تطور أحوال المسلمين في إسبانيا على مدار ستة أعوام (2010-2015م)

(دراسة من إعداد وحدة رصد اللغة الإسبانية بمرصد الأزهر)

  • | الثلاثاء, 15 مارس, 2016
تطور أحوال المسلمين في إسبانيا على مدار ستة أعوام (2010-2015م)

تعتبر متابعة أحوال المسلمين في العالم واحدة من أهم أولويات مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، وذلك من خلال متابعة ما تصدره الوسائل الإعلامية الأجنبية عن الإسلام والمسلمين وتحليله، فضلا عن تتبع الدراسات الديموغرافية التي تصدر سنوياً عن المراكز الإسلامية والهيئات الحكومية في أوروبا، والمنوط بها إحصاء أعداد المسلمين. وتكمن أهمية هذه المتابعة المستمرة من جانب المرصد في التعريف بأحوال المسلمين والمشاكل والصعوبات التي تواجههم داخل البلدان التي يعيشون فيها.
هذا وقد تمكنت وحدة الرصد باللغة الإسبانية من رصد أعداد المسلمين التي تم حصرها في إسبانيا سنويا، والنسب المئوية التي تمثلها الجنسيات المسلمة المختلفة داخل الأراضي الإسبانية، فضلا عن بيان يوضح توزيع هذه الأعداد في مختلف المدن الإسبانية. والوقوف على أهم المشاكل التي تواجه المسلمين هناك، وكان على رأسها مشكلة تعليم التربية الدينية للتلاميذ المسلمين في المدارس الإسبانية، ومشكلة المقابر التي يفتقر إليها الكثير من المسلمين هناك. وكان من أهم ما توصلت إليه الوحدة في إعدادها لهذا التقرير هي التقارير السنوية التي أصدرها المرصد الأندلسي بالتعاون مع اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا، انطلاقا من بيانات السجل المحلي للسكان التابع للمعهد الوطني للإحصاء في إسبانيا، في الفترة ما بين 2010 و 2015.
ارتفاع ملحوظ في أعداد المسلمين
من واقع الأعداد والإحصاءات التي تم رصدها في الأعوام الستة الأخيرة تبين أن أعداد المسلمين في إسبانيا في تزايد مستمر، وأنها ارتفعت بشكل ملحوظ في هذه الفترة بنسبة تقدر بحوالي 20.6%، حيث وصل العدد إلى 1,887,906 مسلما مع انتهاء عام 2015، وبزيادة قدرها 389,199 مسلمًا عن عام 2010 والذي بلغ عدد المسلمين فيه 1.498.707 مسلما.
وبطبيعة الحال ارتفعت نسبة المسلمين من بين إجمالي السكان في إسبانيا، حيث كانت أعداد المسلمين تقدر بنسبة 3% من إجمالي السكان، وظلت هذه النسبة ثابتة على مدار أربع سنوات في الفترة ما بين 2010 و 2013، وفي العامين الأخيرين ارتفعت النسبة إلى ما يقرب من 4% من النسبة الإجمالية للسكان في إسبانيا. كما أن عام 2014 سجل أكبر معدل زيادة في أعداد المسلمين بزيادة قدرها 126.218 مسلمًا، وبنسبة زيادة قدرها 7% عنه في عام 2013 بينما شهد عام 2015 أقل زيادة على مدار الأعوام الستة الأخيرة، حيث وصلت  إلى 29.497 عنه في عام 2014 بنسبة قدرها 1.6%.

 تزايد نسبة المسلمين الذين يحملون الجنسية الإسبانية  
هناك تزايد في أعداد المسلمين الإسبان بشكل عام وتشتمل هذه الأعداد على المسلمين ذوي الاصول الإسبانية الخالصة والمسلمين المهاجرين الحاملين للجنسية الإسبانية والجيل الثاني من أبناء المهاجرين المسلمين الأوائل الذين ولدوا في إسبانيا، كما ارتفع عدد المسلمين الإسبان بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، حيث وصل مع نهاية عام 2015 إلى 779.080 مسلمًا بزيادة قدرها 35% عن عام 2010. وارتفعت بالتالي نسبة المسلمين الإسبان من 27.6% في عام 2010 من إجمالي عدد المسلمين في إسبانيا إلى 41.3% مع نهاية عام 2015.

 

وترجع أعداد المسلمين الإسبان المرتفعة في إسبانيا إلى موجات الهجرة المتدفقة التي بدأت في الأربعينيات من القرن الماضي من المغرب العربي وغرب إفريقيا والشرق الأوسط، والتي اتخذت من إسبانيا وجهة لها، وحصل معظم المهاجرين آنذاك على الجنسية الإسبانية، وامتد نسلهم إلى أبناء أحفادهم المتواجدين الآن في إسبانيا. كما يُرجع التقرير أسباب الزيادة أيضا إلى اعتناق الإسبان أنفسهم الإسلام بدءا من أواخر الستينيات؛ وإلى ارتفاع الكثافة السكانية في إسبانيا بشكل عام.

تنامي اعتناق ذوي الأصول الإسبانية للإسلام
إن اعتناق الإسبان أنفسهم للإسلام كان من أسباب ارتفاع أعداد المسلمين الإسبان بشكل عام، كما أن هناك تزايدًا في إقبال ذوي الأصول الإسبانية الخالصة على اعتناق الإسلام في الفترة ما بين 2010 و 2015 حيث بلغ عددهم مع نهاية العام الماضي 22,808 مسلما، بزيادة قدرها 4080 عن عام 2010 الذي وصل العدد فيه 18,728 مسلما. وفيما يلي بيان يوضح تزايد أعداد المسلمين ذوي الأصول الإسبانية في تلك الفترة:

تقلص أعداد المسلمين الأجانب
يمثل المسلمون الأجانب الشريحة الأكبر من إجمالي أعداد المسلمين، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك تراجعًا ملحوظا في أعدادهم في الأعوام الأخيرة، بسبب تراجع أعداد المهاجرين لقلة فرص العمل، وانتشار البطالة التي كانت نتاج الأزمة الاقتصادية التي حلت بالعديد من الدول الأوروبية مما أدى إلى عودة عدد كبير من المهاجرين إلى ديارهم، فضلا عن حصول كثير من أبناء المسلمين من الجيل الثاني على الجنسية الإسبانية. وقد سُجل في عامي 2014 و 2015 انخفاض ملحوظ في أعداد المسلمين الأجانب حيث انخفض العدد في 2014 إلى 1,140,181 بنسبة 61.4% من إجمالي عدد المسلمين، وفي 2015 إلى 1,108,826 بنسبة 58.7%.

 

ارتفاع ملحوظ في أعداد المسلمين الحاصلين على الجنسية الإسبانية
كما تناولت التقارير أعداد المسلمين الذين حصلوا على الجنسية الإسبانية باعتبارها عاملا محوريا في تزايد أعداد المسلمين، وذلك وفقا للإحصاءات التي أعدتها وزارة العدل، والتي ذكرت أن عدد المسلمين الحاصلين على الجنسية الإسبانية منذ عام 1968 حتى عام 2014 بلغ 251.517 مسلما. هذا ولم تصدر حتى الآن أية بيانات عن أعداد المسلمين الذين حصلوا على الجنسية في عام 2015. وفيما يلي بيان بتلك الأعداد:

الجالية المغربية تحظى بنصيب الأسد من أعداد المسلمين الأجانب في إسبانيا
تأتي الجالية المغربية في مقدمة الجاليات الأجنبية المسلمة من حيث الأعداد على مدار الأعوام الست الماضية، ولعل السبب يرجع إلى القرب الجغرافي الذي يربط البلدين اللذين لا يفصل بينهما سوى مضيق جبل طارق الذي يعتبر بمثابة بوابة المهاجرين الأولى إلى أوروبا بشكل عام. وتشكل الجالية المغربية الآن نسبة 40.9%، بينما بلغت نسبة الجاليات الأخرى 17,8% من إجمالي تعداد المسلمين في إسبانيا.

 
تواجد مصري قليل
ومن بين الجنسيات الأخرى التي تشكل باقي أعداد المسلمين في إسبانيا الجالية المصرية التي كان لها تواجد ضئيل من حيث الأعداد بالمقارنة بأعداد الجنسيات الأخرى كالمغربية والباكستانية، حيث بلغ عدد المصريين 3,462 مصريا بنسبة 0.2% من إجمالي المسلمين في إسبانيا.

قطلونية أكثر المقاطعات من حيث وجود المسلمين
أما عن أماكن تمركز المسلمين في مختلف المقاطعات والمدن الإسبانية تأتي مقاطعة قطلونية في المقدمة على مستوى المقاطعات الإسبانية مع نهاية عام 2015 وعلى مدار الأعوام الستة الأخيرة. وتأتي مقاطعة الأندلس في المرتبة الثانية، تليها مدريد، ومقاطعة بلنسية، وأخيرا مرسية. بينما تقل الأعداد بشكل عام في الشمال الشرقي كما هو الحال فى كانتابريا، وأشتوريش. ويذكر التقرير أن الهجرة الداخلية تلعب دورا محوريا في تغيير النسب المئوية لأعداد المسلمين من مدينة لأخرى، تلك الهجرة التي تحركها فرص العمل؛ مما أدى إلى تراجع أعداد المسلمين في بعض المدن مثل البسيط وبطليوس وقرطبة ومالقة وأشبيلية وطراغونة، بينما تزايدت الأعداد في المدن الأخرى مثل سبتة ومليلية وأليكانتى وألميريا وقادس وغرناطة وويلبة.
تزايد أعداد المؤسسات الإسلامية في إسبانيا
تعتبر “المفوضية الإسلامية في إسبانيا” هي الهيئة القانونية الممثلة للإسلام والمسلمين في إسبانيا أمام الحكومة والإدارة الإسبانية في المفاوضات وتوقيع ومتابعة الاتفاقات المعقودة مع الحكومة. وقد أنشئت هذه المفوضية عام 1992، وتتكون من مؤسستين هما اتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا والاتحاد الإسباني للكيانات الدينية الإسلامية. كانت المفوضية تتكون من هيئتين رئيستين: الأمانة العامة وبها أمينان ( أحدهما من اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا والآخر من الاتحاد الإسباني للكيانات الدينية الإسلامية)، واللجنة الدائمة التي تتكون من ستة أعضاء ( ثلاثة من اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا وثلاثة من الاتحاد الإسباني للكيانات الدينية الإسلامية).
وقد رفضت الحكومة الإسبانية الإصلاحات التي قدمها الاتحاد الإسباني للهيئات الدينية الإسلامية في عامي 2007 و 2012 بشأن إعادة هيكلة المفوضية، بينما تمت الموافقة على الهيكلة الجديدة للمفوضية رسميا في عام 2015 لتتكون من مجلس إداري يشتمل على منصب الرئيس، واللجنة الدائمة التي تتألف من 25 عضوًا كممثلين للجمعيات الدينية المختلفة.
وانطلاقا من حرية الاعتقاد التي يكفلها الدستور الإسباني للمواطنينن، فإنه بإمكان أي مجموعة من المسلمين الحصول على التراخيص اللازمة لتأسيس جمعية إسلامية خاصة بهم داخل الحي أو المدينة التي يعيشون فيها. هذا وتشير التقارير إلى أن أعداد الجمعيات الإسلامية في تزايد مستمر حيث وصل العدد إلى 1491 مع نهاية عام 2015 بزيادة قدرها  629 عن عام 2010 والذي بلغ عدد الجمعيات فيه 862 جمعية.
إن ما تم رصده من أعداد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا يوضح من جانب المرونة التي تبديها الحكومة الإسبانية من خلال إعطائها التراخيص اللازمة لفتح هذه الجمعيات، ومن جانب آخر يشير إلى تشرذم الجالية المسلمة داخل الأراضي الإسبانية وحالة الفرقة الموجودة بين المسلمين لدرجة أنه من الممكن أن نجد أكثر من جمعية إسلامية داخل الحي الواحد.
والواقع أن هذه الجمعيات والمؤسسات الإسلامية على كثرتها كانت سببًا رئيسًا لاختلاف اتجاهات المسلمين وانتماءاتهم المذهبية؛ لغياب المؤسسة الاتحادية التي يمكن أن تجمعهم على كلمة واحدة، فتقوى شوكتهم إزاء التحديات المختلفة وخاصة في الفترة الأخيرة التي صدرت فيها قوانين تضر بمصالح المسلمين وتسلبهم بعض حقوقهم الدستورية.
 

وبمجرد الحصول على التراخيص اللازمة لفتح الجمعية يحق للجمعية أن تقدم أوراقها إلى المفوضية الإسلامية في إسبانيا للانضمام رسميا إلى هذا الكيان المنوط به المطالبة بحقوق المسلمين أمام الحكومة الإسبانية. هذا وهناك 80% من الجمعيات الإسلامية مسجلة لدى المفوضية الإسلامية، و20% ما زالت غير مسجلة. علما بأن عام 2010 شهد تسجيل 65% من الجمعيات الإسلامية لدى اتحاد الجمعيات الإسلامية، و 10% لدى الاتحاد الإسباني للكيانات الدينية الإسلامية، و25% لم يتم تسجيلها.
كما يحق لجميع الجمعيات والهيئات الدينية طلب التسجيل في سجلات الهيئات الدينية التابعة لوزارة العدل الإسبانية، ومع انتهاء عام 2015 تم تسجيل 44 هيئة دينية إسلامية في سجلات الوزارة بما فيها المفوضية الإسلامية، ووصلت أعداد الجمعيات الإسلامية المسجلة في سجلات الهيئات الدينية التابعة لوزارة العدل الإسبانية  إلى 1.427 جمعية إسلامية.
المساجد في تزايد والمقابر مشكلة لا نهاية لها
وعلى رأس المشاكل والصعوبات التي تواجه الجالية المسلمة في إسبانيا جاء تشييد المساجد وبناء المقابر بالإضافة إلى مشكلة التعليم التي سوف يتم تناولها لاحقا. جدير بالذكر أنه بمقتضى القانون الإسباني يحق للأقليات الدينية المسلمة والجمعيات الإسلامية فتح مسجد وإنشاء مقبرة خاصة بها وتابعة للجمعية الكائنة في المنطقة التي يعيشون فيها.
فعلى مستوى المساجد يواجه المسلمون الكثير من الصعوبات في الحصول على التراخيص اللازمة لفتح مسجد أو مصلى داخل هذه الجمعيات، ووفقا للإحصاءات الأخيرة فإن هناك 1427 مسجدا في إسبانيا، وهو رقم ضخم إذا ما قارناه بعام 2010 والذي بلغ عدد المساجد فيه 785 مسجدًا، بزيادة قدرها 642 مسجدا، ومن هنا نجد أن أعداد المساجد هناك كان في تزايد مستمر على مدار السنوات الست الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فما زالت هناك بعض الجمعيات ليس بها مسجد أو حتى مصلى، وتذكر التقارير أن عدد الجمعيات يفوق عدد المساجد نظرا لصعوبة الحصول على التراخيص اللازمة لافتتاح مساجد جديدة ، ويذكر أن 13% من الجمعيات الإسلامية الآن تفتقر إلى مسجد أو مصلى.
 

أما عن المقابر ومع تزايد أعداد المسلمين عاما تلو الآخر، ومع مطالبات الجمعيات الإسلامية المستمرة بإنشاء مقبرة خاصة بها لدفن موتاهم وفقًا للشريعة الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك فإن أعداد المقابر الإسلامية ما زال ضئيلا جدًا ولا يتناسب مع أعداد المسلمين ولا حتى مع أعداد الجمعيات الإسلامية الضخم، ومع نهاية عام 2015 تم إحصاء 27 مقبرة فقط على مستوى إسبانيا، أي أن هناك ما يقرب من 95% من الجمعيات الإسلامية تفتقر إلى مقبرة في حين وصل عدد المقابر إلى 14 في عامي 2010 و 2011، بينما زاد العدد إلى 24 في عامي 2012 و 2013. لذلك يدفن المسلمون موتاهم بمقابر متعدّدة الأديان، كالتي توجد بألكوبينداس بمدريد، أو ريبا-روخا دي تورّيا في بلنسية. وعلى الرغم من أن عدد مقابر المسلمين بإسبانيا كان يتجاوز الثلاثين خلال الحرب الأهلية الإسبانية -والتي تم إنشاؤها لدفن العسكريين المسلمين الإسبان الذين لقوا حتفهم أثناء الحرب نظرا لتزايد أعدادهم آنذاك- لكنها تعرضت للإهمال والنسيان مع مرور الزمن.

الوعظ الديني ضئيل في السجون وغير موجود في الجيش أو المستشفيات
أقرت الحكومة الإسبانية في عام 2006 مرسومًا يُسمح بمقتضاه بوجود واعظ ديني للأقليات الدينية في السجون، وفي عام 2007 تم التصديق على الدرجة المالية المخصصة للأئمة المسلمين. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك تباطؤا في وضع هذه الاتفاقية في حيز التنفيذ حيث يوجد فقط عدد ضئيل من السجون بها إمام مسلم. حيث لا يوجد سوى 12 إماما في السجون الإسبانية للوعظ، علما بأن العدد ظل يتراوح بين 11 و 12 إماما في الفترة ما بين عامي 2010 و 2015. في حين تقلص هذا العدد إلى 9 في عام 2013. ولم يتم تعيين أي إمام سواء في الجيش أو في المستشفيات حتى يومنا هذا.
وفي عام 2007 نشر قانون الخدمة العسكرية والذي بمقتضاه يُسمح بتواجد الوعظ الديني لأفراد القوات المسلحة، ولم يتم التعاقد مع أي إمام مسلم حتى الآن على الرغم من وجود بعض الوحدات العسكرية أغلبها من المسلمين. علما بأنه كان يوجد إمام مسلم في الماضي بين أفراد القوات المسلحة الإسبانية.
وفي عام 1992 تم التوقيع على اتفاقية تعاون بين الدولة والمفوضية الإسلامية بمقتضاها يُسمح بتواجد الوعظ الديني داخل المستشفيات، ولكن لم يتم وضعها في حيز التنفيذ ولم يتم التعاقد مع أي إمام مسلم حتى الآن.

التلاميذ المسلمون يفتقرون إلى معلمي مادة التربية الدينية
تشير التقارير إلى أن واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه المسلمين في إسبانيا هي مشكلة تدريس التربية الدينية الإسلامية لأبنائهم في المدارس الإسبانية، والذين يتزايد أعدادهم عاما تلو الآخر، وتكمن هذه المشكلة على وجه الخصوص في عدم وجود عدد مناسب من مدرسي المادة بحيث يتلاءم مع أعداد التلاميذ. جدير بالذكر أن عدد المدرسين ظل ثابتًا عند 46 مدرسًا في الفترة ما بين 2010 و 2013، بينما شهد ارتفاعًا طفيفا في عام 2014 حيث وصل العدد إلى 47، واستقر أخيرًا عند 48 مدرسًا مع انتهاء عام 2015؛ وهو رقم لا يتناسب إطلاقًا مع أعداد التلاميذ المسلمين التي تتزايد بشكل كبير -كما ذكرنا سابقا- في الأعوام الأخيرة، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد التلاميذ المسلمين في عام 2015 بلغ 563,450 تلميذا بزيادة قدرها 203.256 تلميذًا عن عام 2011، والذي بلغ عدد التلاميذ فيه 360,194.
ومن هنا يتبين لنا أن 10% فقط من نسبة التلاميذ المسلمين يتلقون دروسًا في مادة التربية الدينية الإسلامية في مدارسهم، بينما 90% منهم يفتقرون إليها على مدار الأعوام الستة الأخيرة، في حين أن هناك ما يقرب من 90% من معلمي هذه المادة يواجهون شبح البطالة والحكومة الإسبانية لا تحرك ساكنًا أمام العديد من النداءات التي تطالب بتفعيل القوانين التي تسمح بالتعاقد مع مدرسين جدد لسد العجز الذي تعانيه المدارس الإسبانيه.
كما تشير الدراسات الأخيرة إلى أن مدينتي برشلونة ومدريد يتواجد بهما أكبر عدد من التلاميذ المسلمين، وتأتي بعدهما مدينة مرسية. وقد تمت الموافقة على تدريس التربية الإسلامية في المدارس الإسبانية منذ عام 1996 كما نُشر محتوى المنهج الدراسي لمادة التربية الدينية آنذاك، وتم الاتفاق على التعاقد مع مدرسين لتدريس هذه المادة. وعلى الرغم من ذلك فليست هناك سوى ست مقاطعات فقط وضعت هذه الاتفاقيات في حيز التنفيذ، وهي أندلوسيا وأراغون وجزر الكناري وسبتة ومليلية وإقليم الباسك. وفيما يلي بيان يوضح تزايد أعداد التلاميذ المسلمين في إسبانيا في الفترة ما بين 2010 و 2015:

وأخيرا ومن واقع ما تم رصده وتحليله من أرقام وإحصاءات في الفترة ما بين 2010 و 2015 حول أحوال المسلمين في إسبانيا اتضحت لنا عدة نقاط مهمة بالنسبة للمسلم العربي الذي يتطلع إلى الوقوف على أحوال المسلمين في شتى بقاع الأرض للتضامن معهم انطلاقًا من الحديث الشريف (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمى).
وكان من أهم هذه النقاط أن أعداد المسلمين في إسبانيا قد تزايدت تزايدا ملحوظًا في الأعوام الأخيرة، كما ارتفعت أعداد المسلمين الإسبان سواء من ذوي الأصول الإسبانية الخالصة أو من حملة الجنسية الإسبانية من المهاجرين وأبنائهم الذين ولدوا بإسبانيا. وفي الوقت ذاته توضح الإحصاءات تزايد إقبال ذوي الأصول الإسبانية على اعتناق الإسلام.
 وبطبيعة الحال ازدادت أعداد الجمعيات الإسلامية عامًا تلو الآخر بالتزامن مع ارتفاع أعداد المسلمين المستمر، والذي كان من ثماره تزايد أعداد المساجد، مع العلم بأنه ما زال هناك عدد ضئيل من الجمعيات لم يحصل على التراخيص اللازمة لفتح مسجدٍ أو مصلىً. وما زال المسلمون في إسبانيا يعانون الكثير من الصعوبات في الحصول على التراخيص اللازمة لإنشاء مقبرة خاصة لدفن موتاهم وفقًا للشريعة الإسلامية، علما بأن العدد الموجود حاليًا لا يتناسب إطلاقا مع أعداد المسلمين. كذلك فإن تدريس التربية الدينية للتلاميذ المسلمين والذي يعد من أولويات الجالية المسلمة يكاد يكون شبه معدوم في المدارس الإسبانية بسبب تقاعس الحكومة الإسبانية في التعاقد مع مدرسين جدد.  

 

 

طباعة