دراسة إسبانية: المسلمون لم يدخلوا الأندلس كغزاة

وحدة رصد اللغة الإسبانية

  • | الخميس, 10 مارس, 2016
دراسة إسبانية: المسلمون لم يدخلوا الأندلس كغزاة

في رسالة دكتوراه حديثة نالت تقدير امتياز مع مرتبة الشرف من جامعة أليكانتي بإسبانيا أثبتت الباحثة ماريا باث دي ميغيل إيبانيس بالأدلة الأثرية والبيولوجية أن المسلمين لم يدخلوا شبه الجزيرة الأيبيرية على نحو ما يفعل الغزاة، وإنما كان من بين أوائل المسلمين عائلات كاملة اختلطت ثقافيا بالسكان الأصليين، وذلك بعكس ما كان معروفا في الأوساط الثقافية الإسبانية بأن الفتح الإسلامي للأندلس كان غزوا عسكريا محضا.

وقد تناولت الصحف الإسبانية الخبر تحت عناوين مختلفة تجتمع جميعها في أن الكشف العلمي يعيد كتابة تاريخ الفتح الإسلامي لبلدهم، في إشارة إلى تغيير وجهة النظر التي ذكرناها.

أجريت الدراسة على المقبرة الإسلامية المكتشفة في مدينة بمبلونة عاصمة إقليم نافار الإسباني منذ عام 2002م، وتعد هذه المقبرة أقدم مقبرة إسلامية معروفة في إسبانيا، حيث يرجع تاريخها إلى ما بين عامي 715 و770م، أي بعد سنوات معدودة من دخول المسلمين إلى الأندلس في عام 711م، وهو ما يجعل دراستها مهمة ويجعل من اكتشافها دليلا قويا على أن أوائل المسلمين الذين دخلوا إلى الأندلس حملوا معهم ثقافة زاوجوها مع الثقافة الأصلية للبلاد، وأن هدفهم لم يكن تدمير البلاد المفتوحة أو نهب خيراتها، وإنما تعميرها ونشر السلام بين ربوعها.

        تفليج لأسنان امرأة إسبانية - وكالة إيفي

      ومن الاكتشافات التي أعلنتها الدراسة هو ما نشاهده في الصورة، وهو تفليج تجميلي لأسنان امرأة عُثر عليها في المقبرة وتدل صفاتها الجينية أنها إسبانية من إقليم نافار. ومن المعلوم أن عادة التفليج هي عادة قادمة من غرب إفريقيا وليست عادة إسبانية، وهو ما يدل على أن هذه الثقافة قد انتقلت إليهم من القادمين الجدد إلى بلادهم.

التزاوج الثقافي يظهر أيضا -بحسب الباحثة- في مقبرة مسيحية مجاورة لمقبرة بمبلونة الإسلامية، حيث اكتشف فيها خواتم عليها نقوش عربية كوفية، في دليل آخر على اختلاط الثقافة الإسلامية  بالمسيحية وإفادة هذه من تلك.

وتكمن أهمية هذه الدراسة الإسبانية الحديثة التي صدرت منذ أقل من شهرين في أنها تقدم للإسبان وللعالم أجمع دليلا على أن المسلمين قد ساهموا في الحضارة والثقافة الإسبانيتين، ليس فقط في العصور المزهرة للأندلس، مثل عصر عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر، وإنما منذ وطأت أقدامهم أراضي شبه الجزيرة. فالمقبرة التي أجريت عليها الدراسة ترجع إلى البدايات المبكرة لدخول الإسلام إلى تلك الأراضي، وتظهر التأثير الإيجابي الذي أحدثته الثقافة الإسلامية هناك؛ وهو ما يدل كذلك على أن المسلمين الذين دخلوا الأندلس لم يدخلوها غزاة  محاربين ينهبون الثروات –كما فعلت إسبانيا نفسها بعد اكتشاف الأمريكتين على يد كريستوفر كولومبس- وإنما دخلوها ليقيموا بها حضارة استمرت على مدى ما يقرب من ثمانية قرون.

 

طباعة