أهمية تعليم المرأة ومكانتها في بناء المجتمعات وتربية الأطفال

  • | الأربعاء, 13 أغسطس, 2025
أهمية تعليم المرأة ومكانتها في بناء المجتمعات وتربية الأطفال

مقدمة: مكانة العلم في الإسلام ودور المرأة فيه

في رحاب الرسالة الخاتمة، أشرق نور الإسلام ليُبدد ظلمات الجهل، ويُعلي من شأن العلم والمعرفة، جاعلًا إياهما صرحًا شامخًا تُبنى عليه الحضارات، وتزدهر به النفوس. لم يكن هذا النداء الرباني مقصورًا على شطر من البشرية دون آخر، بل كان خطابًا جامعًا للروح والعقل، موجهًا للرجال والنساء على حد سواء، ليُسهم كلٌّ منهما في بناء صرح المعرفة والإيمان. ومن هنا يولي الإسلام أهمية قصوى لطلب العلم، معتبرًا إياه ركيزة أساسية للتقدم الروحي والمادي للفرد والمجتمع. وقد أكدت النصوص النبوية هذه الأهمية بشكل عام، لتشمل الرجال والنساء على حد سواء.

يتجلى هذا التقدير العميق للعلم في العديد من الأحاديث الشريفة التي ترفع من شأن طالب العلم، وتضعه في منزلة رفيعة؛ فقد افتتح الله تعالى أول آيات القرآن الكريم نزولًا بالأمر بالقراءة والعلم؛ حيث قال سبحانه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ]العلق: 1-5]. وهذا يؤكد على أن العلم هو أساس الوجود الإنساني، والتقدم الحضاري. كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب المزيد من العلم، فقال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]، مما يدل على أن طلب العلم لا يتوقف عند حد معين من الرجال والنساء.

ولبيان فضل العلم والعلماء، قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11]، وهذا يوضح أن العلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة.

كما أكد سبحانه على الفارق الجوهري بين العالم والجاهل بقوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9]، وهذا يبرز أن العلم هو أساس التذكر والتدبر والفهم السليم.

ويُختتم هذا التأكيد على مكانة العلماء بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ ]فاطر: 28]، مما يدل على أن العلم الحقيقي يؤدي إلى خشية الله وتقواه. وكل هذه الآيات لم تحدد نوع المتعلم ذكرًا كان أم أنثى.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع». رواه الترمذي؛ فهذا الحديث الشريف يضع طالب العلم في منزلة المجاهد في سبيل الله، مما يدل على عظم الأجر والمكانة التي يحظى بها في الإسلام. إن هذا التشبيه بـ "سبيل الله" يغرس حافزًا روحيًّا قويًّا يتجاوز الفروق الجنسية، مما يجعل طلب العلم ضرورة روحية لكل مسلم ومسلمة.

فإذا كان السعي وراء المعرفة يؤدي إلى الجنة ويعد مؤشرًا على الخيرية الإلهية، فإن تقييد هذا السعي على أساس الجنس يتناقض مع السعي العالمي للثواب الإلهي والخير. لذا فإن الإطار الروحي للإسلام يستلزم مشاركة المرأة الفعالة في طلب العلم، مما يشير إلى أن أية حواجز اجتماعية، أو ثقافية أمام تعليم المرأة تتعارض مع القيم الإسلامية الأساسية.

ويُبرز فضل العلم كونه علامة على إرادة الله الخير بعبده؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين»، وهذا التفقُّه لا يقتصر على الرجال، بل يشمل كل من أراد الله به خيرًا من عباده، مما يؤكد أن العلم هو مفتاح الخيرية والإرشاد.

كما أن الحديث الشريف «طلب العلم فريضة على كل مسلم«، يؤكد على أن طلب العلم واجب شرعي على كل فرد مسلم، ذكرًا كان أو أنثى، مما يجعله حقًّا، وواجبًا، لا يمكن التنازل عنه. إن عبارة "كل مسلم" تشمل صراحة النساء، وإذا كان العلم "فريضة"، فهذا يعني أن النساء مسؤولات فرديًّا عن تحصيل، وهذا يتجاوز المنفعة المجتمعية، لأنه يتعلق بالنمو الروحي والفكري للفرد ذاته. وهذا الالتزام الأساسي سيمتد بطبيعة الحال إلى مختلف مجالات المعرفة الضرورية لرفاهية المسلم، ومساهمته في المجتمع، وليس فقط العلوم الدينية، طالما أنها تخدم أغراضًا مفيدة. هذا يوسع نطاق السعي التعليمي للمرأة ليشمل أية معرفة نافعة.

ولم يقتصر فضل طلب العلم على ما سبق، بل أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوْاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»؛ فهذا الحديث الشريف يوضح المكانة العظيمة للعلم والعلماء، ويشمل بفضله كل من يسعى إليه من الرجال والنساء.  

لقد حرر الإسلام المرأة من قيود الجهل والتهميش التي كانت سائدة في عصور ما قبل الإسلام، وأعاد إليها إنسانيتها وكرامتها، وفتح لها أبواب العلم والمعرفة، معتبرًا ذلك حقًّا ثابتًا، وضرورة شرعية لا تقتصر على الرجل وحده، لم يكن تأكيد الإسلام على تعليم المرأة مجرد مسألة تنوير فردي، بل كان أساسًا إستراتيجيًّا للنهوض الحضاري. إن هذا الحضور النسائي المميز قد أسهم بشكل كبير في خلق التوازن المعرفي والاجتماعي الذي أرسى دعائم الحضارة الإسلامية وجعلها مشعة بالعلم والوعي. إن هذه العلاقة السببية المباشرة بين مشاركة المرأة في المعرفة وازدهار الحضارة الإسلامية تشير إلى أن استبعادها سيؤدي منطقيًّا إلى اختلال التوازن، وإعاقة التقدم الحضاري. وهذا يعني أن الإمكانات الكاملة للمجتمع الإسلامي لا يمكن تحقيقها دون مشاركة نسائه المتعلمات والنشطات، مما يمثل حجة قوية لكون تعليم المرأة ضرورة مجتمعية، وليس مجرد حق فردي.

يهدف هذا المقال إلى إبراز الدور المحوري لتعليم المرأة، ومكانتها الرفيعة في بناء المجتمعات الإسلامية المزدهرة، وتسليط الضوء على مساهماتها الجليلة في تربية الأجيال الصالحة، وذلك من خلال استعراض النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وحرص الدين الإسلامي على تعليم الرجال والنساء على سواء، وبيان التطبيق العملي لهذه المبادئ في صدر الإسلام.

تعليم المرأة في الهدي النبوي: حق وواجب

لقد أولى النبي محمد صلى الله عليه وسلم اهتمامًا بالغًا بتعليم النساء أمور دينهن، وحرص على تخصيص دروس خاصة لهن. ويتجلى هذا الحرص في مواقف عديدة من سيرته العطرة، منها أن النبي ﷺ خصص جزءًا من خطبته لوعظ النساء، وتذكيرهن بأمور دينهن، كما دعا النبي ﷺ إلى تعلم المرأة للعلم الشرعي لمعرفة الحلال من الحرام، ودعا إلى تخصيص جلسات خاصة لتجنب الاختلاط غير الضروري، مما يحقق البيئة الأنسب لتعليم النساء.

إن اهتمام النبي الفعال بتعليم النساء يدل على أن تعليم المرأة لم يكن مجرد أمر مسموح به، بل كان أمرًا يتم تسهيله والتشجيع عليه كونه جانبًا أساسيًّا من تطورهن الديني والاجتماعي. إن هذا النهج الاستباقي يتجاوز الأوامر العامة، ويؤسس سابقة واضحة للتعليم المنظم للمرأة، مما يعني أن المجتمعات الإسلامية تتحمل مسؤولية خلق بيئات مواتية لتعليم المرأة، محاكاة لمثال النبي ﷺ.

لقد بلغ اهتمام النبي ﷺ بتعليم النساء مبلغًا عظيمًا، لدرجة أنه كان يجعل مهر زواج المرأة تعليمها شيئًا من كتاب الله تعالى، كما جاء في حديثه ﷺ لسهل بن سعد: «اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن». إن هذه الممارسة النبوية تؤكد على القيمة العالية التي أولاها الإسلام للعلم، وجعله جزءًا لا يتجزأ من بناء الأسرة. وكانت نساء الأنصار مثالًا يُقتدى بهن في طلب العلم مع التزام الأدب والحياء، مما يُبرز دور العلم في تمكين النساء، وتعزيز كرامتهن في الإسلام.  

أكدت الأحاديث النبوية على فضل تعليم المرأة، وأجر من يقوم به، ومن ذلك حديث: «ثلاثة لهم أجران»؛ حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: «رجل كانت عنده أَمَةٌ فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران»، وقد أوضح الحافظ ابن حجر أن هذا الحديث، وإن كان نصًّا في الأَمَة، فإن قياسه على الأهل من الحرائر مؤكد؛ فالعناية بتعليم الحرائر فرائض الله وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم أهم وأعظم أجرًا. إن هذا الحديث يحدد حافزًا روحيًّا مباشرًا، وقابلًا للقياس لتعليم النساء، خاصة داخل الأسرة. هذا يرفع من فعل تعليم النساء من مجرد عمل صالح إلى عمل ذي فضل عظيم، ويضعه على قدم المساواة مع أعمال إيمانية مهمة مثل الإيمان بالنبيين، وبالتالي يوفر دافعًا دينيًّا قويًّا للرجال للمشاركة بنشاط في دعم تعليم المرأة داخل أسرهم.

ومن الأمثلة على حرص النبي على تعليم النساء، ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها عندما سألت امرأة النبي عن كيفية الطهارة بعد الحيض؛ فأجابها النبي، ثم اجتذبتها عائشة إليها وقالت لها: «تتبعي بها أثر الدم«، موضحة لها كيفية الطهارة عمليًّا. كما شجع النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على تربية الأبناء، وخاصة البنات، مما يتطلب علمًا وصبرًا، حيث قال: «ما منكنَّ امرأة تقدم بين يديها من ولَدها ثلاثة إلا كان لها حجابًا من النار، فقالت امرأة منهن: يا رسول الله، اثنين؟ قال: فأعادتها مرتين، ثم قال: واثنين، واثنين، واثنين«.

لم تُتهم أية راوية حديث من النساء بالكذب العمد في الحديث

لعبت النساء، وخاصة أمهات المؤمنين والصحابيات، دورًا محوريًّا في نقل ونشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم. كانت بيوتهن بمثابة مدارس لطلاب العلم؛ حيث وجد السائل جوابه والمستفتي فتواه، وتُعد عائشة رضي الله عنها أبرز مثال على ذلك، فقد روت 2210 حديثًا شريفًا، وكانت من ضمن السبعة المكثرين في الرواية. وقد صدق أبو موسى الأشعري حين قال: "ما أُشكل علينا أصحاب محمد ﷺ حديثا قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علمًا. وقد اشتُهرت رضي الله عنها بالذكاء، والفصاحة، وإتقان القرآن، والحديث، والفقه، والشعر، وتاريخ العرب. وكان كبار الصحابة يستشيرونها في المسائل المعقدة، بل وصحَّحت أخطاء في روايات الأحاديث، مما يدل على مكانتها العلمية الرفيعة. إن الأدلة التاريخية على وجود أدوار لعالمات بارزات، وخاصة دور عائشة رضي الله عنها الذي لا يُضَاهى كسلطة في الحديث وناقدة، تُظهر أن النساء لم يكنَّ مجرد متلقيات للمعرفة، بل كنَّ منتجات وحافظات لها بنشاط، وهذا يُعد سابقة تاريخية للقيادة الفكرية النسائية والسلطة في الفقه الإسلامي.

ومن الراويات البارزات الأخريات، أم سلمة رضي الله عنها، والتي روت (378 حديثًا)، وميمونة (76 حديثًا)، وأم حبيبة (65 حديثًا)، وحفصة ئ60 حديثًا)، والعديد من الصحابيات الأخريات؛ حيث بلغ عددهن حوالي 216 صحابية، وردت لهن أحاديث في مسند "بقي بن مخلد". كما تميزت تابعات مثل: خيرة أم الحسن البصري، وزينب بنت كعب، وعمرة بنت عبد الرحمن في رواية الحديث. وسافرت النساء في طلب الحديث، حتى بعد عصر النبوة، مما يدل على تفانيهنَّ في طلب العلم رغم الصعوبات. وقد درس كبار العلماء مثل: الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل على يد عالمات. والجدير بالذكر أنه لم تُتهم أية راوية حديث من النساء بالكذب العمد في الحديث، وهي ميزة فريدة أشار إليها الذهبي، مما يشير إلى مستوى عالٍ من النزاهة والثقة المنسوبة إلى النساء في نقل المعرفة الدينية. هذا يعني وجود ثقة مجتمعية عميقة في نزاهة المرأة الفكرية والأخلاقية، والتي تشكل أساسًا حاسمًا لأدوارهن المجتمعية الأوسع.

تشجيع طلب العلم للمرأة يتم ضمن إطار الآداب الشرعية

رغم تشجيع طلب العلم للمرأة، فإنه يتم ضمن إطار الآداب الشرعية، بما في ذلك الإخلاص لله، والالتزام باللباس الشرعي، وغض البصر، وتجنب الخلوة بالرجال، والتحدث بالقول المعروف. وقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم بتجنب الاختلاط غير الضروري بين الجنسين، مما أدى إلى طلب النساء لجلسات تعليمية منفصلة، وقد وافق النبي ﷺ على ذلك، كما في الحديث الذي طلبن فيه من النبي ﷺ: «الرجال قد ذهبوا بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه». إن التركيز على الآداب الشرعية المحددة للمرأة في طلب العلم يشير إلى أن مشاركتها التعليمية كانت مدمجة في نمط حياة إسلامي شامل، ولم يُنظر إليها على أنها نشاط منعزل. وهذا يشير إلى إطار عمل يوازن بين السعي الفكري، والاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية؛ بهدف الحفاظ على كرامة المرأة، وانسجام المجتمع.

المرأة ودورها الفاعل في المجتمع الإسلامي

وصف النبي محمد ﷺ المرأة الصالحة بأنها «خير متاع الدنيا»، وهي تُعد من «أربع من السعادة»، إلى جانب المسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وعلى النقيض، تُعد المرأة السوء من «أربع من الشقاوة» إلى جانب الجار السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء.

وتُعرف المرأة الصالحة بأنها التي تُسر زوجها إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره. كما تُوصف بأنها «زوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة». إن التأكيد المتكرر على "المرأة الصالحة" بأنها "خير متاع الدنيا"، ومصدر "السعادة" يشير إلى أن تأثير المرأة الإيجابي لا يقتصر على المجال الخاص، بل يمتد إلى الرفاهية العامة، وازدهار المجتمع. صلاحُها أساسي للسعادة، والاستقرار المجتمعي؛ فمجموعة من النساء الصالحات تشكل حجر الزاوية لمجتمع صالح. وهذا يشير إلى وجود علاقة سببية بين الجودة الأخلاقية والروحية للمرأة، وبين الصحة والسعادة العامة للمجتمع.

المسؤولية المشتركة  

يتحمل كل من الرجل والمرأة مسؤولية متساوية في بناء الأسرة وتربية الأجيال، كما جاء في الحديث: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وهذا يدل على واجبات تربوية وأخلاقية مشتركة ضمن محيط الأسرة والمجتمع. إن هذا المبدأ عند تطبيقه على كلا الجنسين يعني أن دور المرأة المجتمعي يمتد إلى ما وراء المجال المنزلي ليشمل مسؤوليات مجتمعية أوسع، بما في ذلك الإشراف الأخلاقي، والمشاركة النشطة في الحياة العامة. وقد أشار القرآن الكريم إلى المؤمنين والمؤمنات معًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يؤكد هذه المسؤولية المشتركة.  

شاركت النساء في التجمعات العامة مثل: صلاة الجماعة، وصلاة العيدين، والحج؛ حيث تلقين العلم، وتفاعلن مع المجتمع. كنَّ مشاركات في أحداث بناء المجتمع المهمة، مثل مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يوضح اندماجهن في المجال العام. كما ساهمت النساء في نشر المعرفة خارج العلوم الدينية، بما في ذلك الطب، حيث برزت أسماء مثل: أمية بنت قيس الغفارية، وزينب طبيبة بني أود، وأم عمر بنت أبي مروان بن زهر. وقد انخرطن في الكتابة، والشعر، وحتى تأليف الكتب في مجالات مختلفة، رغم أن المصادر في هذا الجانب قليلة. علاوة على ذلك، ساهمت النساء ماليًّا من خلال الأوقاف لبناء المساجد، ودور العلم، ودعم العلم بشكل عام.

المساواة في التكاليف الشرعية

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»، وهذا الحديث يدل على مساواتهن في التكاليف الشرعية، والمسؤوليات العامة، مما يعني جوهرًا مشتركًا، وأصلًا واحدًا، ومساواة أساسية في الإنسانية والواجبات الدينية. هذه المساواة تمتد إلى مشاركتهن في رواية الحديث ونقله؛ حيث كنَّ يُعتبرن مسؤولات بالتساوي عن تبليغ الدين. وهذا البيان الشرعي القوي يدعم قدرة المرأة، وحقها في المشاركة في جميع جوانب الحياة، حيث تكون مساهماتها مفيدة. كما يشمل دور المرأة في المجتمع، وسعيها لتقديم النفع للناس، عملًا بقول النبي ﷺ: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس»، فهذا الحديث يؤكد على أهمية النفع العام، ويشمل المرأة في سعيها لتقديم الخير للمجتمع في مختلف المجالات.

المرأة مربية الأجيال: الدور المحوري للأم في تعليم الأطفال

أكد النبي صلى الله عليه وسلم على مكانة الأم السامية، وذلك في حديث أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ يعني: صحبتي، قال:  أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك » متفق عليه( ([1]وفي رواية: «يا رسول الله، من أحق بحسن الصحبة؟، قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك»([2])، وهذا الحديث يبرز حق الأم العظيم في البر، وحسن الصحبة، ويدل على أن للأم ثلاثة أضعاف حق الأب في البر وحسن الصحبة. وهذا يعني وجوب عناية أكبر وإحسان أكمل من الولد تجاه والدته. إن هذا التأكيد المتكرر على مكانة الأم ليس مجرد احترام عاطفي، بل يعني اعترافًا عميقًا بدورها الأساسي في تشكيل الفرد، وبالتالي المجتمع. وهذا يرفع وظيفتها التعليمية والتربوية إلى واجب مقدس له آثار مجتمعية عظيمة.

تُعرف الأم بأنها "المعلمة الأولى والمدرسة الأولى"، فإذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد. وهذا يوضح العلاقة السببية بين صلاح الأم، وصلاح المجتمع. فوجود المرأة (الأم/الزوجة) في البيت يجلب السكينة والطمأنينة؛ فهي من تملأ البيت دفئًا وحنانًا، وتسأل عن كل فرد في العائلة، وتلطف جو الأسرة.

تضمنت وصايا النبي ﷺ المفصلة في تربية الأطفال توجيهات مهمة للوالدين. فقد أمر ﷺ الوالدين بتعليم الأطفال الصلاة من سن السابعة، وغرس الالتزام بالعبادات مثل الصوم والأذكار اليومية، كما في قوله ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع»([3]). إن هذا التركيز على تعليم الصلاة في سن مبكرة، والتأديب في سن العاشرة يشير إلى نهج تنموي في التربية الدينية، يتطلب مشاركة أبوية نشطة. فدور الوالدين أساسي في الحفاظ على فطرة الطفل السليمة من الانحراف، كما جاء في الحديث: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ... »([4]). فهذا الحديث يوضح أن الوالدين هما المشكلان الأساسيان لهوية الطفل الدينية، مما يسلط الضوء على مسؤوليتهما، وتأثيرهما الهائل

يجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة في الأخلاق والالتزام الديني؛ ولذا يحث الشرع الحنيف على استخدام الرحمة واللين في التربية، وتجنب العنف أو التوبيخ الدائم، والاعتماد على الحوار والتفاهم لحل المشكلات. كما أن غرس الأخلاق الحميدة مثل: الصدق، والأمانة، والصبر، واللطف أمر بالغ الأهمية. كما يجب التشجيع على طلب العلم من الصغر؛ فطلب العلم عبادة.  

وقد أولى الإسلام اهتمامًا خاصًّا بتربية البنات؛ حيث قال النبي ﷺ: «من ابتُلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار»([5])، فهذا الحديث يؤكد الأجر العظيم لتربية البنات بإحسان ورحمة، ويدل على تركيز إلهي فريد على تربيتهن. وقد يكون ذلك بسبب دورهن المستقبلي بوصفهن أمهات، ومربيات أساسيات للجيل القادم، مما يجعل تربيتهن السليمة ذات تأثير مضاعف على رفاهية المجتمع، ويعني أيضًا أن من ابتُلي بتربية البنات، أي تحمل مسؤولية رعايتهن والإنفاق عليهن، وأحسن إليهن في رعايتهن، وتربيتهن، فإن ذلك يكون له سببًا في الوقاية من النار يوم القيامة.  

ينطبق حديث: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» على كلا الوالدين، مؤكدًا مسؤوليتهما المشتركة في رعاية الأطفال، وتعليمهم. وبشكل خاص: «المرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وهذا يحدد صراحةً دور الأم المباشر والأساسي في إدارة المنزل، وتربية الأبناء. إن هذه الإشارة المحددة تسلط الضوء على دورها التشغيلي الفريد والأساسي في التربية اليومية. وهذا يعني أنه بينما يتحمل كلا الوالدين المسؤولية، فإن مشاركة الأم المباشرة والعملية في التعليم والرعاية لا غنى عنها. إن أجر الأبناء الصالحين يستمر للوالدين حتى بعد وفاتهما، كما في الحديث: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»([6])، وهذا يؤكد على الاستثمار الروحي طويل الأمد في تربية الأبناء.

خاتمة: تكامل الأدوار لبناء مجتمع إسلامي مزدهر

 ومن هنا يرى مرصد الأزهر أن الإسلام يؤكد على طبيعة الأدوار التكاملية بين الرجل والمرأة، حيث يسهم كل منهما بشكل فريد في بناء الأسرة والمجتمع، ضمن إطار من المسؤولية المشتركة.  إن هذا المفهوم يعني أن ازدهار المجتمع يعتمد على قيام كلا الجنسين بأدوارهما المميزة، ولكن الحيوية على قدم المساواة، مما يؤدي إلى التآزر؛ حيث تسهم نقاط القوة لكل جنس في بناء كلٍّ أقوى. وتُبرز تعاليم النبي ﷺ مثل «النساء شقائق الرجال» مساواتهن الأساسية، وشراكتهن في إعلاء الدين، وبناء المجتمع. هذا يعني أنه كما أن الرجال مسؤولون عن الحفاظ على الإيمان والمساهمة في المجتمع، كذلك النساء، كل حسب طبيعتها وقدراتها، مما يوفر أساسًا قويًّا للاعتراف بوكالة المرأة، ومساهماتها المتنوعة في المجتمع.

تُعد الأدلة التاريخية على مشاركة المرأة النشطة في تحصيل المعرفة ونقلها دعوة قوية لإحياء وتعزيز تمكين المرأة التعليمي والاجتماعي في المجتمعات الإسلامية المعاصرة. وتوفر التدابير الاستباقية التي اتخذها النبي ﷺ لتسهيل تعلم المرأة مخططًا للجهود الحديثة. إن التراجع التاريخي في رواية الحديث النسائية بعد القرون الأولى، وندرة المصادر حول تأليف النساء يشيران إلى انحراف عن المثل الإسلامي المبكر. هذا التراجع كان على الأرجح بسبب عوامل مجتمعية، أو ثقافية، وليس بسبب المبادئ الإسلامية المتأصلة، مما يدعم الجهود المعاصرة لإعادة تمكين المرأة في التعليم، والبحث العلمي، معتبرين ذلك عودة إلى الممارسة الإسلامية الأصيلة.

تربط فكرة المرأة الصالحة بأنها «خير متاع»، والأم بأنها «المدرسة الأولى» مباشرة بين صلاح المرأة، وتعليمها، ورفاهية المجتمع، ونسيجه الأخلاقي، والأجيال القادمة. إن هذه العلاقة المباشرة بين صلاح المرأة (خاصة الأمهات)، وازدهار المجتمع، تعني أن الإصلاح والتقدم المجتمعي يجب أن يبدأ بطبيعة الحال بتمكين المرأة، وتربيتها السليمة. هذا ليس مجرد منفعة اجتماعية، بل هو ضرورة إستراتيجية متجذرة في التعاليم الإسلامية، مما يجعل جودة النساء محددًا مباشرًا لصحة المجتمع.  

وحدة رصد اللغة الفارسية

 

[1] أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، (8/ 2)، برقم: (5971)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، (4/ 1974)، برقم: (2548).

[2] أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، (4/ 1974)، برقم: (2548).

[3] أخرجه البزار (9823) واللفظ له، وأورده ابن حبان في ((المجروحين)) (2/85).

[4] أخرجه البخاري (1/456، رقم 1292) ، ومسلم (4/2047، رقم 2658).

[5] أخرجه البخاري (5995)، ومسلم (2629) باختلاف يسير.

[6] أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631.

طباعة