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: " يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". [أخرجه الترمذي في السنن (4/248)، رقم (2516) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"].

وأخيرًا فالإنسان الذي يؤمن بالقضاء والقدر يعلم أن ما فيه من نعم إنما هو بقضاء وقدر، وليس له حيلة أو قوة في جلبها لنفسه، وبذلك يكون الإيمان بالقضاء والقدر سببًا من أسباب غرس خلق التواضع في نفوس المؤمن لإيمانه أنه تعالى كما أعطى فهو قادر على المنع والاستلاب قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام/٤٦].

ولا يخفى بعد ما سبق أن الأخذ بالأسباب من متممات القضاء والقدر وليس كما يظن البعض أن يعتمد الإنسان على ما قدر له فعن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فأخذ شيئًا فجعل ينكت به الأرض، فقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة» قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة»، ثم قرأ: { فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (6)} [الليل/٥ -6] الآية" [أخرجه البخاري في صحيحه، رقم (4949)].

وعلى ذلك فالكل مدعو إلى الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره؛ لننال سعادة الدنيا والآخرة.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وحدة رصد اللغة العربية


 

طباعة